خبر ⁄سياسي

الجيش والإسلاميون.. صراع ورثة السلطة والنفوذ في السودان

الجيش والإسلاميون.. صراع ورثة السلطة والنفوذ في السودان

عاين- 19 فبراير 2025

مع كل تقدم عسكري للجيش في السودان، ترتفع أصوات توحي بوجود خلاف بين قادة القوات المسلحة مع تنظيم الحركة الإسلامية، أحد أكبر داعمي الجيش في القتال المستمر لما يقارب العامين ضد قوات الدعم السريع.

ورغم تباين الآراء حول حقيقة خلاف الطرفين؛ لأن ثمة من يعتقد أن ما يجري مجرد تمويه لخداع الرأي العام السوداني، لكن هناك حالة من الإجماع على أن كلاً من الجيش لا سيما قائده عبد الفتاح البرهان والحركة الإسلامية، طموحات خاصة للاستحواذ على النفوذ السياسي والعسكري، والانفراد بحكم السودان.

حلف طويل الأمد جمع الحركة الإسلامية مع الجيش، والتي تمكنت من التغلغل وسطه واستمالته خلال فترة حكمها للسودان والتي امتدت لثلاثة عقود، كما يقفان في خندق واحد منذ اندلاع الحرب في البلاد في منتصف أبريل من العام 2023م، وهو ما يدفع البعض إلى التشكيك في إمكانية صدامهما، لكن الطموح الشخصي لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان في الاستمرار في حكم السودان، وتحالفاته الإقليمية والدولية مع جهات تُضْمِرُ العداء للإسلاميين، ربما يضع أساساً لخلاف فعلي.

المصير المشترك للجيش والحركة الإسلامية سيدفعهما إلى إيجاد صيغة للتعايش واقتسام النفوذ، مما يؤجل الصدام بينهما

أكاديمي

ويضع سباق الجيش والحركة الإسلامية، السودان على موعد مع مواجهات عسكرية جديدة في ظل امتلاك الطرفين إلى قوات مسلحة، لكن المصير المشترك للطرفين الذين يواجهان بشارع سوداني غاضب عليهما ربما يدفعهما إلى إيجاد صيغة للتعايش واقتسام النفوذ، مما يؤجل الصدام إلى أطول فترة ممكنة، وذلك بحسب ما يرجحه الأكاديمي السوداني د. بشير الشريف.

متغيرات دولية

ويرى الشريف خلال مقابلة مع (عاين) أن سيناريو المواجهة وارد في سياق التحليل وبناء على المعطيات الراهنة، لكن مستقبل علاقة الطرفين ستحدده المتغيرات الدولية والإقليمية خاصة الموقف المصري والإماراتي الرافض إلى عودة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم مجدداً في السودان، رغم أنهما على خلاف حالي بناء على موقفها من طرفي الحرب، كذلك موقف الإدارة الأمريكية الجديدة.

وبدأ الجيش فعلياً في الهجوم على قوات الدعم السريع في سبتمبر من العام الماضي بعدما ظل طيلة الفترة التي أعقبت الحرب في خانة الدفاع من داخل قواعده العسكرية، وظهر مقاتلو الحركة الإسلامية بشكل مكثف في المعارك العسكرية خاصة ما يعرف بكتائب البراء بن مالك، وهيئة العمليات وجهاز المخابرات الذين يدينون بالولاء الشديد للإسلاميين.

وفي شهر نوفمبر الماضي، فتح القيادي الإسلامي عبد الحي يوسف النار على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ووصفه بالخائن الذي لا دين له، وأرجع الانتصارات التي حققها الجيش إلى مجهودات مجاهدي الحركة الإسلامية، قبل أن يتحدى البرهان بوجود الإخوان في كل مكان في الدولة بما في ذلك مكتبه في قيادة القوات المسلحة.

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان

الهجوم الأول من نوعه، قابله قائد الجيش عبد الفتاح البرهان برد غاضب مخاطباً عبد الحي يوسف “من له فرد يقاتل في القوات المسلحة، يسحبه”. قبل أن يذهب ويوطد علاقاته مع قوات درع السودان بقيادة أبو عاقلة كيكل المنشق من قوات الدعم السريع، وقوات الحركات المسلحة والأورطة الشرقية، واعتمد عليها لاستعادة السيطرة على ولايتي الجزيرة وسنار.

تعطل العمليات

وألقت هذه الحادثة بظلالها على سير العمليات العسكرية، بعدما توقف محور المناقل الذي يقوده عناصر الحركة الإسلامية النيل الفاضل والناجي عبد الله والنعمان عبد الحليم، ومحور الفاو الذي يتقدمه الإسلامي الناجي مصطفى، ومحور سنار بقيادة الإسلاميين شهاب برج وفرحات ود العمدة، من الزحف نحو ود مدني، وفق مصدر ذي صلة تحدث لـ(عاين).

غرفة إدارة تنظيم الحركة الاسلامية التي يقودها علي كرتي من مدينة مروي تدخلت لتهدئة الأوضاع مع قائد الجيش

مصدر مقرب من الإسلاميين

وبحسب المصدر، فإن غرفة عمليات تنظيم الحركة التي يديرها علي كرتي، وأحمد هارون، وعثمان محمد يوسف كبر من مدينة مروي، سارعت بالتواصل مع البرهان لاحتواء الموقف، كما أصدرت بيان تبرأت فيه من عبد الحي يوسف، وقالت إنه ليس عضواً في الحركة الإسلامية، فاستأنفت العمليات العسكرية، وتقدم الجيش بشكل كبير في وسط السودان والعاصمة الخرطوم وشمال كردفان.

وبعد التقدم الذي حققه الجيش هاجم البرهان، حزب المؤتمر الوطني الذراع السياسي للحركة الإسلامية، وقال إنه لن يعود إلى الحكم في السودان، لكنه تراجع عن حديثه بعد ساعات قليلة نتيجة حملة انتقادات شنها عليه عناصر التنظيم، وأطلق تصريحاً جديداً بأن كل من قاتل مع القوات المسلحة سيكون جزاء من ترتيبات المرحلة المقبلة.

تلك التجاذبات كشفت ملامح المشهد السوداني لما بعد الحرب، وطبيعة الصراع المحتمل بين الجيش والحركة الإسلامية، وما يحمله من سيناريوهات، قد يكون من بينها الصدام.

عدة عوامل تمنع صدام الجيش مع الإسلاميين، من بينها الصلات الأسرية والأهلية بين القادة

محلل سياسي

لكن المحلل السياسي عبد الواحد إبراهيم يستبعد حدوث صدام بين الجيش والحركة الإسلامية، رغم أن المشهد السوداني يحتمل كل السيناريوهات استناداً إلى الإرث السابق المليء بالمواجهات من هذا النوع.

مستقبل فردي

ويقول إبراهيم في مقابلة مع (عاين): إن “الروابط الأسرية والصلات الأهلية بين قادة الجيش والحركة الإسلامية، تمثل أحد أهم العوامل التي تمنع صدامها مع بعض، بجانب المصير المشترك للطرفين الذين ارتكبا جرائم، ويخشيان على المستقبل الفردي الذي سيهدده نشوء أي صراع بينهما”.

ويرى عبد الواحد، أن فرص انعتاق الجيش من الحركة الإسلامية ضئيلة، فالأخيرة اخترقت الرتب العليا والوسطى في القوات المسلحة، وأغرقتها في الفساد، وجرائم الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، حتى جنوب السودان قبل استقلاله، فصاروا في يدها تتحكم فيهم.

ويستحوذ الجيش على موارد الدولة، بينما تملك الحركة الإسلامية المال ولديها ما لا يقل عن 100 مليار دولار أمريكي، مما يجعلهما متساويين في النفوذ المالي، لكن القوات المسلحة متفوقة عسكرياً بطبيعة الحال، بينما يحتمي مسلحو الحركة الإسلامية بالجيش، ولا يستطيعون الظهور في المشهد بمفردهم؛ لأنهم لا يملكون سنداً شعبياً، وفق عبد الواحد.

يستحوذ الجيش على موارد الدولة، بينما تملك الحركة الإسلامية المال ولديها ما لا يقل عن 100 مليار دولار أمريكي

من جهته، يقول الأكاديمي السوداني د. بشير الشريف إن الجيش والحركة الإسلامية في نفس المركب فكلاهما راهن على إجهاض ثورة ديسمبر سواء بالحرب أو الانقلاب من أجل حكم البلاد بالقوة العسكرية، فهما في حاجة دائمة إلى بعضهما البعض.

 ويشير الشريف خلال مقابلة مع (عاين) إلى كل الطرفين بحاجة إلى الآخر في الوقت، إذ يحتاج الجيش إلى ظهير مدني ومشروع اجتماعي يمكنه من السيطرة على المجتمع وضمان استقرار حكمه، والقوى الوحيدة التي ستقبل مشروعاً عسكري هي الحركة الإسلامية، بينما تحتاج الأخيرة إلى القوات المسلحة لاستعادة سلطتها، ولو بمستوى أقل يضمن تضميد جراحهم وإعادة ترتيب صفوفها من جديد.

مواجهة محتملة

وشدد الشريف، أن الواقع يفرض عليهما إيجاد صيغة مشتركة للتعايش تضمن لهما مواجهة الشارع وقواه المدنية وإرث ثورة ديسمبر، ومع ذلك لا يمكن غض الطرف عن مخاوف الجيش من عودة الإسلاميين، ليسوا كرديف فقط، وإنما لمعرفتها خبايا المؤسسة العسكرية التي تغلغلوا فيها لثلاثة عقود، ولن يتوقفوا عن السعي للسيطرة عليها مجدداً، مما يجعل سيناريو المواجهة وارداً.

وفي تقدير الكاتب الصحفي فائز السليك، أن “الفريق عبد الفتاح البرهان يهوى اللعب بالبيض والحجر، والرقص فوق رؤوس الأفاعي حيث ظل يلعب مع الجميع وضد الجميع والمحصلة إنه يلعب لصالح ورقه وليس مهما القوى التي تساعده، لكن المأزق الكبير أن الإسلاميين هم الممسكون بمفاصل الجيش والسيطرة على وحدات مهمة خاصة الطيران والمهندسين والمدرعات”.

ويقول السليك في مقابلة مع (عاين): “الإسلاميون لا يثقون بالبرهان، وينقسمون تجاهه إلى ثلاث فرق، أولهما فريق يداهنه، ويتعامل معه تكتيكياً، ويؤجل معركته إلى نهاية الحرب، والثاني لا يثق به، ويتحين الفرص للانقضاض عليه، أما التيار الثالث فهو تيار برقماتي، وسيدعم الفريق البرهان متى ما كانت القوة في يده، وسينحاز إلى أي طرف حال الغلبة”.

مواجهة محتملة

ويخلص السليك إلى أن العلاقة علاقة ريبة. وهناك سيناريوهات محددة لها، والأرجح أن يستعين البرهان بقوة إقليمية للتخلص من العناصر الفاعلة بعد نهاية الحرب، لا يستبعد فائز أن يوجه الإسلاميون ضربة استباقية حال انتصار الجيش، ويتوقع مواجهة بين الطرفين خاصة إذا علت فرص السلام والتدخل الدولي لوقف الحرب.

وعلى النقيض لا يتوقع المحلل السياسي صلاح حسن جمعة أي مواجهة بين الجيش والإسلاميين، فهما على حلف ومصير وهدف مشترك، ويديران حرباً ضد الشعب السوداني للسيطرة على مقاليد الحكم، فجميع المقاتلين الذين يخوضون المعارك ينشدون شعارات وأغنيات الإخوان المسلمين، ويسيئون إلى القوى السياسية المدنية.

ويقول جمعة في مقابلة مع (عاين): إن “الحركة الإسلامية ورثت الجيش تماماً، حتى أمواله وشركاته ومصارفه أصبحت بيد نظام الإخوان المسلمين، كما استحوذوا على النفوذ والقرار السياسي في الدولة، فهم من يتحكمون في ملف العلاقات الخارجية الآن، وقد أجبروا المؤسسة العسكرية على التوجه إلى الحلف الإيراني، وإقامة علاقات مع طهران”.

3ayin.com