خبر ⁄سياسي

مصر تعزز خطتها لـرفض التهجير بتحركات ميدانية ودبلوماسية

مصر تعزز خطتها لـرفض التهجير بتحركات ميدانية ودبلوماسية

خطوات مكثفة للقاهرة منذ إطلاق الرئيس الأميركي دونالد ترمب دعوته لاستضافة مصر والأردن سكان قطاع غزة، شملت تحركات ميدانية ساهمت في إدخال أول دفعة من المنازل الجاهزة للقطاع، عبر معبر رفح، وأخرى دبلوماسية وسياسية لإيجاد طرح بديل وحشد دعم له، أحدثها زيارتان حاسمتان من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإسبانيا ثم السعودية.

تلك المساعي شملت أيضاً تحركات شعبية بوقفة حاشدة أمام معبر رفح، وأخرى عبر اتصالات لوزير الخارجية بدر عبد العاطي، استطاعت خلال الأسابيع الأربعة أن «تعزز الخطة المصرية» لإعمار غزة دون تهجير سكانها، بالمخالفة لخطوة ترمب، وفق تقديرات عضو بمجلس الشؤون المصرية الخارجية، وسفير فلسطيني سابق، ومحلل سياسي مصري، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

وبحسب المصادر ذاتها، فإن تحركات القاهرة سعت لتطويق طرح ترمب وتدعيم البديل، ونجحت في ذلك ميدانياً، لا سيما ببدء إدخال المنازل الجاهزة، وفي مساعيها لإعلان خطتها قريباً بتوافق عربي وأوروبي وأممي، واعتزام تنظيم مؤتمر دولي لإعمار القطاع قريباً، ومن ثم «إفشال» الخطة الأميركية المرفوضة عربياً ودولياً.

وفي ثلاث خطوات متتالية، الخميس، أعلنت القاهرة، التي لم تكشف بعد عن تفاصيل خطتها بشكل رسمي، عبور أول دفعة من المنازل الجاهزة من معبر رفح باتجاه القطاع بعد تعنت كبير من إسرائيل، بجانب بيان مصري - إسباني مشترك عقب لقاء الرئيس السيسي ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، يؤكد فيه الطرفان حق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم، ورفضهما أي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار، داعين المانحين الدوليين إلى الانخراط بقوة في مؤتمر إعادة الإعمار الذي ستستضيفه مصر.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في مدريد (الرئاسة المصرية)

وينضم إلى ذلك الحراك، توجُّه الرئيس المصري إلى السعودية، بحسب إعلان الرئاسة المصرية، الخميس، لعرض خطة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وفق قناة «القاهرة الإخبارية»، تزامناً مع إعلان وكالة الأنباء السعودية عقد قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وملك الأردن والرئيس المصري، لقاء أخوياً غير رسمي، الجمعة، بدعوة من الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في مدينة الرياض.

تلك الخطوات سبقتها مواقف واتصالات وتصريحات وتحركات مصرية، منذ طرح ترمب في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، دعوة لتهجير سكان غزة لمصر والأردن، عبرت جميعاً عن رفض ذلك وسعيها لطرح خطة بديلة، وكان أبرزها حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي، في 29 يناير الماضي، بأن «تهجير الفلسطينيين ظلم لن نشارك فيه»، مروراً ببيانات لـ«الخارجية» ترفض ذلك الاقتراح، بخلاف زيارة لوزيرها بدر عبد العاطي للولايات المتحدة، أكدت موقف القاهرة الرافض للتهجير، بخلاف حشود مصرية رافضة أمام معبر رفح، وإعلان الرئاسة المصرية عن إعداد تصور شامل لإعمار القطاع دون إخراج سكانه.

شاحنة تنقل مواد بناء في الجانب المصري من معبر رفح الحدودي الحميس (أ.ف.ب)

وكان وجود مصر وتحركاتها لا سيما إعداد مؤتمر لإعمار غزة، عنصراً رئيسياً مشتركاً ضمن بنود خطة طرحها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الخميس، لافتاً إلى أنها ستقدم خلال القمة العربية الطارئة في 4 مارس (آذار) المقبل.

عضو مجلس الشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير محمد حجازي، يرى أن كل إشارة وتحرك وزيارة واتصالات مصرية كانت جهداً لإحباط مخطط تهجير غزة، وتطويقاً لخطة التهجير القسري بهدف إفشالها، وتعزيزاً لخطة القاهرة البديلة الضامنة لبقاء الفلسطينيين بأراضيهم، وحشداً للمجتمع الدولي لرفض طرح ترمب.

وبرأي حجازي، فإن مصر تحركت في محاور عديدة عبر دعم تثيبت الهدنة والضغط لإدخال المنازل الجاهزة، والإعداد لمؤتمر دولي لإعمار غزة، بخلاف حشد الرفض الأوروبي الداعم لرفض تهجير الفلسطينيين كما رأينا في مدريد، لافتاً إلى أن الخطة المصرية - العربية التي ستناقش في لقاء الرياض وقمة القاهرة ستكون تصوراً عادلاً ومتسقاً ومتوافقاً مع تطلعات الفلسطينيين.

المحلل السياسي المصري الدكتور عمرو الشوبكي يرى أيضاً أن تلك «التحركات الدبلوماسية والميدانية تعزز خطط مصر لرفض التهجير، استناداً لأنها تتحرك أولاً على الأرض لإدخال أدوات ومنازل جاهزة تسهل للفلسطينيين معيشتهم وبقاءهم بأرضهم وصمودهم. وثانياً، على مستوى آخر، عن طريق الحشد العربي والدولي لدعم خطتها المقابلة لطرح ترمب».

وباعتقاد سفير فلسطين السابق، بركات الفرا، فإن مصر تتحرك ميدانياً في كل اتجاه بإدخال كرفانات وخيام، ودبلوماسياً باتصالات ولقاءات وخطط وقمم منها لقاء الرياض، الجمعة، بخلاف قمة القاهرة المرتقبة، لتعزز المسار العربي الرافض للتهجير وصولاً لإفشال خطة ترمب.

شاحنات تنقل بيوتاً جاهزة بانتظار السماح لها بالدخول من معبر رفح إلى قطاع غزة (أرشيفية - إ.ب.أ)

ولم تعلق واشنطن مباشرة على التحركات المصرية، غير أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، ذكر في 12 فبراير (شباط) الحالي، خلال مقابلة متلفزة، أن المقترح الذي تقدَّم به ترمب بشأن تهجير سكان غزة، هو «المخطط الوحيد المتاح»، قائلاً: «على الحلفاء تقديم بديل إذا كانت لديهم خطة أفضل»، قبل أن يتمسك في زيارة لإسرائيل، الأحد، برفض إدارة «حماس» للقطاع، وهو ما كان مصدر مصري قطع الطريق على تلك الذريعة قبلها بيوم بالتصريح بأن الحركة موافقة على عدم مشاركتها في إدارة القطاع خلال المرحلة المقبلة.

ولا يستبعد حجازي أن تحمل تلك التحركات المصرية تأثيراً إيجابياً على واشنطن لتجنب فرض ترمب خطته لتهجير غزة، وتكون نواة حقيقية تذهب نحو استقرار بالمنطقة حال وجدت إنصاتاً أميركياً.

ولا يرى الشوبكي أن تلك التحركات بغرض إقناع ترمب الذي لا يعد شخصاً سهلاً يمكن إقناعه، مستدركاً: «لكن تهدف لدعم خطة إعمار غزة دون تهجير، وإيجاد قبول عربي ودولي يمكن أن يكون مؤثراً في مرحلة ما، خاصة أن واشنطن قالت إنها تحتاج لخطة بديلة يمكن بحثها ودراستها».

ويتوقع الفرا أن تسهم تحركات مصر في بلورة موقف عربي دولي أوروبي يكون ضاغطاً على ترمب للانحياز لخطة القاهرة البديلة التي ستعتمد في القمة العربية الطارئة.

aawsat.com