خبر ⁄سياسي

محلية أم رمتة بالنيل الأبيض: 183 قتيلا وأوضاع إنسانية كارثية

محلية أم رمتة بالنيل الأبيض: 183 قتيلا وأوضاع إنسانية كارثية

النيل الأبيض:22 فبراير 2025:راديو دبنقا
كشفت مجموعة محامي الطوارئ عن مقتل 183 شخصا جراء الهجمات البرية والقصف الجوي من قبل الدعم السريع والجيش على محلية أم رمتة في ولاية النيل الأبيض في الفترة من اكتوبر 2023 إلى فبراير 2025.

تقع محلية أم رمتة في ولاية النيل الأبيض، عند نقطة تقاطع استراتيجية تربط ولايات وسط السودان بغربه وجنوبه، حيث تحدها محلية القطينة شمالا ومحلية الدويم جنوبا، وولاية شمال كردفان غربا، وأم درمان شرقا. هذا الموقع يجعلها ممرا حيويا لحركة السكان والتجارة، ومركزا اقتصاديا يعتمد على المراعي وأسواق الماشية، ما زاد من أهميتها في النزاع الدائر.

وقال محامو الطوارئ في تقرير اطلع عليه راديو دبنقا إن محلية أم رمتة تعرضت لموجة من العنف والانتهاكات الجسيمة التي طالت المدنيين العزل، مما أدى إلى كارثة إنسانية  غير مسبوقة في تاريخ المحلية.

وقالت المجموعة إن التقرير جرى اعداده بناء على العمل الميداني علي الأرض، والتحقق وتوثيق افادات عدد (26) شاهد ، ويغطي التقرير الاطار الزمني من اكتوبر 2023 الي فبراير 2025 .

بداية الهجمات

يؤكد التقرير  أنه” منذ أكتوبر 2023، بدأت قوات الدعم السريع عملياتها العسكرية في المنطقة، وتصاعدت الهجمات بشكل ممنهج حتى يوليو 2024، حيث تمكنت من السيطرة على معظم قرى محلية أم رمته في حملة شرسة امتدت إلى القرى المجاورة لمحلية الدويم وسط مقاومة من المدنيين في بعض المناطق”.

وأشار التقرير إلى أن هذه الهجمات شملت أكثر من 17 قرية من بينها مناطق العلقة الهلبة، الصوفي، شكيري، ود نمر، القطينة الغربية، المراخات الحسين، والشقيق حيث ارتكبت انتهاكات واسعة النطاق، تضمنت القتل الجماعي التهجير القسري والنهب المنظم.

هجمات


وأكدت المجموعة  مقتل ما لا يقل عن 129 مدنيا، من بينهم نساءوأطفال وكبار السن، فيما أجبرت الاعتداءات الوحشية آلاف الأسر على الفرار، ليصل عدد النازحين إلى عشرات الآلاف وفق تقديرات أولية.

حصار


ونوه التقرير إلى فرض حصار خانق على المناطق التي وقعت تحت سيطرة قوات الدعم السريع، مشيرا إلى إغلاق الطرق الرئيسية، وتقييد حركة التجارة بشكل شبه كامل. خاصة الطريق الترابي البري الذي يربط بين ولايات الشمالية نهر النيل والنيل الأبيض. كما تم الاستيلاء على الموارد الحيوية، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية وانهيار الاقتصاد المحلي في ظل غياب أي مساعدات إنسانية.

قصف جوي ومدفعي


وأشار التقرير إلى تنفيذ الجيش السوداني قصفا جويا على عدة مناطق أسفر عن مقتل 54 مدنيا على الأقل، إضافة إلى تدمير منشآت حيوية، مما زاد من معاناة السكان. كما شهدت المنطقة قصفا بمسيرة تتبع للجيش، وقصف مدفعي شنته قوات الدعم السريع وأدت الهجمات إلى سقوط قتلى وجرحى.

الهدف من الهجوم

وأكدت مجموعة محامي الطوارئ أن  الهدف الأساسي لقوات الدعم السريع لم يكن مجرد الاستيلاء على محلية أم رمتة، بل استخدامها كنقطة استراتيجية لربط قواتها بين مناطق سيطرتها في الخرطوم، كردفان، ودارفور، وتعزيز تحركاتها العسكرية نحو وسط وشمال السودان، مع التوسع جنوبا حتى الحدود مع دولة جنوب السودان. هذه الاستراتيجية تهدد بتوسيع رقعة النزاع وإطالة أمد الأزمة الإنسانية، مما يستوجب تحركا دوليا عاجلا لوقف هذه الجرائم وضمان محاسبة الجناة وحماية المدنيين.

منذ تصاعد النزاع في السودان، أصبحت أم رمتة هدفا عسكريا لقوات الدعم السريع التي سعت للسيطرة عليها لتعزيز نفوذها وربط مناطق سيطرتها في الخرطوم وكردفان ودارفور.

تمثل السيطرة على أم رمتة بعدًا آخرا يتجاوز الديناميكيات المحلية حيث تتيح للدعم السريع القدرة على شن هجمات منسقة على مواقع الجيش في وسط وشمال السودان، والتوسع جنوبا نحو الحدود مع دولة جنوب السودان. هذه التحركات تعزز المخاوف من تدويل النزاع واستغلال خطوط الإمداد عبر الحدود، ما قد يفاقم الأزمة الإنسانية ويزيد من تعقيد جهود الاستجابة الحقوقية والإغاثية.

اعتقالات تعسفية واخفاء قسري

قال التقرير إن قوات الدعم السريع عمدت على اعتقال واحتجاز رهائن ، حيث استخدمت هذه الممارسات لابتزاز المدنيين وطلب الفدية مقابل الإفراج عنهم . وثق التقرير لثمانية حالات اختطاف طلبا للفدية في مدينة القطينة الغربية، قرية العلقة، منطقة الشقيق.

اوضاع انسانية قاسية

اضطر آلاف المدنيين إلى الفرار من منازلهم دون توفر أبسط مقومات الحياة مثل المأوى والغذاء والرعاية الصحية.

كماتسببت عمليات النهب والتدمير الممنهج للأسواق والمخازن في نقص حاد في المواد الغذائية وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.

ولم يتمكن المزارعون من حصاد محاصيلهم بسبب انعدام الأمن، مما يهدد بحدوث أزمة غذائية طويلة الأمد في المنطقة.

تعرضت المرافق الصحية للنهب والتدمير، مما أدى إلى إغلاق المراكز الطبية والمستشفيات وحرمان الآلاف من الخدمات العلاجية. ونتيجة لذلك، ارتفعت حالات الوفيات بين المرضى والمصابين، خاصة بين الأطفال والنساء الحوامل، بسبب نقص الأدوية والرعاية الطبية. تفشت أمراض قاتلة مثل الملاريا والإسهالات الحادة في ظل انعدام الرعاية الصحية وانتشار التلوث نتيجة انقطاع المياه.

تعرضت البنية التحتية للتخريب المتعمد حيث أدى القصف ونهب المعدات إلى انقطاع كامل للكهرباء والمياه، مما جعل الحصول على مياه الشرب النظيفة أمرًا بالغ الصعوبة.

تعطلت شبكات الاتصالات والإنترنت، مما زاد من عزلة السكان وصعب عمليات الإغاثة والتواصل مع
العالم الخارجي.

انهارت وسائل النقل بسبب الدمار الذي لحق بالطرق والجسور، مما أعاق حركة النازحين ومنع وصول المساعدات الإنسانية.

فوضى أمنية

في ظل الفوضى الأمنية، تصاعدت الانتهاكات المروعة ضد النساء والأطفال، حيث تم استهدافهم بشكل ممنهج من خلال الاعتداءات الجسدية والجنسية وسط انعدام أي حماية قانونية أو مجتمعية. تعرضت العديد من النساء والفتيات للخطف وسط تقارير عن تجنيد قسري للأطفال في صفوف الميليشيات المسلحة. حرم الأطفال من التعليم بعد إغلاق المدارس.

مارست قوات الدعم السريع عمليات نهب منظمة استهدفت الممتلكات العامة والخاصة، حيث استولت على المواد الغذائية والمياه والوقود مما أدى إلى أزمة معيشية خانقة. تم نهب الأسواق والمحلات التجارية والمخازن الغذائية، مما تسبب في انهيار النشاط الاقتصادي وارتفاع الأسعار إلى مستويات جنونية فرضت القوات جبايات وإتاوات جائرة على التجار والمزارعين وأصحاب الأعمال الصغيرة، حيث أجبروا على دفع مبالغ طائلة تحت التهديد بالسلاح، مما أدى إلى انهيار الاقتصاد المحلي تماما.

الإطار القانوني

قالت مجموعة محامي الطوارئ إن هذه الافعال التي تم توثيقها من خلال هذا التقرير تشكل انتهاكا للحقوق الأساسية المنصوص عليها في القوانين الدولية بما في ذلك الحق في الحياة والأمان الشخصي والملكية المنصوص عليها في الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 ، فضلاً عن الحق في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب العقوبة أو المعاملة القاسية او اللانسانية .
تعتبر هذه الهجمات  خرقا صارخا لاتفاقيات جنيف 1949 والبرتكول الاضافي الثاني والتي تحظر استهداف المدنيين وتدمير ممتلكاتهم، بالإضافة إلى انتهاك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما أن المسؤولية الجنائية عن هذه الجرائم تقع على عاتق الأفراد المتورطين في تنفيذ الهجمات.

توصيات

ودعا التقرير القوات المسلحة وقوات الدعم السريع للامتناع عن استهداف المدنيين أو تعريضهم للخطر، وضمان احترام القوانين الدولية التي تحظر الهجمات العشوائية والانتهاكات الجسيمة.

كما شدد على اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف جميع الانتهاكات، بما يشمل القصف العشوائي والقتل خارج نطاق القانون والتجويع القسري وحماية المرافق الصحية والتعليمية والخدمية من الاستهداف.

ودعت لوقف عمليات النهب الممنهج للممتلكات العامة والخاصة، بما في ذلك الأسواق والمخازن والمؤسسات الخدمية، ووقف فرض الإتاوات والضرائب غير الشرعية على السكان.

وأكد التقرير ضرورة محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات عبر آليات دولية مستقلة، نظرا لعدم وجود نظام قضائي محايد داخل البلاد.

كما طالبت بفرض عقوبات على الأفراد والجهات المسؤولة عن الجرائم ضد المدنيين بما يشمل تجميد الأصول، وفرض قيود على السفر، وحظر
توريد الأسلحة والدعم اللوجستي لههم

ودعا التقرير إلى إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية نظرا لانعدام العدالة داخل السودان، أو إنشاء آلية تحقيق دولية مستقلة لضمان محاسبة المسؤولين.

ودعا المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود لإيجاد حل سياسي يضمن إنهاء النزاع، ومحاسبة المتورطين في الجرائم، ووضع حد لدورة العنف المستمرة.

dabangasudan.org