خبر ⁄سياسي

حكومة موازية..كيف تنظر مصر لتطورات حرب السودان

حكومة موازية..كيف تنظر مصر لتطورات حرب السودان

عاين- 24 فبراير 2025

صعدت الحكومة السودانية المدعومة من الجيش، من تسليط الضوء على خطورة الميثاق الموقع في العاصمة الكينية نيروبي بين قوات الدعم السريع وحركات مسلحة وشخصيات سياسية والتي تنوي إعلان حكومة موازية قريبًا، وطلبت من مصر بواسطة وزير الخارجية علي يوسف الانخراط في مشاورات جدية في مسعى لمحاصرة هذه الأزمة التي قد تقود إلى إنشاء حكومة موازية غربي السودان.

تواجه مصر انتقادات عنيفة من القوى المدنية والفاعلين في الشأن السوداني بسبب دورها المساند للجيش السوداني. وتعتبر مصر من أكبر الدول التي استضافت اللاجئين السودانيين خلال الحرب وتشير التقديرات غير الرسمية إلى وجود أكثر من ثلاثة ملايين شخص قبل وأثناء القتال بين الجيش والدعم السريع فيما لجأت وكالة مفوضية اللاجئين التابعة إلى الأمم المتحدة في مصر إلى تقليص فترات الإقامة الممنوحة للسودانين.

وتعلق مصر آمالًا عريضةً على الجيش السوداني للتوسع في الولايات الواقعة غرب البلاد لإنهاء أية آمال بشأن الحكومة الموازية التي قد ترسم ملامح التقسيم في السودان ومع ذلك فإن وجود عامل خارجي يتمثل في الإمارات العربية المتحدة قد تعجل بتحقيق هذا الهدف على الأرض. حسب الباحث في مجال السلام والديمقراطية أحمد عثمان متحدثا عن التطورات الأخيرة وكيفية تعامل مصر معها.

وفي جولة لوزير الخارجية السوداني إلى القاهرة خلال هذا الأسبوع صرح لوسائل الإعلام أن التشاور مع مصر مستمر لخطورة الوضع الداخلي في السودان بالتزامن مع توقيع ميثاق مع قوى عسكرية وسياسية لتشكيل حكومة موازية.

حان الوقت لتشعر مصر بالخطر من تفكك السودان على الأمن القومي

ويقول الباحث في مجال الديمقراطية والسلام أحمد عثمان لـ(عاين): إن “الوقت قد حان ليستشعر نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالخطر من انقسام السودان بعد 22 شهرا من القتال بين الجيش والدعم السريع”.

ويعلق الباحث في العلاقات الدولية محمد عبد المجيد على الدور المصري في السودان خلال الحرب قائلا: إن “مصر لعبت دورا سلبيا خلال الأزمة السودانية لأن كل الطرق تؤدي بالنسبة لها إلى صعود القوى المدنية المؤيدة للديمقراطية وتداول السلطة لذلك تبحث القاهرة دوما عن تقوية الأنظمة العسكرية في السودان والسيطرة عليها في ذات الوقت بالمقابل فإن الرهان على هذا الدور قد أوصلها إلى مرحلة وراثة دولتين فاشلتين على حدودها الجنوبية بالتالي وضع أمنها القومي على المحك”.

فشل الضغوط الدولية على مصر
ويرى عبد المجيد في مقابلة مع (عاين)، أن وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن والمبعوث الأميركي إلى السودان توم بيريلو زارا القاهرة أكثر من مرة العام الماضي لحثها على لعب دور في إنهاء الحرب في السودان لكنها لم تظهر الجدية المطلوبة والحرص على إنهاء معاناة 30 مليون سوداني.

ويقول محمد عبد المجيد: إن “مصر لا تدري كيفية التعامل مع الملف السوداني إلا عبر سياستها القديمة المجربة ذات الوصفة الأمنية لذلك فإنها لم تكن فعالة بما يكفي للعب دور إزاء الصراع المسلح في السودان خاصة وأن نظام السيسي يأمل في إنهاء القوة العسكرية لقوات الدعم السريع ووضعها في إطار حركة مسلحة تحت سيطرة الجيش”.

ومع تقدم الجيش في مناطق العمليات العسكرية ، تظاهر العشرات في مدينة بورتسودان العاصمة المؤقتة للحكومة المدعومة من الجيش شرق البلاد تأييدا للحكومة المصرية ورفعوا لافتات مكتوب عليها “شكرا مصر”.

مظاهرات مؤيدة لمصر في بورتسودان- الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي

فيما يقول أحمد عثمان الباحث في مجال السلام والديمقراطية لـ(عاين): إن “مصر تمر بمرحلة اضطرابات داخلية جراء الأزمة الاقتصادية ولم تكن منذ الاستقلال تظهر الجانب الإيجابي مع السودان حتى المشاريع المشتركة بين البلدين لم تحقق أي اختراق لذلك فإن القاهرة لم تتمكن من فعل شيء إزاء الحرب في السودان حتى لو استمر القتال مائة عام طالما هي قادرة على ضبط حركة اللاجئين السودانيين وحماية حدودها جنوب البلاد”.

وأضاف: “عندما نرى الموقف المصري إزاء الحرب في السودان علينا أن نشاهد العلاقة بينها وبين الإمارات التي ضخت في الاقتصاد المصري ما لا يقل عن 15 مليار دولار خلال ثلاثة سنوات فقط”.

ويقول عثمان: إن “قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لديه اعتقاد أن مصر حليف استراتيجية بالنسبة للمؤسسة العسكرية لكنه في ذات الوقت لا يشعر نظام السيسي أن البرهان هو الجنرال المفضل لديه ليكون قادرا على استدامة النظام العسكري على السلطة”.

تراجع النفوذ المصري

وتقول الباحثة في مجال النزاعات المسلحة إسراء خليفة لـ(عاين): إن “مصر خسرت نفوذها في السودان خلال الشهور الماضية فالوضع في بورتسودان لا يشبه العاصمة السودانية وتعزو خليفة الخسائر الدبلوماسية المصرية في بورتسودان إلى تقزم سلطة عبد الفتاح البرهان جراء هيمنة الإسلاميين على قرار الحرب.

وتضيف خليفة: “مصر لم تعد تشعر أن البرهان الحارس الأكبر لمصالحها في السودان لذلك لا تستطيع انفاذ أي تحرك دبلوماسي في السودان لوقف القتال”.

وبالتزامن مع إعلان ميثاق سياسي في نيروبي تهيمن عليه قوات الدعم السريع نهاية فبراير 2025 أعلن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أن مصر حريصة على سيادة السودان.

فشل حلف للبرهان

بينما يقول الباحث في العلاقات الدولية محمد عبد المجيد، إن “مصر لم تتمكن من تحقيق اختراق كبير جراء استضافة مؤتمر للقوى السياسية السودانية منتصف العام 2024 لتشكيل حلف سياسي لديه القدرة على دعم الجيش السوداني كما إن القاهرة تحصل على موارد هائلة من السودان خلال الحرب دون رقابة حكومية خاصة الذهب الذي يصدر بكميات كبيرة وأصبح السوق المصري بالنسبة للمعدنين السودانيين الوجهة المفضلة لديهم لأنه يساعدهم على التهريب”.

الموارد السودانية مثل الذهب والحبوب تتدفق إلى مصر دون رقابة حكومية

وأردف: “السلطات المصرية تغض الطرف عن الوقود المهرب من مصر إلى مناطق التعدين في السودان لأن الذهب لا يرسل إلى المنافذ الرسمية بل يهرب إلى مصر بكميات كبيرة”.

بينما يقول الباحث في الشؤون الدبلوماسية عمر عبد الرحمن لـ(عاين): إن “مصر في طريقها إلى خسارة نفوذها في السودان واصطفت إلى جانب الجيش لاعتقادها أن هذا الأمر سيؤدي إلى بناء نظام عسكري في البلد الذي يجاوره جنوبا مع الحرص على إطفاء التحركات الشعبية المؤيدة للديمقراطية خلال (انقلاب البرهان وحميدتي)  العام 2021 بتقديم المشورة للجنرالات حتى في الأمور المتعلقة بالقمع الأمني للمتظاهرين”.

ويعزو عبد الرحمن تغلغل مصر في الشأن السوداني خلال السنوات الماضية إلى ضعف القوى السياسية وعدم قدرتها على صناعة بديل مناسب لردع “تدخلاتها السلبية”  في السودان.

مصر تريد الإبقاء على نظام عسكري قمعي في السودان لحماية مصالحها المرتبطة بمياه النيل ومثلث حلايب

وأضاف: “مصر تريد دوما الإبقاء على نظام عسكري قمعي في السودان لحماية مصالحها المرتبطة بمياه النيل ومثلث حلايب والموارد وإطفاء التحول المدني والديمقراطي”.

البرهان يستنجد بالقاهرة

ويقول الباحث في الشؤون الدبلوماسية عمر عبد الرحمن، ان “زيارة وزير الخارجية السوداني علي يوسف للقاهرة بالتزامن مع إعلان ميثاق نيروبي بواسطة الدعم السريع وحركة عبد العزيز الحلو توطئة لتكوين حكومة موازية داخل السودان ترتبط بالبحث عن مخارج النجاة من هذا المأزق لأن المجتمع الدولي لم يناهض هذا التوجه بشكل عنيف وكأنه تماهى مع وجود حكومتين داخل السودان.

المجتمع الدولي لا يشعر بالقلق إزاء وجود حكومتين في السودان

وزاد قائلا: “المجتمع الدولي لا يشعر بالقلق إزاء وجود حكومتين طالما لديه القدرة على التعامل مع الطرفين وتحقيق مصالحه”.

وأضاف الباحث في الشؤون الدبلوماسية عمر عبد الرحمن : “لم يجد نظام البرهان مفرا من الاستنجاد بالقاهرة لرفض الحكومة الموازية وصدرت تصريحات من الجانبين دون أن تكون ذات فعالية”.

مساعدات عسكرية

بالمقابل يقول الباحث في الشؤون الأفريقية عادل إبراهيم لـ(عاين): أن “مصر قدمت مساعدات عسكرية كبيرة للجيش السوداني سواء بتمرير شحنات الأسلحة أو تقديم استشارات عسكرية خلال الحرب ولا يمكن إغفال هذا الجانب”.

مركبة عسكرية في الخرطوم

فيما يتعلق بالمحاولات المصرية لوقف الحرب في السودان يرى إبراهيم، أن مصر تدرك أن الجيش السوداني لم يكن يرغب في إيقاف الحرب وهو مواجه بخسائر فادحة لنحو ثلثي مساحة العاصمة السودانية وحامياته محاصرة.

وتابع: “مع تحسن موقف الجيش السوداني بين شهري يناير وفبراير 2025 يمكن لمصر أن تكون فاعلة في أي عملية سلمية لصالح وحدة الأراضي السودانية”.

وتابع: “في ذات الوقت لا بد من معرفة حساسية العلاقة بين مصر والإمارات والتي تساند وترسل الأسلحة لقوات الدعم السريع هذا الوضع يشكل لمصر أيضا القلق المستمر”.

تكييف مصري مع التفكك

كانت مصر تطمح إلى بناء ائتلاف سياسي مناهض الحرب وداعم للجيش السوداني في ذات الوقت من خلال مؤتمر القوى السياسية العام الماضي ومع ذلك فإن التوصيات لم تغادر القاعات منذ تلك الفترة.

تقول إسراء خليفة الناشطة في مجال فض النزاعات المسلحة إن مصر قد “تكيف وضعها” مع بلدين منفصلين يقعان على جنوبها لأنها نتيجة طبيعية لتشجيع الانقلاب العسكري في العام 2021 والذي انتهى إلى حرب في 15 أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وتضيف: “مصر لم تحسن التعامل مع الملف السوداني ولا تزال مسجونة في الملفات الأمنية طالما تخشى أن تكون هناك ديمقراطية في السودان”.

وتقول إسراء خليفة، إن أي تفكك للسودان يعني تهديد مباشر للأمن القومي المصري ينبغي الوضع في الاعتبار أن إسرائيل لن تترك مصر مستقبلا من خلال إضعاف دول الجوار ونشر الفوضى العسكرية.

3ayin.com