همس الحروف .. د. الباقر عبد القيوم يكتب : الصديق الحقيقي عند الشدة و وقت الضيق شكرا مصر

د. الباقر عبد القيوم علي
إن العلاقة بين مصر و السودان تمثل نموذجاً راقياً و حقيقياً لمعاني الإنتماء المزدوج بين الأشقاء ، و تعبر هذه العلاقة من تلقاء نفسها عن نفسها ، في حجم التضامن و التعاون المشترك بين هذين البلدين الشقيقين ، و لا أريد أن أكرر ما ذكرته كثيراً في مقالات سابقة عن تلك الروابط التأريخية الأزلية ، الثقافية منها و الإجتماعية ، و علاقات المصاهرة ، و الدم ، و مياه النيل ، و وحدة المصير ، و هذه الروابط تجسدت فعلياً في مواقف عملية كثيرة في حياة المواطنين السودانيين حينما حلت بنا أزمة الحرب الشيء الذي جعل الشقيقة مصر ، و شعبها يحظى بتقدير كبير من عموم الشعب السوداني ، و تظل هذه المواقف خالدة في ذاكرة الزمن و محفورة في دواخل كل سوداني ، و هي حقاً مواقف لا يمكن أن نقدرها بثمن .
في اليوم الأول لإنفجار الأزمة في السودان ، لم تتوان مصر في أن تكون هي أول دولة تفتح أبوابها لإستقبال السودانيين الهاربين من لهيب الحرب ، ففي لحظات عصيبة جداً ، حيث ضاقت السبل بنا ، وإحتجزت الأقدار الناس في دوامة الحرب ، لم يتمكن بعضنا من حمل أوراقهم الثبوتية ، و حينها توقفت حركة استخراج جوازات السفر في السودان ، و هنا برز دور مصر بمبادرتها الكريمة و غير المسبوقة ، حيث غضت الطرف ، و تنازلت عن كثير من القيودات الرسمية لتسجل للتأريخ وقفتها مع الشعب السوداني ، فسمحت لهم بدخول أراضيها بوثائق سفر مؤقتة ، وهو مستند يتألف من ورقة بسيطة ، تحمل بيانات الشخص و صورته فقط ، وتفتقر هذه الورقة إلى الاعتراف الدولي ، و لكن ما يثير الإعجاب و يجسد أروع معاني الإنسانية و الأخاء هو أن مصر دون سواها من الدول الصديقة كانت هي السباقة إلى تلك الخطوة الجريئة . لقد كانت الوثيقة نفسها غير معترف بها في أي مكان آخر من العالم ، و يمكن ألا يقبلها البعض كمستند رسمي داخل السودان ، فضلاً من أنها مستند يسمح للشخص بالسفر إلى دولة أخرى ، و لكن كانت هذه الورقة بمثابة شهادة حية تبين قوة العلاقة الأخوية بين الشعبين ، حيث تجلت هنا قيم التضامن المصري في أبهى صورها ، و لم يكن ذلك مجرد قرار سياسي ، بل تعدى ذلك إلى أن يكون هذا الأمر هو أصدق تجسيد للأخوة الحقيقية التي لا تقتصر على الكلمات ، و العبارات المنمقة ، و يؤكد ذلك الأفعال على أرض الواقع ، التي عكست عمق هذه الروابط ، و الصدق في المواقف ، و هذه اللفتة البارعة في ميزان الأخاء قد يراها البعض بسيطة ، و لكنها في حقيقة الأمر معبرة عن وقوف مصر مع السودان في وقت الشدة ، مؤكدة بذلك أن الأخوة الحقيقية لا تُقاس بالأوراق الرسمية ، بل بمواقف الوفاء والإنسانية عند الحاجة ، إنها مصر (أم) المواقف عند الشدة .
و في هذا التوقيت الحرج من عمر الزمان ، تعطل الإنتاج و توقفت مصانع المواد الغذائية عن العمل ، و حدثت فجوة غذائية حادة ، فسارعت مصر إلى فتح حدودها من أجل توفير السلع الأساسية للشعب السوداني ، و يعد هذا الأمر خطوة استراتيجية أسهمت في التقليل من آثار الحرب ، و أدت هذه الخطوة إلى استقرار السوق المحلي السوداني ، فلم تحدث الفجوة بل حدث العكس تماماً و هو إغراق السوق بالمنتجات ، مما ساعد في استقرار الأسعار وتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية ، و هذا ما يؤكد عمق الروابط الأخوية بين الشعبين .
مصر إنها مصر ، فلها الكثير من المواقف المليئة بالعطاء دون انتظار مقابل ،. فهي البلد الذي استقبل ملايين السودانيين الذين وجدوا في أراضيها ملاذاً آمناً ، و سكنا هانئاً ، في ظل هذه الظروف الصعبة التي مرت بها بلادنا ، إنها مصر صاحبة المواقف النبيلة الممتدة منذ الماضي ، و هي ما زالت تنهج نفس النهج بصورة مستمرة تؤكد بذلك عمق الروابط و وحدة المصير ، إنها الشريك الاستراتيجي ، و هي نعم الصديق عند وقت الضيق .
نحن نقدر ما قدمته مصر تقديراً عميقاً ، و مازالت تقدم على كل الأصعدة الإنسانية ، و الإجتماعية ، و الإقتصادية ، و السياسية ، و من لا يشكر الناس لا يشكر الله ، فقد قدمت مصر الدعم و الإخاء في وقت حاجتنا إليها ، و كل هذه المواقف تجعلنا نردد دوماً : (شكراً مصر ) و (شكراً سيسي مصر) ، و ذلك تقديراً لدورها الكبير الذي قامت به في مساعدة شعبنا .
و الله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل
azzapress.com