تحقيق لـ هيومن رايتس ووتش يكشف تفاصيل مروعة لإنتهاكات قوات درع السودان في أحداث كمبو طيبة

استهدفت “قوات درع السودان“، وهي جماعة مسلحة تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، المدنيين وممتلكاتهم عمدا في هجوم 10 يناير، و ارتكبت الجماعات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني انتهاكات عنيفة ضد المدنيين في هجومها الأخير على “كمبو طيبة” بولاية الجزيرة.
بروكسل / التغيير ــ وكالات
و قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير مفصل اليوم الثلاثاء، إن “قوات درع السودان”، وهي جماعة مسلحة تقاتل بجانب “القوات المسلحة السودانية” (الجيش السوداني)، تعمّدت استهداف المدنيين في هجوم يوم 10 يناير 2025.
و قتل الهجوم على قرية كمبو طيبة بولاية الجزيرة في وسط السودان 26 شخصا على الأقل، بينهم طفل، وجرح آخرين. كما نهبت الجماعة الممتلكات المدنية بشكل منهجي، بما يشمل المؤن الغذائية، وأحرقت المنازل. تشكّل هذه الأفعال جرائم حرب، وبعضها، مثل قتل المدنيين عمدا، قد يشكّل أيضا جرائم محتملة ضد الإنسانية.
تحقيق عاجل
قال جان باتيست غالوبان، باحث أول في الأزمات والنزاعات والأسلحة في هيومن رايتس ووتش: “ارتكبت الجماعات المسلحة المقاتلة إلى جانب الجيش السوداني انتهاكات عنيفة ضد المدنيين في هجومها الأخير في ولاية الجزيرة. ينبغي للسلطات السودانية التحقيق بشكل عاجل في جميع الانتهاكات المبلغ عنها ومحاسبة المسؤولين عنها، بمن فيهم قادة قوات درع السودان”.
كان هجوم 10 يناير، جزءا من تصاعد دموي في هجمات الجماعات والميليشيات المتحالفة مع الجيش السوداني ضد المجتمعات في الجزيرة وغيرها من المناطق التي استعادها الجيش من “قوات الدعم السريع” منذ يناير 2025. استهدف المهاجمون المسلحون، بمن فيهم قوات درع السودان، و”كتيبة البراء بن مالك” الإسلامية، وميليشيات محلية، التجمعات التي يبدو أنهم اعتبروها مؤيدة لقوات الدعم السريع، وهي قوة عسكرية مستقلة تقاتل الجيش السوداني منذ أبريل 2023. استعاد الجيش السوداني عاصمة ولاية الجزيرة، ود مدني، في 11 يناير.
أجرى باحثو هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ثمانية ناجين من الهجوم على كمبو طيبة شهدوا أيضا أحداثا رئيسية محيطة بهذا الهجوم. كما حلل الباحثون صور الأقمار الصناعية، والصور الفوتوغرافية والفيديوهات التي شاركها الناجون وأظهرت جثث بعض القتلى، والأضرار الناجمة عن الحرائق التي تسبب فيها المهاجمون، ومقابر الضحايا، وقائمة تضم 13 قتيلا. أكدت لجنة من سكان كمبو طيبة شُكلت لإحصاء القتلى مقتل 26 شخصا.
تبعد قرية كمبو طيبة 30 كيلومتر شرق ود مدني في محلية أم القرى، وسكانها من إثنيات التاما والبرغو والمراريت، وهم أصلا من غرب السودان. تُعرف هذه المجتمعات الزراعية بـ”الكنابي”، وسكانها معظمهم من إثنيات غير عربية من غرب السودان وجنوبه، استقرّوا في المنطقة منذ عقود. تعرضت تجمعات سكانية أخرى من الكنابي للهجوم في الأسابيع الأخيرة.
ناجون يرون الفظائع
صباح 10 يناير، دخل كمبو طيبة عشراتٌ من مقاتلي درع السودان، وصفهم السكان بأنهم عرب، في آليات “تويوتا لاند كروزر” مزودة برشاشات ثقيلة. قال شهود عيان إنهم أطلقوا النار عشوائيا على الرجال والفتيان وأشعلوا النار في المباني. قال شهود عيان إن المقاتلين هاجموا القرية مجددا بعد الظهر بينما كان السكان يدفنون الضحايا، وانتقلوا من منزل إلى آخر بحثا عن الرجال والفتيان، وعاودوا القتل والنهب والحرق.
قال رجل عمره 60 عاما إن مسلحين يرتدون زيا مموها أخضر ويستقلون آليات تويوتا لاند كروزر هاجموه من مسافة قريبة. قال الرجل: “قالوا: توقف!، ثم أطلقوا النار علي قرب كليتي [من بندقية] كلاشينكوف”. قال رجل شهد الحادثة إنه سمع المهاجمين يصرخون بألفاظ عنصرية مثل “يا عبد!” أثناء إطلاق النار.
قالت امرأة: “جاؤوا إلى المنزل الذي كنا فيه وسألوا أين أزواجنا جميعا. بدأوا بتهديد الجميع بأنهم سيؤذوننا وأزواجنا”. تذكرت أن الرجال قالوا، “ألا تعرفون من هم جنود كيكل؟ ألا تعرفون من نحن؟”، في إشارة إلى أبو عاقلة كيكل، قائد قوات درع السودان.
شكّل كيكل قوات درع السودان في العام 2022، وجنّد عناصرها بشكل أساسي من المجتمعات العربية في ولاية الجزيرة. قاتلت المجموعة إلى جانب الجيش السوداني من أبريل 2023 إلى أغسطس 2023، لكنها انشقّت بعد ذلك وانضمت إلى الدعم السريع. في أكتوبر/تشرين الأول 2024، عاد كيكل ودرع السودان إلى القتال مع الجيش السوداني. ردا على ذلك، نفذت قوات الدعم السريع موجة هجمات ضد تجمعات سكانية افترضت أنها موالية لكيكل، وارتكبت فظائع منها العنف الجنسي على نطاق واسع ضد النساء والفتيات. مع استعادة الجيش السوداني الجزيرة ومناطق أخرى من السودان منذ يناير ، يتحمل المدنيون وطأة العنف الانتقامي، وهذه المرة من قِبل المجموعات المتحالفة مع الجيش، التي تتهمهم بالتعاون مع قوات الدعم السريع عندما كانت هذه القوات تسيطر على المناطق.
شهود عيان
قال شهود إن المركبات العسكرية كانت تحمل عبارة “درع السودان” وشعارا يشبه شعار درع السودان. روى الشهود حدوث نهب واسع للأموال والغذاء والماشية، شمل 2,000 رأس ماشية. قال جميع الشهود إن سكان القرية لم تكن لديهم أسلحة ولم يتمكنوا من المقاومة، ولم يقاوموا هجوم 10 يناير.
الفيديوهات التي تلقتها هيومن رايتس ووتش وتحققت منها تدعم رواية الهجوم على كمبو طيبة، وتحتوي أدلة على ارتكاب جرائم في أماكن أخرى في ولاية الجزيرة في الوقت نفسه تقريبا. تُظهِر الفيديوهات التي حُدّد موقعها الجغرافي في ود مدني وظهرت في وسائل التواصل الاجتماعي مقاتلين مرتبطين بالقوات المسلحة السودانية وهم يرتكبون أعمال تعذيب وقتل خارج القضاء ضد أشخاص عزل. أثارت التقارير عن مقتل مواطنين من جنوب السودان على يد قوات متحالفة مع الجيش السوداني في ود مدني أعمال عنف انتقامية ضد المدنيين السودانيين في جنوب السودان، ما أدى إلى أزمة دبلوماسية بين السودان وجنوب السودان.
قتلُ المدنيين وتشويههم ونهب الممتلكات المدنية وتعمد استهدافها وتدميرها هي جرائم حرب. بموجب مبدأ مسؤولية القيادة، قد يكون القادة العسكريون مسؤولين عن جرائم الحرب التي يرتكبها أفراد تابعون للقوات المسلحة، أو مقاتلون آخرون خاضعون لسيطرتهم.
تجاوزات فردية
أدان الجيش السوداني الانتهاكات في شرق الجزيرة، لكنه وصفها بأنها “تجاوزات فردية”، وقال إنه سيحاسب المسؤولين عنها. بعد الهجوم على كمبو طيبة، قال السكان إن محققين حكوميين زاروا الموقع وأجروا مقابلات مع شهود رئيسيين. كما قال شهود إن مركبات من “القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح”، وهي تحالف عسكري من جماعات مسلحة دارفورية إلى حد كبير، نُشرت في كمبو طيبة لحماية السكان. لكن جنرالات من الجيش السوداني، منهم الفريق أول ياسر العطا من “مجلس السيادة” الحاكم، ظهروا علنا مع كيكل منذ ذلك الحين وأشادوا بمساهمته في المجهود الحربي.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للجيش السوداني التحقيق في الهجوم على كمبو طيبة وغيره من الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات المسلحة والميليشيات التابعة له، ونشر نتائج تحقيقاته، واتخاذ خطوات لمحاسبة جميع المسؤولين، بمن فيهم القادة. ينبغي للجيش السوداني تعليق عمل كيكل وغيره من قادة درع السودان الرئيسيين في انتظار نتائج التحقيق.
قال غالوبان: “هناك أدلة واضحة على أن القوات المتحالفة مع الجيش السوداني مسؤولة عن عمليات قتل مروعة وفظائع ضد المدنيين. على الأطراف الدولية، بما فيها الولايات المتحدة و”الاتحاد الأوروبي” وبريطانيا، أن تدعم بشكل فاعل المبادرات القوية لحماية المدنيين في السودان وتفرض بسرعة عقوبات موجّهة ضد المسؤولين، بمن فيهم أبو عاقلة كيكل”.
الهجوم على طيبة
تعرضت قرية كمبو طيبة للهجوم أول مرة في 9 يناير ، دخلت قوات درع السودان قرية المغاربة القريبة وقال أحد الشهود إن قتالا اندلع ذلك اليوم قرب كمبو طيبة. تعرضت كمبو طيبة للهجوم بعد الظهر بالأسلحة المتفجرة، ما دفع بعض الناس إلى الفرار وقضاء الليل في الحقول. لم تقع إصابات، وقال شاهدان إنهما شاهدا مسيّرات تحلّق فوق كمبو طيبة في وقت متأخر من بعد الظهر.
عاد السكان صباح اليوم التالي. الساعة 9 أو 10 صباحا، دخلت القرية دراجات نارية وسيارات تويوتا لاند كروزر مزودة برشاشات ثقيلة “دوشكا” عيار 12.7 ملم. قالت شابة نجت من الهجوم: “كان الناس يأتون ويذهبون من السوق.. كان الأطفال يلعبون في الخارج… وفجأة… هاجم [مقاتلون على متن] مركبات القرية وبدأ الناس في الصراخ والركض… كان الأطفال خائفين جدا”.
قال شهود عيان إن الرجال في المركبات أطلقوا النار عشوائيا على الناس وأضرموا النار في المنازل بينما فر رجال القرية إلى الحقول. قال الشهود إن المهاجمين مكثوا في القرية ساعة تقريبا ثم انسحبوا. لم يكن أحد في القرية يحمل سلاحا أو يقاوم.
خرج الناس من مخابئهم وكانوا يستعدون لدفن جثث الضحايا عندما هاجمت القوات التي كانت ترتدي زيا عسكريا وتركب عربات لاند كروزر ودراجات نارية القرية مرة أخرى حوالي الساعة2 بعد الظهر. قال أحد الناجين: “بدأ الجميع يفرون”. كما قال ناجٍ إن القوات كانت “تطلق النار على المنازل”، وأضاف: “كان هناك الكثير من القتلى”. أيضا، لم يقاوم أحد.
قال شاهد إنه أحصى 11 مركبة عسكرية دخلت القرية من الشرق وإن مزيدا من المركبات دخلت من اتجاهات أخرى. قال إنه كان هناك في المجموع 25 مركبة عسكرية، مدعومة بعدد قليل من السيارات والشاحنات المدنية. من مخبئه، رأى القوات تطلق النار على رجل وتقتله في الشارع قرب متجر.
قال شاهد آخر إنه رأى رجالا بزي عسكري يطلقون النار على أشخاص على بعد نحو 200 متر منهم كانوا يفرون إلى الحقول. قال الشاهد: “كانت كل هذه المركبات العسكرية تتجول… في القرية، وتطلق النار… على الرجال عشوائيا”.
قالت شابة إنها رأت جثة رجل، وهو راعي ماشية في الثلاثينيات أو الأربعينيات من عمره يُدعى آدم وملقب بـ”جيلينكي”. قالت: “لم يقتل [المهاجمون] النساء، بل أوقفوهن وفتشوهن وأمروهن بتسليم أي شيء لديهن. ولكن إذا التقوا برجل أو شاب… كانوا يقتلونه فورا”.
دخلت القوات المنازل بحثا عن الرجال والفتيان. قالت امرأة إن ابنها البالغ حبس نفسه داخل منزله، لكن المسلحين أطلقوا النار على الباب من رشاش دوشكا، فأصابوه في الأرداف.
قال شاهدان إنهما رأيا القوات تشعل النار في المنازل والممتلكات باستخدام الولاعات. قالت شابة: “رأيت ثلاثة رجال يدخلون منزلا وفي أيديهم ولاعات. يدخلون ويخرجون، وإذا لم يجدوا شيئا يسرقونه، يخرجون وقبل أن يغادروا يستخدمون ولاعة لإشعال النار في المنزل.. المنازل المصنوعة من القش سهل جدا أن تنتشر فيها النيران”. قال أحد الرجال إن ابن عمه، وهو صبي عمره نحو 15 عاما يدعى موسى س.، قُتل، وإن شقيق موسى الأصغر، البالغ من العمر 8 أو 9 سنوات، أصيب بجروح خطيرة، عندما أشعلت القوات النار في المنزل الذي لجأ إليه الصبيان. قال أحد السكان إن المباني كانت ما تزال مشتعلة عندما غادر المهاجمون مساء 10 يناير .
تُظهر صور الأقمار الصناعية عالية الدقة في 22 يناير التي حللتها هيومن رايتس ووتش عشرات المباني المحترقة في الجزء الغربي من القرية. تؤكد صور الأقمار الصناعية منخفضة الدقة أنها أحرقت في 10 أو 11 يناير .
خلال الهجوم، نهبت قوات درع السودان ومسلحون يرتدون ملابس مدنية القرية بشكل منهجي. قالت امرأة إنها شاهدت أشخاصا يرتدون ملابس مدنية، وصفتهم بأنهم عرب، يسرقون الماشية باستخدام شاحنة كبيرة من حيها في الجزء الجنوبي من القرية. قال رجل اختبأ في منزل ذلك الصباح إنه رأى مسلحين يرتدون الجلباب التقليدي، ويعتقد أنهم عرب من تجمع مجاور، ينهبون الماشية أثناء الهجوم. قال شاهدان إنهما شاهدا مسلحين ينقلون الماشية خارج القرية وإن المسلحين أطلقوا النار عليهم.
قال شاهدان إن قوات درع السودان اعتقلت أيضا سكانا ذلك اليوم. بعد فراره من القرية في سيارته، صادف شاهد رجلا تعرف عليه، ووصفه بأنه “أحد رجال كيكل”، يركب آلية مع ثلاثة رجال آخرين. كان الأربعة جميعهم مسلحين. قال الشاهد إن الرجال اتهموه بالعمل مع قوات الدعم السريع واحتجزوه، وقيدوا يديه وعصبوا عينيه. قال إن راعيا محليا كان قريبا قال للرجال، “لماذا تتكلفون عناء اعتقاله؟ لماذا لا تقتلونه؟” ثم أخذه المهاجمون إلى معسكر لقوات درع السودان، حيث كانت هناك مركبات تحمل شعار المجموعة، لكنهم أطلقوا سراحه صباح اليوم التالي.
التعرف على المهاجمين
قال السكان إنهم رأوا اسم قوات درع السودان وشعارها على المركبات.
وصف الشهود زي المهاجمين بأنه مطابق أو مشابه لزي الجيش، أي أخضر مموه. كما تعرّف شاهدان على مشاركين في الهجوم على أنهم سكان عرب محليون كانو قد انضموا إلى قوات درع السودان.
يُظهر المحتوى الذي نشرته قوات درع السودان في وسائل التواصل الاجتماعي يوم الهجوم أن المجموعة كانت في المنطقة. تحققت هيومن رايتس ووتش من مقطعَي فيديو نُشرا على مجموعة قوات درع السودان في “فيسبوك” في 10 يناير/كانون الثاني، يظهر فيهما القائد كيكل في أم القرى، على بعد سبعة كيلومترات جنوب غرب كمبو طيبة.
التداعيات
عدد القتلى
مساء 10 يناير ، كانت جثث الرجال والفتيان متناثرة في أنحاء القرية. قال رجل إنه عَثَر على 12 جثة لأشخاص يعرفهم؛ الأول كان رجلا في أواخر السبعينيات من عمره يُعرف باسم كومار، لديه جرح رصاصة في القلب، وكان لديه مرض عقلي. ثم عَثَر في مكان واحد على خمس جثث، وفي مكان آخر على جثة مدرس قرآن، يُعرف باسم الش&