خبر ⁄سياسي

كيف يطارد شبح الفوضى المسلحة كردفان

كيف يطارد شبح الفوضى المسلحة كردفان

عاين- 4 مارس 2025

يفرض التحول الكبير في مسار الحرب في السودان، واقع جديد على إقليم كردفان الذي يمثل محطة فاصلة في القتال بين الجيش الذي يتقدم ميدانياً، وقوات الدعم السريع المتراجعة غرباً، مما يضع الإقليم أمام فصل آخر من الاضطرابات والعنف، في ظل انتشار المليشيات متأرجحة الولاءات في المنطقة.

ويرجح سيناريو العنف الجديد في كردفان، أن أجزاء واسعة من الإقليم تسيطر عليها مليشيات محلية نشأت بعد الحرب وتحالفت مع قوات الدعم السريع، وحققت مكاسب ومصالح من الصعب التنازل عنها، إلى جانب احتمالية تمركز قوات الدعم السريع في كردفان، واتخاذها خط دفاع رئيسي لتأمين دارفور التي تمثل هدفاً استراتيجياً لاستقرار نهائي فيها.

ومع التراجع الكثيف لمقاتلي قوات الدعم السريع من العاصمة الخرطوم والجزيرة بوسط البلاد إلى كردفان، ضاقت أرض الإقليم بالمسلحين، وبدأت الاحتكاكات بينهم، بسبب خوف المليشيات المحلية على مصالحها ونفوذها الذي اكتسبته على مدار عامين أعقبت اندلاع الحرب في البلاد.

حماية النفوذ

وفي الأسبوع الماضي، شهدت مدنية أبوزبد في ولاية غرب كردفان اشتباكات بين قوات حسين برشم وهو قائد القوة التي تسيطر على المدينة منذ اندلاع الحرب، ومجموعة مسلحة للدعم السريع عائدة من الخرطوم، سقط خلالها قتلى وجرحى، وكلا الطرفين ينحدران من مكون أهلي واحد، وكان ذلك بسبب محاولة برشم نزع سلاح القادمين من العاصمة؛ لأنه يخشى على نفوذه في المنطقة، بحسب ما أكده مصدر محلي لـ(عاين).

قائد المليشيا حسين برشم لن يسمح بأي سلاح يهدد مصالحه ومستعد لمواجهة قوات الدعم السريع نفسها

 مصدر محلي

وحسين برشم هو أحد زعماء مليشيات مسلحة تشكلت بعد اندلاع الحرب وتحالفت مع قوات الدعم السريع، وسيطرت على مناطق واسعة من إقليم كردفان، حيث يتحرك من الفولة إلى أبوزبد في ولاية غرب كردفان، ومن ثم الدبيبات والحمادي وكازقيل في جنوب كردفان، ومحيط الأبيض والرهد وأم روابة في شمال كردفان قبل أن يستعيدها الجيش، وقام ببناء شبكة مصالح ونفوذ بتلك المناطق.

ووفق مصادر وشهود أن حسين برشم يطرح نفسه كزعيم في محلية أبوزبد والمناطق المحيطة بها وكسب ثروة وعقارات وأراضي سكنية خلال الفترة التي أعقبت الحرب، ولا يقبل أي سلاح يهدد مصالحه، مما دفعه إلى خوض اشتباكات عسكرية مع شباب عائدين من الخرطوم، عندما حاول تجريدهم من أسلحتهم بالقوة الجبرية، وتسبب ذلك في احتقان وسط المكون الأهلي الذي ينحدر منه الطرفان المتنازعان.

تلك الحادثة ومعطيات أخرى ترسم ملامح مرحلة دامية مقبلة على إقليم كردفان، مع احتمال حدوث الاضطراب بنيران صديقة عن طريق مواجهات بين قوات الدعم السريع الأصلية والمليشيات المتحالفة معها صاحبة الولاء المتأرجح في الأغلب، بحسب ما يشير إليه الخبير العسكري د. محمد خليل الصائم في حديثه لـ(عاين).

ستبحث المليشيات المتحالفة مع قوات الدعم السريع في كردفان عن فرص النجاة والقفز من المركب الغارق بالانحياز إلى الجيش

 خبير عسكري

ويقول الصائم: أن “التجنيد في قوات الدعم السريع لم يتم وفق الأسس العسكرية المعروفة، وإنما جرى عن طريق الترغيب والترهيب، فالمليشيات التي انضمت إليها بعد الحرب كان هدفها المصلحة، وليس من أجل مناصرتها بشكل حقيقي، مما يجعل إمكانية تغيير ولائها مرجحة، وربما تسارع بالانحياز إلى الجيش ضمن محاولة لإيجاد موطئ قدم والحفاظ على مصالحها في المرحلة الجديدة، أو على الأقل القفز من المركب الغارق وبحث فرص النجاة”.

حسم عسكري

لكن انحياز المجموعات المتحالفة مع قوات الدعم السريع في كردفان إلى الجيش، بحسب المحلل السياسي صلاح حسن جمعة مرهون بتلقي ضمانات قوية بعدم التعرض لهم أو لمصالحهم التي حققوها خلال الفترة الماضية، الشيء الذي ربما ترفضه القوات المسلحة التي تعيش حالة من النشوة بسبب الانتصارات التي تحققها، وستتمسك بالحسم العسكري، وهو ما يدفع هذه المليشيات للصمود والدفاع عن نفسها، مما يزيد العنف في كردفان.

هذا الافتراض أكده بالفعل، الخبير العسكري د. محمد الصائم، إذ ذكر أن الجيش يمتلك زمام المبادرة والتفوق في كل المحاور جوا، وعلى الأرض ولن تنطلي عليه مجدداً ألاعيب من يحاولون القفز من المركب الغارق، وسيمضي في القضاء على المليشيات في النيل الأزرق وكردفان، ولن يتسامح معها، مثلما فعل مع قوات الدعم السريع مستخدماً استراتيجية الاستنزاف والنفس الطويل.

مليشيا ماكن الصادق، التي تتقاسم النفوذ مع حسين برشم في ابوزبد رفعت عدد مقاتليها بتجنيد جديد وفتح معسكرات تدريب، وهي غير مستعدة للتخلي عن نفوذها ما يزيد وتيرة العنف

 مصدر مطلع

ومن بين المجموعات المسلحة التي نشأت بعد الحرب وتحالفت مع قوات الدعم السريع، مليشيا أخرى يقودها ماكن الصادق، وهي تتقاسم السيطرة والنفوذ مع مليشيا حسين برشم على محلية أبوزبد والمناطق على طريق الأسفلت، حتى تخوم مدينة الأبيض، وتشهد ازدياداً مستمراً في عدد مسلحيها بعد أن استطاعت تجنيد شباب من قرى مجاورة وتدريبهم في معسكرات بمنطقة المحفورة في غرب كردفان، وفق ما كشفه مصدر مطلع لـ(عاين).

وارتفع نفوذ ماكن الصادق بشكل كبير، ويحظى بتأييد بعض المكونات الاجتماعية في المنطقة، فهي تحسب له عمله المستمر في مكافحة المتفلتين، والنهابة، وربما لن يكون مستعدا للتنازل عن مصالحه، والصمود للدفاع عنها استنادا إلى قوة عسكرية قام ببنائها خلال الفترة القليلة الماضية، مما يزيد وتيرة العنف، حسب المصدر.

وفي الجزء الشمالي الشرقي من ولاية غرب كردفان، تتحرك مليشيا مسلحة متحالفة مع قوات الدعم السريع يقودها سليمان صليب الديك، وهي تنشط في عمليات النهب والسلب للمواطنين في الأسواق والطرق الرابطة بين القرى، ولم يشهد لها المشاركة في معارك حربية، وكان زعيمها على صلة بقائد قوات الدعم السريع الذي قتل في معارك بمحيط الأبيض عبد المنعم شريا.

وتوجد مليشيا حامد عبد الغني التي تشكلت عقب الحرب وسيطرت على مدينة غبيش ومناطق واسعة في الجزء الشمالي الغربي من ولاية غرب كردفان، مثل صقع الجمل وود بندة والزرنخ، والأضية، وتحالفت مع قوات الدعم السريع، وظل نفوذها يزداد يوما بعد الآخر، كما أسس زعيمها مجموعة مصالح ربما لن يتنازل عنها طواعية.

التقاء قوتين

تراجعت قوات الدعم السريع من العاصمة الخرطوم ووسط السودان إلى كردفان، ووجدت أمامها ومجموعات مسلحة قوامها من المكونات المحلية، ولديها مصالح ونفوذ، وهي على استعداد لتوجيه سلاحها على الدعم السريع نفسه لحماية هذه المصالح، وهو ما حدث بالفعل في مدينة أبو زبد بالاشتباك بين حسين برشم ومسلحين عائدين من الخرطوم.

لن تتوان المليشيات في تغيير ولائها لصالح الجيش وتوجيه أسلحتها على قوات الدعم السريع نفسه، إذا ما وجدت بعض الضمانات

 محلل سياسي

وبحسب الصحفي والمحلل السياسي محمد الأسباط، فإن هذه المليشيات لن تتوان في تغيير ولائها والانضمام إلى الجيش بعد الحصول على بعض الضمانات وتوجيه سلاحها نحو الدعم السريع، الشيء الذي حدث بالفعل، حيث انضمت مجموعة مسلحة متحالفة مع قوات الدعم السريع في مدينة أم روابة، وساندتها في القتال والدخول إلى مدينة الأبيض، في تحول متوقع بناء على حرب ينعدم فيها الانضباط بالمعنى العسكري.

ويشير الأسباط في مقابلة مع (عاين) إلى أن قوات الدعم السريع تراجعت إلى كردفان، وربما بدأت في ترتيب صفوفها، وبعد التحالف مع الحركة الشعبية – شمال بزعامة عبد العزيز الحلو، فإن كردفان على موعد مع قتال من جبهات عديدة ستكون الأكثر عنفاً.

واحتشدت قوات الدعم السريع في مدن بارا، والحمادي والدبيات وابوزبد بشكل كبير، بينما يواصل الجيش مناوشات برية وضربات جوية في مواجهتهم، مع أحاديث حول عزمه التقدم، وهو ما يفرض تساؤلات بشأن إبقاء قوات الدعم السريع على مقاتليها الأساسيين للدفاع عن المنطقة، أم الانسحاب وترك المليشيات المتحالفة معها وحدها تواجه الجيش.

جيش جديد

ومن الناحية الاستراتيجية لم تعد قوات الدعم السريع تعول على المقاتلين المتحالفين معها، وتحملهم مسؤولية الهزائم التي تلقتها في العاصمة الخرطوم وولايتي الجزيرة وسنار أوساط السودان، وهي ترتب لبناء جيش جديد حالياً بحسب مصدر رفيع في الدعم السريع تحدث لـ(عاين)، وهو ما يعني عملياً التخلي عن المليشيات المتحالفة.

جنود يتبعون لقوات الدعم السريع

ومطلع هذا الأسبوع، أعلنت قوات الدعم السريع أنها خرجات 50 الف مقاتل جدد في مدينة نيالا التي تسيطر عليها في غرب السودان، وبحسب المصدر الرفيع، فإن عملية بناء جيش جديد مستمرة، ويتم التدريب الأولي في نيالا؛ ومن ثم نقل المقاتلين إلى ليبيا لتلقي تدريبات متقدمة. وتابع: “لن نعيد تجربة الاعتماد على المستنفرين”.

ويشير المحلل السياسي صلاح حسن جمعة، إلى أن المجموعات المسلحة في كردفان لن تبارح مناطقها الأصلية والتراجع إلى دارفور؛ لأنها لن تجد أي شيء أو مصلحة هناك، وإذا لم يقدم لها الدعم السريع الإسناد اللازم، ربما تغيير ولائها سريعاً، وقد تلعب المكونات الأهلية المنحازة إلى الجيش دورا في استقطابهم.

وذكر مصدر محلي لـ(عاين) أن نظارة عموم دار حمر في النهود بدأت مفاوضات منذ 3 أشهر ماضية مع حامد عبد الغني الذي يسيطر على غبيش باسم قوات الدعم السريع ومجموعة أخرى يقودها عابد سيد أحمد، بغرض الانضمام إلى صفوف الجيش في مدينة النهود مع ضمان بعض الامتيازات وعدم التعرض لهم.

ويشدد الخبير العسكري د. محمد خليل الصائم، على أن قوات الدعم السريع تشعر بالخذلان تجاه المليشيات المتحالفة معها، وتعتقد أنها سبب هزائمها لتركيزهم على النهب والسلب، لذلك لا يتوقع أن تجتهد في حمايتها، فلم يعد من خيار أمام هذه المليشيات غير الاستسلام.

3ayin.com