تهديدات متزايدة.. مغادرة 80 من المتطوعين جنوب الخرطوم

عاين- 6 مارس 2025
يواجه المتطوعون في غرف الطوارئ والمطابخ الجماعية بمناطق جنوب الخرطوم الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، تهديدات أمنية متزايدة نتيجة لتصاعد العمليات العسكرية والانفلات الأمني.
ورغم عدم وصول الجيش إلى بعض هذه المناطق حتى الآن، فإن المخاوف من وقوع انتهاكات في حال تقدمه دفعت العديد من المتطوعين إلى المغادرة تحسباً للأسوأ. وتشمل هذه المخاطر الاعتقالات التي تنفذها عناصر الدعم السريع بحق العاملين في المجال الإنساني، حيث يتم احتجازهم وطلب فدية من ذويهم، إضافة إلى تعرض المطابخ المجتمعية (التكايا) لهجمات تستهدف المواد الغذائية من قبل جماعات مسلحة غير نظامية.
وفي ظل غياب جهة أمنية قادرة على فرض النظام، تفاقمت الاعتداءات، وأصبح العاملون في المجال الإنساني عرضة للاستهداف من قبل مجموعات مجهولة، بعضها يرتدي مزيجًا من الزي العسكري والمدني، مما يعقّد تحديد الجهات المسؤولة عن هذه الانتهاكات.
تراجع كبير في الخدمات الإنسانية المقدمة للمدنيين العالقين في حرب جنوب الخرطوم
ونقل متطوعون لـ(عاين)، بسبب تصاعد هذه التهديدات، بدأ العديد منهم مغادرة جنوب الخرطوم، ما أدى إلى تراجع كبير في الخدمات الإنسانية المقدمة للمدنيين، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تشهدها المنطقة نتيجة نقص الإمدادات الغذائية وتدهور الخدمات الصحية.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن الانتهاكات بحق المتطوعين لم تقتصر على جنوب الخرطوم، بل شملت أيضاً مناطق أخرى دخلها الجيش.
في الأشهر الأخيرة، تم توثيق انتهاكات بحق المتطوعين في المناطق التي دخلها الجيش السوداني. وفقًا لتقرير نشرته “رويترز” في أكتوبر 2024، استهدفت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع المتطوعين المحليين الذين يقدمون المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى تعرضهم للاعتقالات والعنف والسرقة.
أفاد التقرير بأن العديد من المتطوعين فروا من تلك المناطق، وتوقفت بعض المطابخ المجتمعية عن تقديم الوجبات بسبب نقص التمويل والمخاوف الأمنية. كما أشار التقرير إلى أن بعض المتطوعين تعرضوا للاعتقال أو الاحتجاز من قبل الجيش السوداني بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع.
مخاوف وتهديدات:
يقول أحد أعضاء لجان المقاومة بجنوب الخرطوم، تتحفظ (عاين) عن ذكر اسمه: إن “المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم لم تشهد حتى الآن وصول الجيش، لكن هناك مخاوف من وقوع انتهاكات في حال تقدمه نحو هذه المناطق. وعلى الرغم من عدم تسجيل تهديدات مباشرة حتى اللحظة، فإن بعض أعضاء غرف الطوارئ بدأوا في المغادرة تحسباً لأي تطورات ميدانية”.
المسلحون يهاجمون المطابخ الجماعية وينهبون المواد الغذائية
متطوع
وتتمثل أبرز المخاطر التي تواجه المتطوعين -بحسب عضو لجان المقاومة في المنطقة- في الاعتقالات التي تنفذها عناصر الدعم السريع، حيث يتم احتجازهم وطلب فدية من ذويهم مقابل الإفراج عنهم، وهي حوادث تكررت أكثر من مرة. كما تتعرض التكايا لاعتداءات بهدف نهب المواد الغذائية، غالباً من قبل مجموعات تُعرف شعبياً باسم “الشفشافة”.
ويظل التحدي الأكبر في هذه المناطق هو التفلتات الأمنية المتزايدة، في ظل غياب أي جهة قادرة على فرض السيطرة ومنع الاعتداءات التي تطال المتطوعين والمنشآت الإنسانية. وفقا لعضو لجان المقاومة.
وتشهد مناطق جنوب الخرطوم، تصاعداً في التحديات الأمنية مع اشتداد العمليات العسكرية في المناطق المحيطة. تتراوح هذه التهديدات بين الاعتداءات الشخصية بهدف الحصول على أموال، وحالات اختطاف مقابل فدية، وصولاً إلى استهداف مواقع المطابخ المجتمعية (التكايا) ونهب المواد الغذائية، حتى المطبوخة منها، في بعض الحوادث.
اعمال انتقامية
ونقل عضو في أحد غرف طوارئ جنوب الخرطوم لـ(عاين)، أن المواد الغذائية تتعرض أيضاً للاستهداف أثناء عمليات النقل والتوزيع، مما يزيد من صعوبة إيصال المساعدات إلى المحتاجين. كما أوضح أن منطقتهم لم تشهد حتى الآن دخول الجيش، ولا يوجد تعامل مباشر مع قواته، لكن المخاوف تتزايد حول احتمالية وقوع أعمال انتقامية مستقبلاً.
ووفقاً للعضو الذي تتحفظ عاين على ذكر اسمه لأسباب أمنية، فإن الاعتداءات تُنفذ غالباً من قبل مسلحين يرتدون مزيجاً من الأزياء العسكرية والمدنية، مع إخفاء وجوههم. وقد أثرت هذه الأوضاع بشكل مباشر على عمل المتطوعين، حيث دفع الخوف عدداً منهم إلى مغادرة المنطقة، خاصة بعد تداول فيديوهات ومعلومات عن انتهاكات تعرض لها متطوعون في مناطق أخرى مثل الجزيرة وبحري.
وأضاف: “غرف الطوارئ بأحد المناطق التي تقع في جنوب الخرطوم، تواجه قيوداً كبيرة في عملها، نظراً لتزايد حجم الانتهاكات، إلى جانب النقص الحاد في المواد التموينية وارتفاع أسعارها”.
وتابع: “للتعامل مع هذه التحديات، تم تغيير أسلوب عمل التكايا عبر زيادة عدد نقاط الطبخ الفرعية داخل كل تكية، حفاظاً على سرية المواقع وضمان استمرار تقديم الخدمة، خصوصاً أن المانحين يشترطون توزيع وجبات مطبوخة بدلاً من المواد الغذائية الجافة، التي تُعتبر أكثر كلفة”.
دعاوى التبعية للدعم السريع
المتطوعون في جنوب الخرطوم يواجهون تهديدات من نوع آخر بحسب عضو في غرفة طوارئ بجنوب الخرطوم تحدث لـ(عاين)، وقال: “قوات الدعم السريع تسيطر على المنطقة حاليًا، وهناك تهديدات متزايدة عبر وسائل الإعلام من جهات تعارض العمل التطوعي وتقديم الخدمات الإنسانية للسكان، بدعوى أن المنطقة تُعتبر حاضنة لقوات الدعم السريع”.
التهديدات أدت إلى تراجع نشاط المتطوعين، وغادر أكثر من 80% منهم منطقة جنوب الخرطوم
متطوع
وأشار المتطوع في إحدى غرف جنوب الخرطوم، إلى أن هذه التهديدات أدت إلى تراجع نشاط المتطوعين، حيث توقف معظمهم عن العمل، وغادر أكثر من 80% منهم المنطقة، مما أثر سلبًا على أوضاع المواطنين الذين يعتمدون على الخدمات التي تقدمها غرفة الطوارئ.
وأشار إلى أن الوضع الصحي والغذائي يشهد تدهورًا مستمرًا نتيجة مغادرة المتطوعين، لافتًا إلى أن محلية جبل أولياء كانت تعاني من الفقر قبل الحرب، لكن الأوضاع ازدادت سوءًا بعد اندلاعها. وأضاف أن التكايا توقفت عن العمل، وأصبحت المواد الغذائية نادرة، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية.
ودعا المتطوع الذي حجبت (عاين) اسمه حفاظا على سلامته، المنظمات الإنسانية بالتدخل العاجل لتقديم المساعدات لسكان المنطقة. وأوضح أن سبب مغادرة المتطوعين يعود إلى مخاوف من الاعتقال على يد بعض منسوبي الدعم السريع، مشيرًا إلى أن أحد المتطوعين محتجز منذ أكثر من أسبوعين دون معرفة مكانه. كما أضاف أن البعض يخشى التعرض للانتقام أو القتل في حال دخول الجيش إلى المنطقة، خصوصًا أن معظم المتطوعين كانوا ضمن لجان المقاومة.
نتوقع حدوث أي شيء طالما يتم اتهامنا بالتعاون مع قوات الدعم السريع، رغم أننا جهة إنسانية تهتم بتقديم الخدمات للسكان
متطوع بجنوب الخرطوم
وأكد أن هناك قلقًا واسعًا من وقوع انتهاكات في المناطق التي يستعيدها الجيش، مثلما حدث في مناطق أخرى، وهو ما دفع بعض المتطوعين إلى مغادرة مناطق جنوب الخرطوم خوفًا من تكرار السيناريو. وأضاف: أن “بعض أفراد القوات النظامية لديهم خلفيات سياسية، مما قد يدفعهم إلى تصفية حسابات، خصوصًا مع وجود عناصر تُوصف بأنها تابعة للنظام السابق”.
وتابع: “نتوقع حدوث أي شيء طالما يتم اتهامنا بالتعاون مع قوات الدعم السريع، رغم أننا جهة إنسانية فقط تهتم بتقديم الخدمات للسكان”.
والايام الماضية شهدت مدينة أم روابة، شمالي السودان، انتهاكات إنسانية واسعة بعد استعادتها من قبل الجيش السوداني والمليشيات المتحالفة معه من قوات الدعم السريع. وأفادت مصادر محلية أن القوات المنتصرة شنت حملات اعتقال استهدفت الشباب، خاصة من ذوي التوجهات المناهضة لحزب المؤتمر الوطني، حيث جرت مداهمات للمنازل لاقتيادهم إلى مصير مجهول وسط تقارير عن عمليات تصفية ميدانية.
وإزاء التقارير حول هذه الانتهاكات، دعت منظمات حقوقية ودولية إلى تحقيق مستقل وفق المعايير الدولية من أجل محاسبة المتورطين في الجرائم ضد المدنيين.
وفي ظل التطورات الميدانية الأخيرة، تمكن الجيش السوداني من السيطرة على مناطق استراتيجية في العاصمة الخرطوم، أبرزها جسر سوبا الذي يربط شرق النيل بالعاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى استعادة مدينة القطينة في ولاية النيل الأبيض.
هذه التقدمات تضع الجيش على مقربة من مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع، مثل الكلاكلة، ما يزيد من احتمالية اندلاع اشتباكات في هذه المناطق. تاريخيًا، شهدت الكلاكلة مواجهات بين الطرفين، مما يشير إلى أن السيطرة على هذه المنطقة قد تكون هدفًا استراتيجيًا للجيش لتعزيز قبضته على جنوب الخرطوم.
ومع استمرار الجيش في تقدمه نحو معاقل الدعم السريع، من المتوقع تصاعد حدة الاشتباكات في المناطق الجنوبية للعاصمة، خاصة في ظل الأهمية الاستراتيجية للكلاكلة كممر حيوي نحو وسط الخرطوم.
3ayin.com