خبر ⁄سياسي

كيف تساهم مواقف الدول الأفريقية في تقسيم السودان

كيف تساهم مواقف الدول الأفريقية في تقسيم السودان

أديس أبابا 7 مارس 2025– تتسارع وتيرة تشكيل حكومة موازية في السودان، مع ممانعة دولية وشبه إقليمية لفكرة وضع ميثاق سياسي أولي لتشكيلها لمنافسة السلطة القائمة في بورتسودان.

وفي مقدمة التكتلات الإقليمية والاقتصادية التي اتخذت موقفاً من هذه القضية، دول منفردة إما أعلنت موقفها من تشكيل حكومة موازية في السودان أو لم تتخذ موقفاً بعد مثل اتحاد المغرب العربي/اتحاد المغرب العربي- وتجمع الساحل والصحراء- والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا- وجماعة شرق أفريقيا- والمجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا- والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا- وجماعة تنمية الجنوب الأفريقي.

ومن ضمن تلك التكتلات الأفريقية كذلك “المجموعة الاقتصادية لدول شرق إفريقيا” كينيا، وتنزانيا، وأوغندا، وبوروندي ورواندا، حيث ترعى كينيا تلك الوجهة.

وأكبر تلك التكتلات في غرب أفريقيا هي المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وتُعرف اختصاراً بـ “إيكواس” وتضم 15 دولة: الرأس الأخضر وغامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون وبنين وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج والنيجر ونيجيريا وتوغو، حيث لم تتخذ موقفاً واضحاً بشأن تلك الخطوة في السودان.

وتحدثت لـ”سودان تربيون”، مصادر معنية بالتحضير لتشكيل الحكومة الموازية التي تتزعمها قوات الدعم السريع وعديد مسانديها السياسيين والحركات المسلحة، عن اتفاق على تسمية مدينة كاودا في جنوب كردفان، التي تقع تحت سيطرة الحركة الشعبية-شمال، عاصمة للحكومة المرتقبة.

ورغم الاعتراضات التي أبدتها بعض الدول في السياق الإقليمي مثل مصر، وبعض دول الخليج، لتشكيل الحكومة الموازية فإن العديد من الدول المجاورة ومنطقة القرن الأفريقي وغرب أفريقيا وجنوب أفريقيا لم تُعلق على هذا الإجراء.

وتمثل مواقف دول الجوار والدول المؤثرة على المستويين الإقليمي والعالمي اتجاهاً كبيراً نحو الاعتراف بهذه الحكومة التي تقود فكرتها قوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال ورئيس حزب الأمة القومي.

وقالت مصادر على صلة بالاجتماعات الجارية في العاصمة الكينية نيروبي لـ«سودان تربيون»، إن الفكرة طرحها في البداية نائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، لكن التحالفات التي تلقت الدعوة، وعلى رأسها تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” التي تم حلها الشهر الماضي، رفضتها.

وتؤكد المصادر أن الفكرة التي نقلت أيضاً إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، بدأت بدعوة أطلقها القيادي في الحركة عمار نجم الدين في يناير الماضي.

وكشفت أن نجم الدين حافظ بعد ذلك على اتصالات وتنسيق مع رئيس الحركة الحلو، ثم تطور الأمر بالتقاط رئيس حركة العدل والمساواة سليمان صندل، لمبادرة نجم الدين، وإعلان الموافقة عليها وهو ما مهد لانخراط «الشعبية» فيها.

ويقول مراقبون إن قرار الحركة الشعبية-شمال، بالانضمام إلى ميثاق التأسيس، يمثل إلى جانب مصالح سياسية واستراتيجية، قضايا تتعلق بالدعم اللوجستي والمادي ومواقف تتعلق بتقييد مستشار الأمن السابق للرئيس سلفاكير ميارديت في جنوب السودان، توت قلواك، وضغوطه على الحلو.

ويرى أستاذ العلوم السياسية د. محمد إدريس، في حديث مع «سودان تربيون» أن قضية تشكيل حكومة موازية مع سلطة أخرى في بورتسودان التي عدلت مؤخرا وثيقتها الدستورية، تشكل تناقضاً كبيراً، حيث توجد حركات مسلحة ذات توجهات مختلفة وجماعات متطرفة من وجهات نظر دينية وقبلية بين الجانبين.

وتوقع أن يكون الموقف الأفريقي عاملاً حاسماً في الاعتراف بالحكومة الموازية، مع ذلك يعتقد أن قيادة قوات الدعم السريع ربما حظيت بالوعود قبل إقدامها على هذه الخطوة.

وبحسب أستاذ العلوم السياسية، سيكون من غير المثير للدهشة أن تعترف دول أفريقية من التي تربطها علاقات دبلوماسية ضعيفة مع سلطة بورتسودان بالحكومة الموازية، مثل تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وغيرها.

ومع ذلك، يعتقد الباحث في الشؤون الأفريقية إبراهيم إدريس، في حديث لـ”سودان تربيون” أن جانب الاعتراف بالحكومة الموازية المراد تكوينها غير ممكن عطفاً على كلمات الوفود في جلسة مجلس السلم والأمن الأفريقي الأخيرة خلال القمة الأفريقية 36.

ويستند إدريس في حديثه إلى جوانب أخرى مثل مبادئ الاتحاد الأفريقي ورؤية الكثير من المسؤولين ومراكز البحث في أوروبا وأمريكا التي تتحدث عن أهمية وحدة السودان ودعم فكرة الحوار الوطني الشامل للقوى السياسية من أجل إيقاف الحرب والعمل لتأسيس الدولة المدنية عبر تفاهمات مشتركة للمرحلة الانتقالية وتكوين حكومة “تكنوقراطية”.

وبحسب تحليله، فإن الدول الأفريقية لن توافق على تكوين “حكومة موازية” الآن، لكن بالضرورة ستكون داعمة لجهود الاتحاد الأفريقي الذي يقود رئيس مجلس الأمن والسلم محاورات مكثفة الآن بين دول الجوار والجهات المعنية لاتفاقية جدة واللقاءات مع القوى المدنية.

في المقابل، رأى إدريس أن نيروبي، من الصعب الآن أن تأخذ موقعاً مباشراً بعد تصريحات المسؤولين مكتفية فقط بما ساهمت فيه من حشد قوى من ضمنها فصيل الحركة الجبهة الشعبية بقيادة “عبد العزيز الحلو” وبعض رموز الأحزاب مع ممثلي قوات الدعم السريع كخطوة أولى.

وفي السياق نفسه، يجزم فؤاد عثمان، الباحث في العلاقات الدولية والإقليمية ومنطقة القرن الأفريقي، بأن هناك وجهة إقليمية ودولية واضحة متحفظة ورافضة لمحاولات تشكيل حكومة موازية، تعكس مخاوف جدية قد تتسبب في تفكك ووحدة البلاد.

ويرى في حديثه لـ”سودان تربيون” أن تصريحات إيقاد والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش واعتماد مجلس الأمن بياناً صحفياً يوم 5 مارس بنيويورك بمبادرة من مجموعة الدول الأفريقية بالمجلس +A3 (الجزائر والصومال وسيراليون) عبر أعضاء المجلس عن قلقهم البالغ إزاء التوقيع على ميثاق يرمى لتشكيل حكومة موازية في السودان.

وذكر أن تلك المجموعات أكدت أن تلك الوجهة تزيد من احتدام النزاع القائم في السودان وتؤدي لتقسيم البلاد وتفاقم الوضع الإنساني الذي بات كارثياً.

ويشير فؤاد إلى أنه قبل ذلك، عبرت مصر عن رفضها المساس بوحدة وسيادة وسلامة أراضي السودان، وتؤيد القاهرة موقف الجيش السوداني ومتطابقة معه في وصفهما للدعم السريع كمليشيا.

ويذكر أيضاً حديث مالك عقار نائب البرهان عن لقائه بالرئيس اليوغندي يوري موسيفيني قبل أيام، والذي عبر عن رفضه لقيام حكومة موازية بالسودان.

ويضيف أن داعمي تشكيل تلك الحكومة في المقابل، يرون تلك التحفظات والرفض الذي أبدته الدول أمراً طبيعياً ويعولون على أن الأمر سيختلف بعد اكتمال تشكيل الحكومة ومباشرة مهامها.

ويشير إلى أن أنصار الحكومة الموازية يقولون أيضاً إن مجرد التعبير عن القلق والخوف من بعض الدول أمر مفهوم في إطاره الواقعي، لكنه ليس كافياً، إذ يعتقدون أنه من خلال التدقيق العميق في مواقف وتحفظات بعض الدول، فإنهم يعتبرون أنها في الأساس لا تتعامل مع الأزمة السودانية بحياد، وإنما تدعم طرفاً معيناً، لذلك يجب فهم موقفها في هذا السياق.

ويرى فؤاد أن كل الأحداث الجارية تدفع نحو تقسيم وتفتيت البلاد، وهذا الوضع يسهل على أي قوة خارجية تريد تفتيت البلاد تحقيق أهدافها.

sudantribune.net