العلم السعودي... حضور في المناسبات من الإمام محمد بن سعود إلى الملك سلمان

حضر العَلَم السعودي في مناسبات مختلفة على مدى 3 قرون، وسجلت المصادر التاريخية أن الراية والبيرق المتعارف عليهما آنذاك، كانا يحملان اللون الأخضر، وكانا مشغولين من الخز والإبريسم، ونسجا بخيوط من حرير ذات ألوان زاهية.
وحمل الأئمة السعوديون الراية في أعمالهم المختلفة، وحملاتهم العسكرية والاحتفائية بالانتصارات الحربية، إضافة إلى الاحتفاء بالمناسبات الوطنية السعيدة، في تعبير يرمز إلى القوة والمنعة والوحدة الوطنية، وهو ما أكده الأمر الملكي الذي أصدره الملك سلمان بن عبد العزيز، في الأول من مارس (آذار) 2023، بتخصيص «يوم للعلم»، وأكد فيه على أنه «انطلاقاً من قيمة العَلَم الوطني الممتدة عبر تاريخ الدولة السعودية منذ تأسيسها في عام 1139هـ الموافق 1727م، والذي يرمز بشهادة التوحيد التي تتوسطه إلى رسالة السلام والإسلام التي قامت عليها هذه الدولة المباركة، ويرمز بالسيف إلى القوة والأنفة وعلو الحكمة والمكانة، وعلى مدى نحو 3 قرون كان هذا العَلَم شاهداً على حملات توحيد البلاد التي خاضتها الدولة السعودية، واتخذ منه مواطنو ومواطنات هذا الوطن راية للعز شامخة لا تُنكّس، وإيماناً بما يشكله العَلَم من أهمية بالغة بوصفه مظهراً من مظاهر الدولة وقوتها وسيادتها، ورمزاً للتلاحم والائتلاف والوحدة الوطنية، وحيث إن يوم الـ27 من ذي الحجة 1355هـ الموافق 11 مارس 1937م، هو اليوم الذي أقر فيه الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ العَلَم بشكله الذي نراه اليوم يرفرف بدلالاته العظيمة التي تشير إلى التوحيد والعدل والقوة والنماء والرخاء، أمرنا بما هو آتٍ: يكون يوم (11 مارس) من كل عام يوماً خاصاً بالعَلَم، باسم يوم العَلَم».
وأعاد تخصيص يوم سنوي للعَلَم، ذكريات ومشاهد عن ارتباط الراية بالمناسبات الوطنية في الدولة السعودية الثالثة، واهتمام ملوكها بهذا الرمز للهوية السعودية الجامعة على مدى قرون، بدءاً بإصدار الملك عبد العزيز في شهر مارس من عام 1937 أمره بالموافقة على قرار مجلس الشورى، وأقر فيه مقاس العَلَم السعودي وشكله الحالي.
«تحية العَلَم» عرفتها المدارس في الطابور الصباحي منذ عقود
ويتذكر الطلاب الذين كانوا على مقاعد الدراسة في عهدي الملك سعود ثم فيصل، «نشيد العَلَم»، في الطابور الصباحي الذي كان يؤدَّى ضمن فعاليات يومية، حيث يصطف الطلاب في صفوف طويلة حسب فصولهم الدراسية، ويُجْرون تمارين خفيفة وسريعة لإضفاء نوع من النشاط لهم، ليتقدم بعدها طالب من فرق الكشافة أو الأشبال بالمدرسة بزيهم المعروف، ليقوم برفع العَلَم لأعلى ساريته التي نُصبت في حيز ثابت بساحة المدرسة، ويؤدي التحية بصوت مرتفع واضعاً كفه اليمنى بمحاذاة الرأس مردداً لأكثر من مرة: «تحيا المملكة العربية السعودية، يعيش جلالة الملك المعظم»، ومعه يردد جميع الطلاب خلفه.
وبخلاف حضور العَلَم في المناسبات الوطنية والعروض الاحتفالية ارتبط حضوره بالأناشيد الوطنية، وورد ذكره فيها قبل 41 عاماً، وقد تم إقرار النشيد الوطني السعودي الجديد، والمعمول به حالياً، ويتم ترديده في كل المناسبات، ووردت فيه ألفاظ تتعلق بالعَلَم: (الخفَّاق)، (أخضر)، (للعلم)، الذي صاغ كلماته الشاعر السعودي الراحل إبراهيم خفاجي، والتي جاءت كما يلي:
سَارِعِي لِلْمَجْدِ وَالْعَلْيَاء مَجِّدِي لِخَالِقِ السَّمَاء وَارْفَعِي الخَفَّاقَ أَخْضَرْ يَحْمِلُ النُّورَ الْمُسَطَّرْ رَدّدِي الله أكْبَر يَا مَوْطِنِي مَوْطِنِي عِشْتَ فَخْرَ الْمسلِمِين عَاشَ الْمَلِكْ: لِلْعَلَمْ وَالْوَطَنْ.
وجاءت قصة كتابة نص النشيد وفقاً لكاتبه الشاعر الراحل إبراهيم خفاجي عندما قام الملك خالد بن عبد العزيز بزيارة إلى مصر وأثناء استقباله الرسمي من الرئيس المصري محمد أنور السادات، أُعْجِب الملك خالد بالنشيد الوطني المصري، فقال على هامش الزيارة لوزير الإعلام السعودي المرافق آنذاك الدكتور محمد عبده يماني، لماذا لا يصاحب السلام الملكي السعودي نشيداً وطنياً؟ وعلى الفور خاطب الدكتور اليماني كبار شعراء المملكة المبرزين طالباً منهم تحقيق رغبة الملك خالد، منبهاً إلى أن يكون متوافقاً في وزنه ولحنه مع موسيقى السلام الملكي السعودي المعروف وهو السلام الذي قام بتلحينه الملحن المصري عبد الرحمن الخطيب بتوجيه من الملك فاروق ملك مصر ليكون هدية بمناسبة زيارة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود إلى مصر في عام 1945م، لافتاً إلى أن الأمير عبد الله الفيصل، هو من اقترح على القيادة وأصحاب الشأن تكليف الشاعر المكّي إبراهيم خفاجي كتابة النشيد، وذلك لمعرفته الشخصية بقدرته على ذلك.
وكان خفاجي يقضي إجازته في القاهرة، فبحث عنه السفير السعودي لدى مصر آنذاك أسعد أبو النصر، وعندما اهتدى إلى عنوانه ترك له إشعاراً بمراجعة السفارة السعودية في القاهرة لأمر هام، وبمجرد أن علم خفاجي بالرغبة الكريمة وتشريفه بهذه المهمة الوطنية، استعد لها، ولكن شاءت إرادة الله تعالى أن ينتقل الملك خالد إلى رحمة الله تعالى عام 1402هـ، فتأخر تنفيذ الفكرة، بعدها وكما يقول خفاجي بَلَغته رغبة الملك فهد بن عبد العزيز في الشروع في تنفيذ الفكرة، وبَلَغَه اشتراط الملك فهد أن يكون النشيد خالياً من اسم الملك، وألا تخرج كلمات النشيد عن الدين والعادات والتقاليد، مضيفاً أنه مكث 6 أشهر في إعداد نص النشيد، ثم سُلم النص للموسيقار السعودي المعروف سراج عمر العمودي الذي كلف بتركيب نص النشيد وتوزيعه على موسيقى السلام الملكي.
وعندما تسلم علي الشاعر حقيبة وزارة الإعلام خلفاً للدكتور يماني قدم له نص النشيد في صورته النهائية، فقام بدوره وقدمه للملك فهد بن عبد العزيز الذي أجازه بعد سماعه إياه وإعجابه به، وأمر بتوزيع نسخ منه على جميع سفارات المملكة العربية السعودية، وإثر ذلك منح الملك فهد الشاعر المبدع إبراهيم خفاجي شهادة البراءة والوسام الملكي الخاص بذلك، ومن اللافت أن يوم الجمعة أول أيام عيد الفطر المبارك 1404هـ /1984م كان هو يوم ميلاد نشيدنا الوطني الحالي، وقد سمعه الشعب السعودي والعالم بعد أن بثته إذاعة وتلفزيون المملكة في افتتاحية برامجهما ذلك اليوم.
aawsat.com