مقاتلو كتيبة البراء من هم ومن أين جاؤوا

عاين- 13 مارس 2025
لم يكن مقاتلو كتيبة البراء بن مالك بمعزل عن اللحظات الأولى لاندلاع المعارك العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ما يشير إلى استعداد مقاتليها للحرب وكأنهم على علم بساعة الصفر .
آلاف المقاتلين من هذه الكتيبة ذات التوجهات الإسلامية المتحالفة مع الجيش كانوا ضمن القوات التي انخرطت في القتال ضد قوات الدعم السريع صبيحة 15 أبريل 2023 في شوارع الخرطوم، وتوجهوا مباشرة إلى عملية التسلح والانخراط في جبهات القتال.
ورغم ذلك لم تكن الكتيبة التي يقودها حاليا الشاب المصباح أبو زيد طلحة طاغية على المشهد العسكري في ذلك الوقت مثل ما يحدث الآن. فالقطع الحربية الحديثة والمدافع الرشاشة وحتى الطائرات المسيرة أصبحت من اختصاص هذه الكتيبة خلال الأسابيع الأخيرة في الصراع المسلح بين الجيش وقوات حميدتي.
تمويل وتسليح
سلطت حادثة استهداف طائرة مسيرة حفل إفطار جماعي نظمته الكتيبة بمدينة عطبرة شمال السودان في أبريل 2024 الأضواء على هذه المجموعة العسكرية التي تتميز بتلقي التدريب على كافة أنواع الأسلحة والتعامل مع التقنيات العسكرية مثل التحكم في المسيرات وحتى العمليات الانتحارية خلال الحرب.
انتهت حادثة مسيرة عطبرة بمقتل 15 شخصا دون الكشف عن الجهة التي استهدفت كتيبة البراء بن مالك وتحولت المجموعة إلى زيادة عدد عناصرها لآلاف المقاتلين المزودين بالأسلحة النوعية ووحدة المسيرات والعربات القتالية وحتى غرف التحكم والسيطرة الميدانية.
يشرح الباحث في شؤون الجماعات الجهادية أحمد خليفة في حديث لـ(عاين) مراحل تطور كتيبة البراء بن مالك المتحالفة مع الجيش السوداني. ويشير إلى أن تركيبة الكتيبة من آلاف المقاتلين أغلبهم من أنصار الاتجاه الإسلامي، ولا يخفون هذا الأمر في ذات الوقت، فإن هذه الكتيبة لا تملك القدرة على الصدام مع القوات المسلحة.
ويقول خليفة إن تسليح وتمويل كتيبة البراء بن مالك يأتي من خزانة وزارة المالية عبر القوات المسلحة إلى جانب التبرعات المالية للقيادات والعضوية المتعاطفة والمؤيدة للكتيبة التي ينظر إليها باعتبارها “العمود الفقري” للجيش السوداني. مضيفا: أن “قادة الكتيبة يعلمون تماما أن المصالح الكبرى تحتم عليهم العمل تحت قيادة القوات المسلحة مع التأثير عليها كلما ارتفعت الأصوات الإصلاحية داخل الجيش”.
فيما ينوه الباحث في شؤون الديمقراطية مازن محمد علي، إلى أن ميزانية هذه الكتيبة مضمنة مع العمليات العسكرية للجيش في ذات الوقت يرجح حصول الكتيبة على أراضي لتعدين الذهب كما تفعل الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني لزيادة مواردها وشراء السلاح والحفاظ على استقلالية المجموعة.
من هم قادة الكتيبة؟
يؤكد الباحث في مجال القطاع الأمني والعسكري محمد السني، إن كتيبة البراء بن مالك يقودها ثلاث قيادات تنتمي إلى الحركة الاسلامية وهم أنس عمر والمصباح أبوزيد طلحة وحذيفة استانبول.
ويقول السني لـ(عاين): إن “المصباح أبوزيد قاد الكتيبة عندما اعتقلت قوات الدعم السريع أنس عمر رئيس حزب المؤتمر الوطني “المحلول” بولاية الخرطوم منتصف مايو 2023″.
ويشير السني، إلى أن كتيبة البراء بن مالك تتشكل من آلاف الشبان والرجال الذين يعملون في شركات القطاع الخاص والبنوك والتجارة العمومية، ويمكنهم تصنيفهم على أنهم من الطبقة الوسطى الميسورة إلى حد معقول بفعل قربهم من النظام البائد والحصول على تسهيلات خلال سنوات الماضية سواء بشكل مباشر أو عائلاتهم.
ويضيف محمد السني قائلا: “لا يرى الجيش أن الكتيبة تشكل خطرا عليه إلا في مستويات محددة فمثلا عندما دعا قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح القوى المدنية للعودة إلى البلاد والاعتذار نشر قائد كتيبة البراء بن مالك الشهر الماضي تغريدة مثيرة للجدل على فيسبوك وكأنه يتحدى قائد الجيش الذي سرعان ما تراجع عن تصريحاته برفضه مطالب غربية بتكوين حكومة بقيادة حمدوك والعودة إلى ما قبل 25 أكتوبر 2021 أي قبل الانقلاب العسكري”.
إحداث فارق في الحرب
تعتمد الكتيبة على شبكات التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار المتعلقة بتحركاتها العسكرية بما في ذلك المواقف السياسية. وتتصدر هذه الأنشطة الإعلامية المعلومات المتعلقة بتحركات قائد كتيبة البراء بن مالك مصباح طلحة أبو زيد مع إرفاق مقاطع فيديو حول العمليات العسكرية الجارية بالتركيز على العاصمة السودانية وولاية الجزيرة وعادة ما يصدر أوامر للعناصر التي ترافقه في ساحة القتال ويُطاع بشكل كبير وسط المقاتلين.
يقول مصدر عسكري رفض الكشف عن هويته لـ(عاين): إن “كتيبة البراء بن مالك أحدثت فارقا كبيرا في الحرب ضد قوات الدعم السريع وساعدت الجيش للاحتفاظ بسلاح المدرعات جنوب العاصمة السودانية من السقوط على يد قوات حميدتي عندما اشتدت الهجمات خلال شهري يونيو وأغسطس 2023”.
وأضاف: “قُتل عشرات العناصر من أفراد هذه الكتيبة في قاعدة سلاح المدرعات جنوب الخرطوم وولاية سنار وأم درمان خلال المعارك العسكرية؛ لأنهم أقدموا على القتال بضراوة ضد قوات حميدتي”.
فيما يتعلق بالتمويل المالي لهذه المجموعة العسكرية يقول الباحث في القطاع الأمني والعسكري محمد السني إن التسليح النوعي يوفره الجيش سيما المسيرات؛ لأنها استوردت حديثا خلال الحرب باسم وزارة الدفاع السودانية في ذات الوقت تحصل الكتيبة على تبرعات مالية غير منتظمة من الأعضاء وقادة من الحركة الإسلامية.
شبكة معقدة
يعتقد الباحث في مجال السلام والديمقراطية مازن محمد علي في مقابلة مع (عاين) أن كتيبة البراء بن مالك تُصنف كـ “شبكة معقدة” لا يمكن وضعها ضمن إطار بعينه، لكن عموما هي تتبنى توجهات الحركة الإسلامية دون الكشف عن نفسها، ودائما ما يردد أعضاء هذه الكتيبة بأنهم تحت إمرة وقيادة القوات المسلحة.
يقول مازن محمد علي: إن “الكتيبة لا تشكل خطرا على القوات المسلحة، لكنها مؤثرة في قراراتها، سواء قرر الجيش التفاوض لوقف الحرب أو أعلن تأييده لعملية سياسية تعيد القوى المدنية إلى مشهد الانتقالي المدني”.
كتيبة البراء بن مالك مؤثرة داخل الجيش ولن تسمح بعودة القوى المدنية
باحث
وأضاف: “تقف الكتيبة ضد أي دعوة إلى عودة القوى المدنية التي تصدرت المشهد خلال الفترة الانتقالية، وهذا يعني مناهضتها لثورة ديسمبر التي أطاحت بالرئيس عمر البشير”.
وتابع: “الكتيبة لا تطمح للعمل العسكري كقوة موازية للجيش، وعندما تنتهي الحرب بأي سيناريو سواء بالاتفاق أو الحسم العسكري، فإن عناصر هذه المجموعة سيتحولون إلى ما يسمونه الإسناد المدني أي التمكين في القطاع المدني الذي يشمل قطاع المصارف والكهرباء والخدمة المدنية وشركات النفط”.
ويشير مازن محمد علي، إلى إن عناصر كتيبة البراء بن مالك يعتقدون أن الحرب مهمة محدودة تنتهي خلال مواقيت زمنية وبعدها يتحولون إلى “الإسناد المدني” أي التمكين في مؤسسات الدولة والتصدي لعودة القوى المدنية إلى المشهد.
نهاية العام 2024 أعلنت كتيبة البراء مالك تحولها رسميا إلى لواء البراء وبررت ذلك بوصول عدد مقاتليها 20 ألف عنصر خلال الحرب ضد قوات الدعم السريع كما استبدلت الاسم على الحساب الرسمي في “فيسبوك”.
تمكين جديد في الطريق
يقول الباحث في حركات الإسلام السياسي والجماعات الجهادية أحمد خليفة، إن “كتيبة البراء بن مالك يمكن تسميتها بـ الذراع العسكري للحركة الإسلامية وهي عملية تشبه وضع البندقية على رأس كبار الضباط في الجيش السوداني حال قرروا المضي قدما في استعادة الانتقال المدني لصالح القوى المدنية أو القبول بالإجراءات الإصلاحية التي عادة ما تذكر بها المعارضة المدينة الجيش بضرورة أعمالها داخل المؤسسة العسكرية.
ويوضح خليفة، أن الكتيبة قادرة على التنقل بين مؤسسات الدولة المدنية والمؤسسات العسكرية بالدفع بآلاف العناصر الموالية للتنظيم الإسلامي إلى ساحة الحرب وإلقاء البنادق عندما ينتهي القتال والعمل في مؤسسات الدولة لصالح تمكين الإسلاميين.
خارجيا لا يرى الجيش السوداني حسب الباحث في الشؤون الاستراتيجية محمد عباس، أن مجموعة البراء بن مالك تشكل خطرا عليه؛ لأن الكتيبة تعمل تحت قيادة القوات المسلحة.
ويرى عباس في مقابلة مع (عاين) أن دول الجوار والإقليم خاصة المناهضة لحركات الإسلام السياسي تريد أن تكون الكتيبة ضمن الشأن السوداني فقط حتى من الناحية الاستخباراتية، فإن زمام الأمور في يد هيئة الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني.
ويضيف عباس: “هيئة الاستخبارات العسكرية لديها قدرة على تحريك كتيبة البراء بن مالك واحتوائها والاستفادة منها في المعارك المفصلية ضد قوات الدعم السريع؛ لأن الجيش افتقد لقوات المشاة خلال الحرب وكانت هذه الكتيبة من البدائل إلى جانب القوات المشتركة وقوات درع السودان في سد النقص في الجنود المشاة والاعتماد عليها في حرب المدن”.
3ayin.com