أيام تحت القصف.. هل تصبح مدينة الأبيض فاشر أخرى

عاين- 14 مارس 2025
وضعت قوات الدعم السريع مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان تحت قصف مدفعي عشوائي متواصل لأيام، مما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين بين قتلى وجرحى، الأمر الذي رفع وتيرة الخوف والرعب وسط السكان، وتسبب في شلل في الحياة العامة، بينما شرع سكان في النزوح إلى مدينة كوستي.
وظلت مدينة الأبيض تحت حصار كامل تفرضه عليها قوات الدعم السريع من كل الاتجاهات منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل من العام 2023م، قبل أن يتمكن الجيش “متحرك الصياد” من فك حصارها والربط بينها ومدينة كوستي وولاية النيل الأبيض باستعادة السيطرة على الطريق القومي والمدن الواقعة عليه مثل أم روابة والرهد أبو دكنة.
ومنذ وصول متحرك الصياد إلى الأبيض والالتقاء مع فرقة الجيش “الهجانة” في يوم 23 فبراير الماضي، ظلت المدينة تتعرض للقصف المدفعي والطائرات المسيرة، وخلال 9 أيام ماضية لم يتوقف التدوين العشوائي في فترات زمنية مختلفة في اليوم، ودائما ما تسقط المقذوفات المتفجرة “الدانات” في الأحياء السكنية، وفق ما نقله شهود لـ(عاين).
حشود كبيرة من مقاتلي قوات الدعم السريع تمركزوا في تحصينات طبيعية بثلاثة اتجاهات حول الأبيض، وبدأوا في قصفها عشوائياً
مصدر عسكري
وبعد سيطرة الجيش على الاتجاه الشرقي الجنوبي من الأبيض بما في ذلك الطريق القومي الرابط مع كوستي، تحول مقاتلو قوات الدعم السريع، وتمركزوا في الشريط الشمالي، والجزء الشمالي الغربي، والجنوبي الغربي من المدينة، وأصبحت هناك حشود ضخمة من المسلحين بعد انضمام آلاف الجنود المنسحبين من العاصمة الخرطوم ولايتي الجزيرة وسنار، بحسب مصدر عسكري تحدث مع (عاين)، وهو ما أثار مخاوف واسعة من أن تطبق قوات الدعم السريع سيناريو الفاشر على الأبيض.
حصار جديد
واستخدمت قوات الدعم السريع أسلوب الحصار والقصف العشوائي لعدة أشهر، بعدما فشلت في السيطرة عليها، كآخر معاقل الجيش في مدينة الفاشر بإقليم دارفور غربي السودان، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في المدينة.
بحسب المصدر، فإن قوات الدعم السريع تحتشد بشكل كبير في منطقة بارا شمالي الأبيض، بجانب منطقة أم كريدم التي تضم تحصينات طبيعية مثل جبل عيسى، ويجاورها جبل أبو سنون، ومناطق أم صميمة والعيارة ودونكي موسى في الاتجاه الجنوبي الغربي من عاصمة ولاية شمال كردفان، وحاول الجيش التقدم نحو بارا لكنه تراجع.
ومن الاتجاه الجنوب الغربي من الأبيض تتمركز قوات الدعم السريع في مناطق أم رماد وأم عردة وعيال أسد، بالإضافة إلى حشود ضخمة من هذه القوات في مناطق كازقيل 40 كيلومتراً، والحمادي والدبيبات. ومثلث طيبة نحو 80 كيلومتر جنوب مدينة الأبيض، وهي تقع على طريق الأسفلت المؤدي إلى الدلنج وكادوقلي في ولاية جنوب كردفان، والفولة في ولاية غرب كردفان، وفق المصدر العسكري.
وقال سالم آدم وهو اسم مستعار لمتطوع من الأبيض لـ(عاين): إن “الوضع في الأبيض أصبح غير آمن حيث تستهدفها قوات الدعم السريع بالقصف المدفعي العشوائي، مما خلق حالة من الخوف والهلع وسط السكان الذين بدأ بعضهم في النزوح من المدينة، إذ يشهد الطريق المؤدي إلى كوستي حركة كبيرة للباصات السفرية وهي محملة بالركاب تغادر الأبيض بشكل يومي”.
وشدد: أن “القصف المدفعي يتم بشكل عشوائي في أوقات مختلفة من اليوم، حيث يتزامن بعضه مع موعد إفطار رمضان، والصباح، ومع صلاة العشاء وذلك خلال 9 أيام متواصلة، إذ سقط مقذوف متفجرة على حافلة ركاب هذا الأسبوع، تسبب في مقتل 3 أشخاص من الركاب وأصيب آخرون، كما سقطت دانة في عمارة الظاهر بمحيط السوق الكبير؛ مما أدى إلى حرق 3 مكاتب”.
استهداف المدنيين
وتعرض حي الشهداء في الأبيض للقصف المدفعي العشوائي ثلاث مرات هذا الأسبوع، وأدى ذلك إلى مقتل امرأة وطفلين، وسقطت دانة أخرى في حي ود اليأس يوم الأربعاء الماضي، وتسببت في مقتل امرأة كبيرة في السن، فالوضع أصبح غير آمن، بينما حاول الجيش الرد بقصف مدفعي مكثف على مناطق تمركز قوات الدعم السريع، مما يزيد حالة الهلع، وفق سالم.
قوات الدعم السريع تقصف المدنيين بشكل عشوائي، وتستهدف الأحياء السكنية ومحطات المواصلات والأسواق في مدينة الأبيض
متطوع
من جهته، قال محمد خليل وهو متطوع من الأبيض لـ(عاين) إن القصف الذي تقوم به قوات الدعم السريع عشوائيا، استهدف المدنيون والأعيان المدنية، بما في ذلك الأحياء السكنية والطرقات العامة ومحطات المواصلات.
ويشير خليل إلى الدانات المدفعية تأتي من اتجاه تجمعات قوات الدعم السريع في الجزء الشمالي الغربي من مدينة الأبيض بشكل متواصل، وتسبب ذلك في عدد من القتلى والمصابين وسط المدنيين، مما أدى إلى حالة من الهلع والخوف.
وقال الصحفي المقيم في الأبيض حاليا قرشي عوض لـ(عاين): إن “القصف يأتي من عدة اتجاهات، وكان الأخطر منتصف ليل الأربعاء عندما ضربت القذائف وسط المدينة، وأصابت مبنى المجلس التشريعي وتجمع تسوق، وسقط بعضها في منطقة طيبة شرق المدينة؛ مما أعاد للأذهان أيام الحرب الأولى عندما كانت الدانات تستهدف الأعيان المدنية مثل موقف المواصلات ومستشفى النساء والولادة”.
وأضاف عوض:”كل هجمات الدعم السريع على الأبيض منذ بداية الحرب وحتى اليوم لم تحقق أهداف عسكرية باستثناء طائرة مسيرة سقطت قبل شهر في مبنى الفرقة الخامسة مشاة هجانة، وإصابة بعض الجنود، وفي المقابل ألحقت أضرارا كبيرة وسط المدنيين تقدر جهات ذات صلة في المدينة عدد قتلى الحرب بأكثر من 430 شخصاً وأكثر من 300 جريح بينهم حالات بتر أعضاء”.
لن تواجه الأبيض مصير الفاشر، لأن فرقة الهجانة صمدت وحدها 23 شهراً في مواجهة الدعم السريع، والوضع صار مختلفاً بعد انضمام متحرك الصياد ومكونات أهلية تساند الجيش
صحفي بالأبيض
وتابع قرشي:”الأبيض تطبعت على حياة الحرب لأن سكانها مرتبطون بمعاش في داخلها، وهذا يعد من أخطر المراحل حينما يصبح القتال أمراً طبيعياً، في المقابل من المستبعد أن تصبح الأبيض مثل الفاشر، فقد استطاعت قوة الهجانة وحدها الصمود في مواجهة قوات الدعم السريع لأكثر من 23 شهرا، وصار وضعها أفضل بعد انضمام متحرك الصياد ومكونات أهلية للدفاع عن المدينة”.
3ayin.com