هل يطول أمدها.. حلف عسكري يعيد تشكيل خارطة حرب السودان

عاين- 20 مارس 2025
خارطة جديدة للحرب في السودان، يجري رسمها مع إعلان تحالف سياسي عسكري، قررت فصائله القتال بشكل مشترك ضد الجيش وتشكيل حكومة موازية للسلطة القائمة في بورتسودان، وهو ما يفتح الباب أمام توسع رقعة الصراع المسلح في البلاد وإطالة أمده في ظل غياب أفق التسوية السلمية.
ويرجع سيناريو توسع نطاق الحرب إلى حجم التحالف الجديد الذي وصف بأنه أكبر تحالف عسكري في تاريخ السودان الحديث، إذ ضم 6 فصائل مسلحة، وهي قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، والحركة الشعبية – شمال قيادة عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي بقيادة د. الهادي إدريس، وقوى تجمع تحرير السودان برئاسة الطاهر حجر، بالإضافة إلى قوات التحالف السوداني بقيادة حافظ عبد النبي، وحركة العدل والمساواة قيادة سليمان صندل.
ولم يمض طويلا على توقيع ميثاق السودان التأسيسي والدستور الانتقالي في العاصمة الكينية نيروبي بين مجموعات مدنية ومسلحة سودانية، التقت جيوش قوات الدعم السريع مع الحركة الشعبية – شمال في ولاية النيل الأزرق، وجبال النوبة الشرقية في ولاية جنوب كردفان، بجانب التقاء مماثل للدعم السريع مع حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي، وقوات التحالف السوداني في عدة مناطق بولاية شمال دارفور.
وصاحب التقاء قوات الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال خوض معارك عسكرية مشتركة بالفعل ضد الجيش في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان؛ مما رفع وتيرة المعارك والمواجهات فيها، لكن ما يزال الوضع في إقليم دارفور الذي تسيطر قوات الدعم السريع على معظمه، كما كان عليه، وسط بروز مظاهر تنسيق عسكري وطوف مشترك وفق ما نقلته عدة مصادر لـ(عاين).
التقت جيوش قوات الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال، وتحرير السودان -المجلس الانتقالي وقوى تجمع تحرير السودان والتحالف السودان، وخاضت بعضها معارك مشتركة
مصادر عسكرية لـ(عاين)
وفق المصادر، فإن قوات كبيرة من قوى تجمع تحرير السودان التي يرأسها الطاهر حجر، تتحرك بالقرب من مخيم زمزم وخزان جديد، وتمددت حتى تخوم محلية طويلة التي تخضع إلى سيطرة جيش تحرير السودان بزعامة عبد الواحد محمد نور، كما تتحرك في مناطق أبو قمرة وأورشي وأمبرو وكرنوي، وجميع هذه الأماكن في ولاية شمال دارفور، ويشرف على هذه التحركات رئيس هيئة الأركان أحمد أبو تنقة.
ويقول المتحدث الرسمي لقوى تجمع تحرير السودان فتحي محمد عبده لـ(عاين): إن “العمل العسكري المشترك لقواته مع الدعم السريع بعد توقيع ميثاق السودان التأسيسي يتم وفق رؤية استراتيجية واضحة تهدف إلى توحيد الجهود والبندقية في مواجهة القوات المسلحة وفصائلها الإرهابية”.
الصورة: ارشيفية لتدشين القوة المحايدة لحماية المدنيين بدارفور بين حركتي جيش تحرير السودان وتجمع قوى تحرير السودان
ويضيف: “تجري ترتيبات متقدمة لرفع مستوى التنسيق العسكري، بحيث تُوَحَّد القيادة العملياتية في القطاعات الميدانية المختلفة. ومن المتوقع أن نشهد تنسيقا عملياً للقوات في مسارح العمليات خلال الفترة المقبلة، مع التركيز على تبادل الدعم الميداني والاستخباراتي، وتنسيق خطط تكتيكية تضمن تحقيق أهداف تحالف السودان التأسيسي بأعلى درجة من الكفاءة”.
حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي بزعامة الهادي إدريس هي الأخرى دخلت في خط التنسيق العسكري مع قوات الدعم السريع ربما توطئة لخوض عمليات مشتركة في إطار تحالف السودان التأسيسي، وبحسب مصدر مقرب تحدث لـ(عاين) فإن القوة العسكرية الفعلية لهذه الحركة تتمركز في منطقة كورما التابعة لمحلية طويلة بولاية شمال دارفور ولديها قاعدة كبرى هناك يقودها أحمد بخيت.
الأجسام العسكرية في تحالف السودان التأسيسي، سيكون بينها تنسيق؛ لأنها تمثل نواة للجيش الوطني السوداني الذي نحن بصدد تشكيله مستقبلاً
القيادي في حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي نمر عبد الرحمن لـ(عاين)
ويكشف القيادي في حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي نمر عبد الرحمن في مقابلة مع (عاين) أن قواتهم التقت بالفعل مع قوات الدعم السريع في مدينة كورما بولاية شمال دارفور، في إطار التنسيق والتفاهم للقضايا المستقبلية، لا سيما فيما يتعلق بحماية المدنيين، والحكومة المنتظر تشكيلها، وهي ترتيبات أولية لخلق تفاهم وكسر الحواجز، لأننا نعمل بشكل مشترك”.
يؤكد نمر: أن “كل الأجسام العسكرية في تحالف السودان التأسيسي، سيكون بينها تنسيق؛ لأنها تمثل نواة للجيش الوطني السوداني الذي نحن بصدد تشكيله مستقبلاً”.
اندماج فعلي
فصيل مسلح آخر يقوده وزير الثروة الحيوانية في الفترة الانتقالية حافظ عبد النبي، تحت مسمى قوات التحالف السوداني، قد اندمجت قواته بالفعل مع قوات الدعم السريع في منطقة دمرة التابعة إلى كتم في ولاية شمال دارفور، بحسب ما نقلته مصادر موثوقة لـ(عاين).
والتحالف السوداني هو الحركة التي كان يقودها والي غرب دارفور السابق خميس أبكر، والذي قُتِل في بداية الحرب عند اجتياح قوات الدعم السريع مدينة الجنينة، وبعدها انشق هذا التنظيم إلى فصيلين أحدهم انضم إلى القتال إلى جانب الجيش، والآخر بقيادة حافظ عبد النبي اتخذ موقف الحياد في الحرب حتى توقيع ميثاق السودان التأسيسي.
انخرطنا منذ التوقيع على ميثاق السودان التأسيسي في تنسيق عسكري مع الدعم السريع، ولن نتوان مطلقاً في مقاومة هذه العصابة المجرمة من الجيش وكتائبه الإرهابية
رئيس قوات التحالف السوداني حفاظ النبي لـ(عاين)
ويقول رئيس قوات التحالف السوداني حفاظ النبي لـ(عاين): “قواتنا تقاتل جنباً إلى جنب مع قوات الدعم السريع في جميع المحاور وفق تنسيق عسكري انخرطنا فيه منذ التوقيع على ميثاق السودان التأسيسي، ولن نتوان مطلقاً في مقاومة هذه العصابة المجرمة من الجيش وكتائبه الإرهابية التي أذاقت السودانيين كل صنوف العذاب من القتل والتشريد واللجوء وقطع الأوصال والانتقام على أساس اللون والعرق مثلما حدث مع سكان الكنابي”.
الصورة: عسكريون من القوات المشتركة قرب مدينة الفاشر- - الصورة: صفحة القوات المشتركة
وشدد عبد النبي، أن التنسيق الذي تم في هذه الأيام بين الحركة الشعبية شمال قيادة عبد العزيز الحلو وقوات الدعم السريع في المحور الجنوبي يؤكد وحدة قوي تحالف السودان التأسيسي من أجل تحقيق الأهداف التي تضمنها ميثاق التحالف.
تحولات ميدانية
ولم تبرز مؤشرات إلى تطورات في المشهد العسكري الميداني في إقليم دارفور باستثناء أعمال القصف العشوائي التي تقوم بها قوات الدعم السريع وبعض الهجمات، لكن لم يثبت مشاركة حركتي تجمع تحرير السودان، وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي في تلك العمليات الحربية، وتوحي معطيات الواقع بأن عاصمة ولاية شمال دارفور ستكون هدفاً لعمل عسكري مشترك من التحالف الجديد خلال الفترة القليلة القادمة.
وفي المقابل شهدت ولايتا جنوب كردفان والنيل الأزرق تحولات ميدانية، بعد عمليات عسكرية مشتركة خاضتها الحركة الشعبية – شمال وقوات الدعم السريع ضد الجيش في عدد من المناطق، ما يشئ بتصعيد عسكري واسع في المنطقتين خلال المدى القريب، نتيجة التحالف الجديد.
وتحرك قوات الدعم السريع في المحور الجنوبي منطقة “دلي” بولاية جنوب كردفان، بقيادة الرائد حسين قادم، والتقى مع قوات من الحركة الشعبية – شمال في الجبال الشرقية عند مناطق، كبوجي – قولو – دبكاية -، وأعلنا خلال مقطع مصور العمل العسكري المشترك لتحقيق هدف واحد وهو ما وصفوه باقتلاع حزب المؤتمر الوطني من السودان.
خطوة من الجيش
وفي خطوة استباقية، انفتحت قوات الجيش من مدينة الدلنج على منطقة كركراية في محاولة لفتح الطريق الرابط مع كادوقلي، كما أدخلت مليشيا متحالفة معها يقودها مسلح يدعى “أبو ربط” للعمل من محور دلامي شرقي جنوب كردفان بغرض دخول هبيلا؛ ومن ثم الربط مع الدلنج الواقعة في الاتجاه الشمالي الغربي من ولاية جنوب كردفان، وذلك بحسب ما كشفته مصادر ميدانية لـ(عاين).
وبحسب المصادر، فإن “أبو ربط” وهو متهم سابق بالقتل والسرقة، وشكل مجموعة مسلحة بعد الحرب، تمكن من دخول هبيلا في نهاية فبراير الماضي، لكنه لم يستطع الصمود فيها والربط مع الدلنج كما كان مخططاً له، واضطر للتراجع إلى منطقة دلامي بعدما هاجمته قوة من الدعم السريع، وعادت هبيلا لتصبح منطقة تماس غير خاضعة إلى سيطرة أي طرف.
ووفق المصادر، تراجع كافي طيار وهو قائد أحد المليشيات المسلحة المتحالفة مع الجيش إلى داخل كادوقلي، وتمركز في مقراته، بعد ما تردد بشأن خلافات مع الجيش متعلقة ببعض المصالح والنفوذ.
خارطة السيطرة
ولم تتغير خارطة السيطرة كثيرا في ولاية جنوب كردفان بعد التطورات العسكرية الأخيرة، حيث يحتفظ الجيش بالسيطرة على كادوقلي، الدلنج، العباسية، تلودي، كلوقي، الليري، التضامن، كرتالا، ابوجبيهة، دلامي، بينما تسيطر الحركة الشعبية على مناطق شرق كادوقلي حتى محيط دلامي، وهيبان وأم دورين والبرام وكاودا، بجانب كرقل على الطريق الرابط بين الدلنج وكادوقلي، لكن من المتوقع أن تشهد المناطق شرق وشمال ولاية جنوب كردفان، والأبيض في شمال كردفان تصعيد عسكري خلال الفترة القليلة المقبلة.
أما بالنسبة لولاية النيل الأزرق، فقد تمددت حرب 15 أبريل 2023 إلى هناك لأول مرة في أغسطس 2024 بعد تسلل قوات الدعم السريع عبر محلية سنار من خلال منطقة الدالي والمزموم بعد دخول الجيش مدينة سنجة، ووصلت إلى محلية التضامن بولاية النيل الأبيض على الحدود مع دولة جنوب السودان، ووقتها دارت معارك في مناطق “بوط – رورو- أحمر موقي – قلي الجعليين – قلي الفونج” بولاية النيل الأزرق تمكن الجيش من صد هجمات الدعم السريع.
وبدأ التنسيق العسكري المشترك بين قوات الدعم السريع، مع قوات الحركة الشعبية – شمال في ولاية النيل الأزرق التي يقودها جوزيف توكا المتمركزة في محلية باو، قبل أن يلتقي الجيشان في 24 فبراير الماضي في منطقة فغجة.
وبعد أيام نفذ الجيشان عمليات عسكرية مشتركة استولوا من خلالها على عدة مناطق في محلية باو وهي، (ملكن، الروم، القراود، التبيلاب، تنفونا، الفونج ورئاسة قوات الحركة الشعبية جناح مالك عقار في منطقة أولو) وفق ما نقلته مصادر عسكرية لـ(عاين)، كما أعلنت الحركة الشعبية شمال وقوات الدعم السريع فتح مركز تدريب مشترك في محلية باو في إقليم النيل الأزرق.
أكبر تحالف عسكري
يوم الأحد 16 مارس الجاري، أعلنت قوات الدعم السريع عن تقدمها عسكرياً في محور ولاية النيل الأزرق، وأنها اقتربت من العاصمة الدمازين بعد معارك مع الجيش، وعرضت صورا لأسرى العمليات العسكرية، دون أن توضح المناطق التي دخلتها، بينما لم يصدر الجيش أي تعليق. وتبعد المناطق التي سيطرت على قوات الدعم السريع والحركة الشعبية في محلية باو نحو 65 كيلومتراً من الدمازين.
ستصل كل الجيوش الموقعة على تحالف السودان التأسيسي للترتيب العسكري الميداني قريباً
مصدر عسكري بالدعم السريع لـ(عاين)
ويقول مصدر قيادي في قوات الدعم السريع لـ(عاين): إن “الالتقاء مع قوات الحركة الشعبية – شمال تم وفق ترتيبات ميدانية بين الجيوش على الأرض، وسوف تصل كل الجيوش الموقعة على تحالف السودان التأسيسي للترتيب العسكري الميداني قريباً”.
وتلتقي هذه الجيوش لتضع السودان أمام أكبر تحالف عسكري سياسي، وفق ما يراه القيادي في حركة تحرير السودان نمر عبد الرحمن، وهو يفوق تحالف الجبهة الثورية الذي شاركت فيه بعض هذه الفصائل خلال السنوات الماضية.
وبحسب نمر الذي تحدث مع (عاين) فإن التحالف سيكتمل في أربع خطوات، وفُرِغ من خطوتين بتوقيع الميثاق التأسيسي والدستور، وتبقت خطوتان وهما إعلان هياكل تحالف السودان التأسيسي وهو الحاضنة السياسية الكبرى للحكومة، ويجري التشاور حوله، وسيُعْلَن في أقرب وقت، لتكون الخطوة الأخيرة تشكيل الحكومة.
ويطرح التحالف العسكري العريض تساؤلات بشأن كيفية إدارته ولمن تكون القيادة العسكرية حالاً مضوا في عمل ميداني حربي مشترك، ويجب مصدر قيادي في قوات الدعم السريع “هذا سيخضع إلى ترتيبات عسكرية على مستوى قيادة الأطراف”.
بينما أكد نمر عبد الرحمن أن كل القوات ستأتمر بأوامر الحكومة التي سيكون لديها رؤية شاملة لبناء القطاع الأمني الذي يشمل الجيش الوطني، والشرطة وجهاز المخابرات لتكون أجهزة مهنية وطنية.
3ayin.com