تصفية الثورة السودانية.. إجراءات الإسلاميين والعسكريين

عاين- 22 مارس 2025
يجول عاطف الشاب الذي تظاهر مرارا ضد نظام الإسلاميين في السودان ببصره على ناقلات الجنود والقطع الحربية المتحركة على شارع رئيسي في مدينة القضارف شرق البلاد، الأمر الذي دفعه للشعور بالإحباط سيما في موقع كان قبل أربعة أعوام يشهد احتجاجات شعبية ضد نظام البشير.
انهارت شبكات شبابية كانت تنظم التظاهرات السلمية في السودان سيما الخرطوم منذ اندلاع الحرب منتصف نيسان/أبريل 2023 رغم وصول المحتجين قبل ساعات من القتال قريبًا من القصر الجمهوري مطالبين بسقوط نظام البرهان وحميدتي في ذلك الوقت لأن النزاع المسلح شرد نحو ثلثي سكان العاصمة السودانية العمود الفقري للاحتجاجات الشعبية.
ويقول عاطف الذي يعمل مع لجان الطوارئ بمدينة القضارف شرق السودان ويتعرض إلى مضايقات تصل حد الاتهام بالانحياز إلى الدعم السريع لـ(عاين): “إذا حاول الآن أي شخص الاحتجاج سيجد نفسه محاطا بعناصر الخلية الأمنية مع تعرض للتعذيب والاحتجاز في مراكز سرية.. لقد أعادوا أدوات القمع من جديد خلال الحرب”.
ملاحقة النشطاء
درجت قوات الأمن السودانية على قمع التجمعات السلمية قبيل اندلاع الحرب أما خلال الصراع المسلح الذي يستمر منذ عامين شددت السلطات الإجراءات وربطتها بالمحاكم وصدرت عشرات الأحكام القضائية بالإعدام ضد مدنيين بتهمة التعاون مع الدعم السريع ومع ذلك لم يستسلم أعضاء الحراك السلمي وانضموا للعمل ضمن غرف الطوارئ لتوفير الطعام والأدوية للمتأثرين بالحرب أو اللجوء إلى دول الجوار والإقليم.
بينما في مدينة بورتسودان عاصمة الحكومة المدعومة من الجيش أعادت المحكمة العليا عشرات السفراء الذين فصلوا بواسطة لجنة التفكيك في العام 2020 وفق الناشط الحقوقي أحمد عثمان الذي يعتقد أن المجموعة التي أعيدت إلى وزارة الخارجية السودانية تمثل “الخلية المقربة من الإسلاميين”.
يكشف أحمد عثمان معلومات جديدة حول تخطيط الإسلاميين لإعادة جميع المفصولين بواسطة لجنة التفكيك بنشر قرارات تصدر تباعا من المحكمة العليا وإعادة نحو 300 شركة ومنظمة تابعة لقيادات وهيئات موالية لنظام البشير مع وضع تسهيلات أمامها لتعويضها جراء خسائرها على حد مزاعم ملاكها.
وأضاف: “في الخامس من يناير 2025 عين عبد الفتاح البرهان بتوصية من مجموعة متنفذة بالسلطة القضائية إيناس محمد عبد الله نائبة أولى لرئيس القضاء وقاضي المحكمة العليا منير محمد الحسن نائبا ثانيا لرئيس القضاء”.
مسار قضائي جديد
ويرى أحمد عثمان، أن تعيينات السلطة القضائية تهدف لاتخاذ المسار القانوني لتصفية جميع مظاهر ثورة ديسمبر سواء كانت قرارات لجنة التفكيك أو ملاحقة السياسيين المناهضين للحرب ونشطاء غرف الطوارئ ولجان المقاومة.
ويوضح عثمان معلومات أخرى متعلقة بضغوط الإسلاميين لإبرام صفقات مع شركات روسية وصينية ودولة قطر وتركيا لاستعادة النفوذ الاقتصادي وإعادة الوضع كما كان قبل 2019.
ويقول عثمان لـ(عاين): “خلال الحرب صعدت طبقة من رجال الأعمال لديهم تقارب مع الجيش والإسلاميين هذه المجموعة لا تملك مصلحة في عودة الانتقال المدني وتمول الأنشطة الأمنية والإعلامية المعادية للثورة والحكم المدني”.
ارتفاع الإنفاق الأمني
ويقول الباحث في القطاع الأمني والعسكري محمد السني إن حكومة بورتسودان اتخذت المزيد من الإجراءات “القمعية” ضد قادة الحراك السلمي اولئك الذين يتطلعون إلى استعادة الانتقال المدني.
الجيش السوداني يخطط للسيطرة على الحكم لعشرة سنوات على الأقل
باحث أمني
وأضاف: “حجم الانفاق على القطاع الأمني يتجاوز الـ 70 مليون دولار حتى نهاية 2024 لتجهيز قوات الشرطة والأمن والسيطرة الأمنية المطلقة على الحياة العامة خلال الحرب وبعدها تكميم الأفواه والجيش لديه خطط للحكم لعشرة سنوات على الأقل بحجة الحفاظ على الأمن”.
ويقول السني لـ(عاين): إن “الأزمة الراهنة تتمثل في تعدد الجماعات العسكرية وتنافسها للحصول على “الكيكة الأكبر” من السلطة بينما يسعى الاسلاميون إلى كنس ثورة ديسمبر يسعى الجيش للسيطرة على البلاد بحجة الثورة حتى ينسج علاقات جديدة مع المجتمع الدولي”.
يعتقد السني أن حظوظ استعادة مسار الانتقال المدني منخفضة نتيجة ضعف القوى المدنية ورغبتها في الاصطفاف ما بين الجيش والدعم السريع دون أن تخط لنفسها طريقا ثالثا قويا لمخاطبة قضايا الشعب السوداني.
وتابع: “في السودان يقاتل إلى جانب الجيش نحو 20 مليشيا مسلحة جميعها تنتظر حصتها في الحكومة القادمة حسب اعتقاد عبد الفتاح البرهان أن من يريد السلطة عليه أن يجهز جيشه في ظل هذا الواقع نجح قائد القوات المسلحة في تصفية الثورة في ذات الوقت أحاط نفسه بحقل الألغام”.
عاد الإسلاميون إلى الدولة لم يتبق سوى البشير في الخلف
متظاهر داعم للتحول المدني
يروي المعز محمد أحد أعضاء الحراك السلمي في العاصمة السودانية قبيل اندلاع القتال منتصف أبريل 2023 في مقابلة مع (عاين) حول الخطوات التي يتخذها أنصار النظام السابق لـ”تصفية الثورة السلمية” من خلال إعادة جميع عشرات الدبلوماسيين إلى وزارة الخارجية السودانية والجامعات الحكومية الذين فُصلوا بواسطة لجنة التفكيك وإزالة التمكين في العام 2020.
تشريعات لتكميم الأفواه
حول مستقبل الحياة السياسية والمدنية في السودان يقول المعز محمد، إن الحكومة في بورتسودان تمكنت من عسكرة الحياة العامة وإرهاب المواطنين والإبلاغ عن النشطاء بحجة التعاون مع الدعم السريع وتوقع تشريعات وقوانين بواسطة وزارة العدل لتحجيم الأنشطة المدنية.
يظهر عضو المبادرة السودانية والمتحدث السابق باسم تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم لوقف الحرب حسام علي موسى، تفاؤلا باستعادة مسار الثورة السلمية متى ما توقف القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع ويلفت إلى أن النظام الحاكم في بورتسودان سيجد نفسه محاصرا بالأسئلة حول الاقتصاد والسياسة حينما تتوقف الحرب.
ويقول موسى في مقابلة مع (عاين): “هناك أسئلة قادمة لا يمكنهم إدارتها عن طريق آلة الموت المفضلة لديهم دائما للحصول على حلول سريعة.. بالتأكيد لن يحالفهم الحظ كل مرة”.
ويرى حسام علي موسى، أن المدخل لإيقاف الحرب الإجابة على أسئلة العدالة والعدالة الانتقالية واستعادة الحياة المدنية السياسية. ويضيف: أن “الإسلاميين لا يتعلمون من تجاربهم لأن مصير السودانيين العيش في بلدهم بحرية وكرامة وإذا لم يتعلم الإسلاميون الدرس ستنتهي تجاربهم السياسية والاجتماعية”.
سيناريوهات قادمة
بينما يعتقد المتحدث باسم لجان مقاومة أمبدة محمد طاهر، أن تصفية ثورة ديسمبر بدأت منذ بداية الحراك السلمي في السودان. مضيفا أن ما يحدث الآن محاولة سرقة الثورة من طرفين بينما الأولى يسعى لتصفيتها يحاول الثاني تحقيق مصالحه.
سيناريو التفكيك أو دولة القانون كلاهما أمام السودان حاليا
عضو لجنة مقاومة
ويضيف طاهر: “هناك سيناريوهين يواجه السودان إما التفكك والفوضى الشاملة أو فرصة تاريخية لإنتاج سودان موحد وقوي”.
محمد طاهر متحدث لجان مقاومة امبدة العضو البارز في الحراك السلمي خلال الاحتجاجات السلمية ضد الانقلاب العسكري في العام 2021 يلفت في مقابلة مع (عاين) إلى نقطة أخرى بالنسبة له أكثر أهمية وهي أن الأزمة الراهنة لا تنحصر حول ثورة ديسمبر.
ويضيف قائلا: “من المهم إنتاج خطاب يلبي تطلعات جميع السودانيين ويستوعب القوى الأخرى التي بقيت خارج مظلة الثورة سياسيا واجتماعيا حتى يحدث توافق وطني واسع”.
بينما يوضح الكاتب الصحفي والمحلل السياسي ماهر أبو الجوخ أن تصفية الثورة إجراءات مستمرة منذ انقلاب 2021 ومستمرة في الوقت الراهن بإعادة عشرات السفراء إلى وزارة الخارجية السودانية علاوة على إعادة موظفي قطاع النفط الذين سرحوا من الخدمة لموالاتهم نظام البشير.
ويقول أبو الجوخ لـ(عاين): إن “الحزب المحلول يحاول إعادة التموضع في مؤسسات الخدمة المدنية لأن هذه المجموعة تعتقد أن معادلة الحرب قد تضعها خارج الحسابات السياسية أو تضعف موقفها بالتالي هي تحتاط من خلال إحكام السيطرة على مفاصل الدولة”. وتابع: “عاد الإسلاميون إلى مفاصل الدولة ومع ذلك لا يمكنهم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لأن تبدل المعادلة واردة في أي وقت”.
ثورة ديسمبر لا يمكن تجاوزها مهما كانت نتيجة الحرب لأن المزاج العام ضد الشمولية والأنظمة العسكرية
محلل سياسي
ويضيف أبو الجوخ: “علينا أن لا نغفل أن النتائج التي ستفضي إليها الحرب ستعيد تأسيس المؤسسات العسكرية والمدنية في السودان وهي بحاجة إلى إعادة تأسيس لا مجرد إصلاح” في إشارة إلى إلغاء هذه المؤسسات وإعادة تكوينها من جديد.
عودة التمكين مجددا
ويشير ماهر أبو الجوخ، إلى أن حزب المؤتمر الوطني “المحلول” تجاوز مرحلة تقويض ثورة ديسمبر بفرض وجوده في مؤسسات الدولة كواقع حاضر وفاعل ويلفت إلى أن الإسلاميين بالتمكين الأخير في مؤسسات الدولة وكأنهم يقولون للجيش هذا أو الطوفان.
ويعتقد أبو الجوخ، أن الحكومة في بورتسودان قادرة على الاستمرار في السلطة باستغلال المعطيات الداخلية والخارجية بالمقابل هناك حالة اضطراب واضحة في مناطق سيطرة القوات المسلحة تتزايد كلما اقتربت الحرب من النهاية.
ويرى أبو الجوخ أن ثورة ديسمبر لا يمكن تجاوزها مهما كانت نتيجة الحرب أو القوى العسكرية التي تهيمن على المشهد لأن المزاج العام ضد الشمولية والأنظمة العسكرية وعندما حاولت بعض الأطراف المجاهرة بهذا الاتجاه تعرضت إلى انتقادات عنيفة.
3ayin.com