خبر ⁄سياسي

المالحة.. مدينة استراتيجية في مرمى النيران

المالحة.. مدينة استراتيجية في مرمى النيران

عاين- 27 مارس 2025

على مدى ثلاثة أيام شهدت مدينة المالحة الاستراتيجية بولاية شمال دارفور معارك عنيفة بين الجيش السوداني والقوات المشتركة الحليفة معه وقوات الدعم السريع قبل أن تعلن الأخيرة سيطرتها على المدينة بالكامل.

شنت قوات الدعم السريع هجومها على المالحة الخميس 20 مارس 2025 بحوالي 300 عربة قتالية مزودة بالأسلحة الثقيلة، ونهبت أكبر سوقين بالمنطقة وهما “الجمارك” و”السوق الكبير” كما وجد آلاف المدنيين أنفسهم في حالة حصار داخل المنازل مع انتشار هذه القوات في الشوارع ومداهمة البيوت في بحث عن مسؤولي الإدارات الأهلية ونشطاء غرف الطوارئ أو عائلات مقاتلي القوات المشتركة والمتطوعين في القتال إلى جانب الجيش.

حصار بالأسلحة الثقيلة

وطبقا لمرصد مدينة المالحة لحقوق الإنسان وضعت هجمات الدعم السريع على الأحياء السكنية للمالحة قرابة آلاف المدنيين ضمن عداد المحاصرين داخل المنازل، وقبل ذلك أضرمت النار في المؤسسات الحكومية.

تقع مدينة المالحة على بعد 200 كيلو متر شمال الفاشر عاصمة شمال دارفور، وتبعد حوالي ألف كيلو متر عن مدينة الدبة شمال السودان من الناحية الغربية، وتفصل بينهما الصحراء.

وقال مسؤول محلي بمحلية المالحة لـ(عاين): إن “قوات الدعم السريع اغتالت 17 قياديا في الإدارة الأهلية خلال هجومها على المالحة ضمن الحملات الانتقامية”.

مئات العائلات نزحت سيرا على الأقدام  لأيام إلى قرى تكرو وباسيرو شمال وشرق المنطقة

نازح من المالحة

 وخلال معارك مدينة الفاشر بين القوات المسلحة والمشتركة ضد قوات الدعم السريع فرّ حوالي 100 ألف شخص من المدينة صوب المالحة بحثا عن الأمان، وأصبح مصيرهم غامضا بعد هجوم قوات الدعم السريع مؤخرا على المالحة التي تقع بين مفترق الطرق الرابطة بين شمال السودان وليبيا وإقليم دارفور وتشاد والنيجر ومصر.

وأبلغ أحد الناجين من هجوم المالحة واسمه محمد بخيت آدم (عاين): أن “مئات العائلات التي تتكون من النساء والأطفال نزحوا إلى قرى شمال وشرق الولاية خاصة قرى تكرو وباسيرو واضطروا للسير على الأقدام لأيام”.

خريطة منطقة المالحة الحدودية

بينما أفاد عضو في غرفة الطوارئ بشمال دارفور، أن قوات الدعم السريع منعت المواطنين من الخروج واتخاذهم دروعا بشرية؛ لأنها تترقب هجمات من الجيش والقوات المشتركة لاستعادة المنطقة.

وتابع في مقابلة مع (عاين): “تلقينا بلاغات بفقدان 22 مواطنا، ولا يمكن تتبع حركتهم؛ لأن قوات الدعم السريع صادرت أجهزة ستار لينك المزودة للإنترنت من جميع المحلات”.

فيما نقل المواطن عيسى جابر وهو من منطقة المثلث وهي وحدة إدارية تتبع لمحلية المالحة لـ(عاين): تم إجلاء نحو 12 مصابا من المدنيين إلى الولاية الشمالية بصعوبة بالغة مع تردي الوضع الأمني”.

بعد استراتيجي

مميزات عديدة يشرحها الباحث المتخصص في شؤون إقليم دارفور محمد حيدر عبد النبي لمدينة المالحة بالنسبة للأطراف المتقاتلة، ويقول لـ(عاين): “أهم المميزات هي الفوائد الاقتصادية التي تتصدر الاهتمامات كونها تقع على مفترق طرق بين شمال السودان وشمال دارفور وليبيا وتشاد وتشهد حركة قوافل تجارية مستمرة وهي سلع تبادلية بين هذه البلدان وتجني الأسواق ملايين الدولارات من هذه العمليات”.

ويرى محمد حيدر عبد النبي، أن مدينة المالحة تقع بين ثلاث مناطق تشكل استراتيجية لقوات الدعم السريع ما بين الولاية الشمالية والفاشر ودولة ليبيا، مشيرا إلى أن منطقة المالحة تتميز بحركة تجارية واسعة مع دولة ليبيا من خلال وصول السيارات والغذاء وتصدير الثروة الحيوانية خاصة الإبل إلى أسواق الكفرة.

وحسب حيدر، حتى أكتوبر 2024 كانت المالحة تشكل خط الإمداد الرئيسي بين ليبيا وقوات الدعم السريع في شمال دارفور عبر القرى الواقعة على بعد 30 كيلو مترا.

ويقول حيدر :إن “انتقال القوات المشتركة إلى عمليات الصحراء أوقف خط إمداد الدعم السريع من ليبيا عبر مدينة المالحة وسيطرتها على المدينة في الوقت الحالي قد تنعش هذه الخطط مجددا بالنسبة لقوات دقلو”.

العمليات العسكرية في الفاشر لن تتأثر بسقوط المالحة؛ لأن الجيش ليلجأ إلى الإمداد عبر الإسقاط الجوي

باحث في شؤون النزاع بدارفور

“تحصل قوات الدعم السريع على المركبات العسكرية والمقاتلين من معسكراتها في ليبيا وحينما تسيطر على المالحة، فإنها تقرب مسافة خطوط الإمداد”. يقول عبد النبي، ويتابع: “الدعم السريع تعمدت التوسع شمالا من المالحة حتى منطقة الراهب وهناك أنباء عن تراجع القوات المشتركة من هذه البلدة أيضا ما يعني أن قوات حميدتي قد تناور بتهديد القوافل التجارية بين شمال السودان وكردفان وإقليم دارفور وبين الشمالية ودولة ليبيا”.

ويشير عبد النبي إلى أن سيطرة الدعم السريع على المالحة تعني اعتماد الجيش السوداني على الإسقاط الجوي للإمداد العسكري بالفاشر.

وإلى جانب تجارة السلع من ليبيا تضم مدينة المالحة سوقا للثروة الحيوانية يعد الأكبر بين السودان والأسواق الليبية خاصة تجارة الإبل وخلال الحرب تطور هذا السوق وعقب العمليات العسكرية التي قادتها قوات الدعم السريع منذ الخميس 20 مارس 2025 أصبحت جميع المصالح التجارية والاقتصادية تحت سيطرتها.

لا تأثير عسكري على الفاشر

لا يعتقد الباحث في شؤون النزاع المسلح بإقليم دارفور ، محمد حسين، بأن سيطرة الدعم السريع على مدينة المالحة سيكون له أثر عسكري على مدينة الفاشر المحاصرة منذ وقت، ويقول لـ(عاين): ” لا تشكل المنطقة تأثيرا كبيرا من الناحية العسكرية على شمال دارفور طالما حافظ الجيش والقوات المشتركة على خط الإمداد الرئيسي للفاشر عبر الإسقاط الجوي”.

رحلات نزوح من مناطق الفاشر بعد اشتداد المعارك في مدينة الفاشر – مايو 2024

ويشير حسين إلى أن التطورات الميدانية وتقدم الجيش في العاصمة السودانية وشمال كردفان والنيل الأبيض والجزيرة وسنار لا تسمح للدعم السريع بالبقاء في مدينة المالحة وقتا أطول. وأضاف: “علينا أن نضع في الاعتبار أن الجيش عبر متحرك الصياد إذا تمكن من استرداد مدينة بارا في شمال كردفان من الدعم السريع سيكون بمقدوره الوصول إلى الفاشر عبر الطريق البري في غضون ساعات”.

ويقول محمد حسين آدم الباحث في شؤون النزاعات المسلحة بإقليم دارفور إن منطقة المالحة تعد المركز الاقتصادي بين السودان وليبيا وتشاد وحتى القوافل المتجهة نحو مصر لذلك تكتسب أهمية قصوى في خارطة السيطرة الاقتصادية لا العسكرية.

ويستبعد حسين، تهديد الدعم السريع للوضع في مدينة الدبة بالولاية الشمالية منطلقة من المالحة، ويبرر ذلك بصعوبة اجتياز الطريق الترابي الرابط بين المنطقتين، ويبلغ طوله نحو ألف كيلو متر. ويوضح حسين أن القوات المشتركة لم تعتمد على الإمدادات بشكل منتظم من مدينة الدبة بالولاية الشمالية إلى شمال دارفور؛ لأن قوات الدعم السريع تسيطر على مدينة كتم، ولا يمكن عبورها إلى الفاشر والمجازفة بخسارة الإمداد.

وأردف: “أي تحرك عسكري للدعم السريع من المالحة إلى شمال السودان سيضعه في مرمى سلاح الجو التابع للجيش السوداني، إضافة لانتشار القوات المشتركة على طول الطريق في جبل عيسى والمثلث”. ويضيف حسين: “لا أعتقد أن المالحة أكثر قوة من منطقة الزرق بشمال دارفور، والتي كانت محصنة بترسانة عسكرية كبيرة تمكنت القوات المشتركة من تحطيمها تماما”.

سيطرة الدعم السريع على المالحة تربطه بـ(4) معسكرات له داخل الحدود الليبية

باحث

غير أن الباحث في إقليم دارفور ضرار آدم ضرار، يشير إلى معلومات حول وجود أربعة معسكرات تتبع لقوات الدعم السريع داخل الحدود الليبية، ويقول لـ(عاين): “سيطرة قوات الدعم السريع على المالحة تضعها على مقربة من خطوط الإمداد بين إقليم دارفور والحدود الليبية وقد تكون هذه دوافع السيطرة على المدينة”.

ومع ذلك يستبعد ضرار وجود تهديدات جدية على الفاشر أو شمال دارفور تنطلق من المالحة، ويعتقد أن العمليات الحربية ترمي بثقلها في معارك الصحراء بين القوات المشتركة وقوات الدعم السريع، وعلى ضوء ذلك يحدد مصير الإقليم.

وحول وجود مهبط للطائرات بالمالحة، يؤكد حسين وجود مهبط ترابي شيدته بعثة اليوناميد لهبوط المروحيات وطائرات إليوشن، لافتا إلى أن مثل هذه المهابط كثيرة في إقليم دارفور، ولا توجد هناك ميزة نوعية لوجودها في المالحة. ويقول حسين إن المالحة لا تحدد مصير مدينة الفاشر والمعارك الأساسية تدور في الصحراء بين القوات المشتركة وقوات الدعم السريع.

ووفقا لمصادر عسكرية من الجيش السوداني تحدثت لـ(عاين)، يعتزم الجيش والقوات المشتركة إرسال تعزيزات عسكرية إلى منطقة المالحة من الولاية الشمالية خلال أيام.

3ayin.com