خبر ⁄سياسي

ماذا تبقى من فرص الحل السلمي بالسودان

ماذا تبقى من فرص الحل السلمي بالسودان

عاين- 1 ابريل 2025

 يتصاعد خطاب الحرب في السودان من طرفي الصراع الذي اقترب من دخول عامه الثالث، مع استمرار التكلفة الإنسانية العالية، والتي تجلت في توسع نطاق الجوع وانعدام سبل الحياة والانتهاكات بحق المدنيين، مما جعل السودانيين يتوقون إلى فرص الحل السلمي للنزاع لوضع حد للمعاناة المتطاولة التي يعيشونها.

ومع بروز أي مؤشرات لقرب دخول الجيش وقوات الدعم السريع في عملية تفاوض لوقف القتال، تتحرك رمال كثيفة لتغطي على المشهد السوداني بلغة القتال والعنف، وبعدها تنهار مساعي المحادثات والحل السلمي التي تقودها أطراف إقليمية ودولية، وكان آخرها تحركات سعودية واسعة خلال الشهرين الماضيين، والتي يبدو وصولها إلى طريق مسدود.

متلازمة الفشل في تسوية الحرب المدمرة في السودان، ظلت تلاحق كافة الجهود منذ اندلاع القتال في منتصف أبريل 2023م، بعد رفض الجيش المضي قدما في المبادرات الساعية إلى الحل السلمي للصراع وتمسكه بالحسم العسكري، وبحسب ما كان يرشح أنه يرغب في تحسين وضعه الميداني قبل الانخراط في أي تفاوض، وفي مقابل ذلك كانت قوات الدعم السريع تبدي مرونة تجاه جميع مبادرات التسوية السلمية المطروحة من جهات دولية وإقليمية وداخلية.

وبعد تقدم الجيش السوداني عسكرياً واستعادته السيطرة على ولايتي الجزيرة وسنار ومعظم أنحاء العاصمة الخرطوم، ارتفع مستوى التفاؤل في الساحة السودانية بحدوث مقاربة تضع حدا لهذا النزاع المتطاول، خاصة وأن التطورات الميدانية تزامنت مع حراك مكثف من المملكة العربية السعودية التي ترعى مبادرة منبر جدة مع الولايات المتحدة الأمريكية لوقف الحرب في السودان.

رفض مطلق

لكن الشارع السوداني تفاجأ بخطابين من قائدي الجيش عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، تغلقا باب التفاوض نهائياً والمضي في القتال إلى حين الحسم العسكري، وقد سبقهما بقليل تصريحات مماثلة من مساعد قائد الجيش ياسر العطا ونائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم حمدان دقلو، ترفض التفاوض.

وقال البرهان في خطاب بمناسبة عيد الفطر المبارك “لا تراجع ولا مساومة ولا تفاوض مع قوات الدعم السريع، ولا تراجع عن هزيمة وسحق الدعم السريع التي ارتكبت أشد الانتهاكات فظاعة بحق الشعب السوداني”، بينما قال حميدتي في تسجيل صوتي في عيد الفطر الحالي “لا تفاوض أو اتفاق مع الجيش، والحرب في بداياتها”.

تأكيدات طرفي الحرب تطرح تساؤلات بشأن ما تبقى من فرص التسوية السلمية للصراع في السودان، ومآلات التصعيد العسكري وقدرة كل طرف على تحمل كلفتها، إلى جانب التداعيات المحتملة في ظل حالة الانقسام، والتي بدت تأخذ الطابع المناطقي والجهوي وما يصاحبها من اصطفاف على هذا الأساس، فضلاً عن موقف العالم والإقليم إزاء هذه التطورات.”

“حكومة بورتسودان” استعادت قرارها بعمل دبلوماسي، مما يدفع الجيش إلى رفض التفاوض؛ لأن الضغط الدولي سيخف

 أكاديمي سوداني

“تجيب المعطيات الماثلة في المشهد السوداني، بأن الجيش سيمضي في طريق الحسم العسكري لقوات الدعم السريع خاصة وأنه يمتلك زمام المبادرة في ميدان القتال، وحقق تفوقاً كبيراً، إلى جانب تمكن الحكومة في بورتسودان من استعادة قرارها عبر عمل دبلوماسية، وغيرت المعادلة لصالحها في المحافل الدولية، مما يخفف الضغط الدولي بشأن التفاوض”، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين د. محمد المجذوب لـ(عاين).

مقاربة للمصالح

ولم تكن التحركات المكثفة للسعودية وفق المجذوب، بغرض إعادة الطرفين إلى التفاوض، وإنما في واقع الأمر تسعى المملكة من خلاله إلى إيجاد مسار جديد خالي من قوات الدعم السريع والقوى المدنية التي كانت تمثل تحالف قوى الحرية والتغيير سابقاً، فهي – السعودية – تهدف إلى مقاربة تتيح لها تحقيق مصالح استثمارية في السودان من بوابة إعادة الإعمار.

وقادت السعودية تحركات مكثفة في الإقليم بشأن الملف السوداني، كما زار نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي بورتسودان، أعقبتها زيارة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى السعودية بعد استعادته السيطرة على الخرطوم، وأجرى محادثات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أفضت إلى تشكيل مجلس تنسيق مشترك، دون أن يشير الطرفين إلى منبر جدة للتفاوض.

ويرى الأكاديمي د. محمد المجذوب أن المشهد الحالي تجاوز منبر جدة، وسيكون الجيش أكثر تمسكا بالحسم العسكري خاصة بعد التقدم الميداني الأخير وتحقيق التفاف شعبي، كما أن الحكومة السودانية امتلكت عدة أوراق ربما تسعى بعض الدول في الإقليم إلى استعادة التطبيع معها، لا سيما إثيوبيا خشية توجه السودان كليا نحو إرتيريا، وبدأت مؤشرات تواصل مع تشاد.

وكان الجيش السوداني يخطط لتشكيل حكومة كفاءات بعد إدخال تعديلات واسعة على الوثيقة الدستورية، كما شرعت قوات الدعم السريع بالتحالف مع قوى مدنية وحركات مسلحة في ترتيبات إعلان حكومة موازية في مناطق سيطرته، لكن كلا الطرفين تباطأ في إعلان حكومته، مما أعطى مؤشراً لتدخلات عرقلت هذه التحركات في سياق مسعى الحل السلمي.

ويرى د. محمد المجذوب أن تأخير إعلان حكومة الجيش مع احتمالية وجود ضغط دولي، فإنه من المرجح أتى في سياق تقديرات لتفادي ردة فعل قوات الدعم السريع وتشكيل حكومة موازية سريعاً، وذلك بغرض كسب الوقت وإعطاء مساحة للحسم العسكري وتضييق نطاق سيطرة الدعم، وساعتها ستكون أي سلطة يعلنها بلا قيمة، حيث إن مشروع الإمارات أكبر داعمي الدعم السريع فشل في السودان، وهي تركز حاليا في تجنب الإدانة في المحكمة الدولية.”

سيكون الجيش أكثر تمسكاً بخيار الحسم العسكري، لكن الكلفة سترتفع عن السابق، خاصة في ظل التباينات وسط حلفائه الحاليين، مما يرجح فرضية المواجهة بينهما

 محلل سياسي

وسيكون الجيش أكثر تمسكاَ من أي وقت مضى بالحسم العسكري في إطار مسعاه لتشكيل المشهد السوداني على طريقته، لكن التكلفة ستكون عالية أكثر من السابق بحسب المحلل السياسي صلاح حسن جمعة، الذي يرى أن سيناريو المواجهة من الداخل بين حلف الجيش الحالي سيكون الأخطر عليه من قوات الدعم السريع التي بدورها شكلت تحالفا قويا.

ويقول جمعة في مقابلة مع (عاين) إن الأطراف المتحالفة مع الجيش خاصة الإسلاميين سيعملون على استعادة نفوذهم والانفراد بالحكم، فهم لا يثقون مطلقاً في قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الذي يجد سنداً من بعض الدول في الإقليم تكن العداء لمشروع الإسلام السياسي، وستدعمه لأن يكون حاكماً للبلاد، ويقابل ذلك طموحه الشخصي في الرئاسة، ومن هنا تأتي المواجهة.

ويرى أن إيجاد مقاربة تجمع القوى الفاعلة في الساحة السودانية سيجنب البلاد مآلات أكثر خطورة، فالتسوية السياسية ربما تشكل طوق نجاة للجميع، خاصة معسكر الجيش وهو حلف ملئ بالتناقضات بين أطرافه الذين جمعتهم مصلحة، فليس هناك مشتركات بين جماعات مسلحة ذات توجه أيدولوجي (الإسلاميين)، وأخرى تقاتل بهدف السلطة والمال (القوة المشتركة، ودرع السودان)، وقائد جيش هدفه تثبيت حكمه للبلاد.

فرص منعدمة

غير أن الصحفي والمحلل السياسي أبو ذر علي الأمين الذي تحدث لـ(عاين) يعتقد أن قائد عبد الفتاح البرهان سيسعى إلى إيجاد صيغة للتعايش مع الإسلاميين لن يفكر في الانقلاب عليهم؛ لأنهم أصبحوا رقماً يصعب تجاوزه في الوقت الراهن، حيث كان لديه فرصة التخلص من الإسلاميين فور تسلمه السلطة في العام 2019م عندما كان تحت رهان قوى الحرية والتغيير، لكنه أضاعها ولن تعود إليه.

فرص التفاوض تكاد تكون منعدمة، لأن الجيش حقق انتصارا عسكريا واستخباراتيا على قوات الدعم السريع، ستغريه على الحسم العسكري

محلل سياسي

فرص التفاوض بالنسبة إلى الأمين، تكاد تكون منعدمة في الوقت الراهن، فلم يكن ما حدث في الخرطوم مجرد انتصار عسكري للجيش، لكنه شكل ضربة استخباراتية واختراق معلوماتي كفيل بكتابة نهاية خصمه قوات الدعم السريع، إذ تحدثت تقارير عن تسرب معلومات للجيش بواسطة منسوبين للدعم السريع، عن مكتب التحكم والسيطرة لكل القوات في الخرطوم، مما أدى إلى مقتل وإصابة قادة مهمين.

ويشير الأمين، إلى أنه وفق تقديرات الجيش، فإن قوات الدعم السريع انتهت، وخروجها من الخرطوم كان نتيجة عمل عسكري واستخباراتي، وما يعزز ذلك أن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي كان يؤكد حتى اللحظات الأخيرة أن قواته لن تخرج من القصر الجمهوري والخرطوم، لذلك من المستبعد التوجه نحو التفاوض.

جنود من الجيش السوداني امام القصر الجمهوري وسط الخرطوم- الجمعة - الصورة مواقع التواصل الاجتماعي

وكانت السيطرة السريعة للجيش على الخرطوم واحدة من أقوى مؤشرات دخول الطرفين في مفاوضات مباشرة للسلام، في ظل ما تردد بشأن تفاهمات قضت بانسحاب قوات الدعم السريع، قبل أن يأتي قائدها محمد حمدان حميدتي ويؤكد عدم وجود أي اتفاق مع الجيش، وأن انسحابهم كان بغرض إعادة التموضع والعودة مجدداً.

وتشير شواهد باحتدام معارك ضارية في منطقة القصر الرئاسي ووسط الخرطوم، حيث أحصى شاهد من (عاين) أكثر من 60 جثة لمسلحين من قوات الدعم السريع في مكان واحد بشارع الجمهورية وسط العاصمة، مع تناثر للجثامين في المنطقة، بينما لا توجد آثار لاشتباكات كبيرة في شرق وجنوب مدينة الخرطوم.

ويرى السياسي السوداني طارق محجوب، أن الجيش حقق انتصارا حقيقياً على قوات الدعم السريع رغم محاولات التقليل منه، فهناك شواهد ووثائق، قتلى وأسرى، واستنادا إلى ذلك فإنه لن يذهب إلى أي تفاوض إلا على الاستسلام، ومن ثم إحالة العملية إلى القوى السودانية لإطلاق حوار سوداني سوداني في داخل البلاد بلا وسيط.

وفيما يتعلق بتعقيدات الواقع داخل معسكر الجيش الحالي، يقول محجوب لـ(عاين) إن “قائد الجيش عبد الفتاح البرهان من الصعب التكهن بترتيباته، وأهدافه، ومنطلقاته مع تقاطعات وارتباطاته وتخصصه في التمويه والخداع، كما أن الإسلاميين ليس كتلة واحدة، فالتيار الإسلامي من غير المؤتمر الوطني هم أقرب إلى البرنامج الوطني مع غالب القوى السياسية”.

3ayin.com