الفاشر مدينة تحت القصف.. لمن الغلبة في نهاية المطاف

عاين- 9 أبريل 2025
في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، يتحرك المواطنون بحذر بين شوارع الأحياء السكنية نتيجة خطر الرصاص الطائش والقذائف الصاروخية إزاء الهجمات المستمرة من قبل قوات الدعم السريع منذ منتصف مايو 2024.
تحولت الحياة في المدينة إلى حالة من الخراب جراء عمليات التدمير التي طالت المستشفيات خاصة التي وصل إليها عناصر الدعم السريع بينما على الطرف الآخر جنوب وغرب المدينة الخاضعة لسيطرة الجيش والقوات المشتركة اختفت مظاهر الحياة المدنية الاعتيادية وحل محلها مظاهر تسليح غالبية الشبان ودفعهم إلى خطوط القتال.
وتقول معزة عثمان العاملة بمجال الإغاثة لـ(عاين):” في الفاشر يموت الأطفال وعائلاتهم تعدهم بوصول الطعام كنوع من زرع الأمل رغم اليأس من ذلك”.
وترى عثمان، أن الحل المطلوب في الفاشر إنهاء حصار المدينة والضغط على قوات الدعم السريع وتفويض الأمم المتحدة بإدخال الغذاء والمؤن والأدوية.
وتضيف عثمان قائلة: “الأمم المتحدة تلعب دورا سلبيا في أزمة الفاشر وهي تقع تحت طائلة تهديدات الحكومة القائمة في بورتسودان لأنها تعمل من هناك وتخشى من الطرد من قبل التيار المتطرف داخل الجيش”.
التكيف مع الجوع
وتقول معزة عثمان، إن حوالي مليون شخص أغلبهم من النساء والأطفال يواجهون الجوع في شمال دارفور 70% منهم يقيمون في الفاشر بين خطوط النيران والمعارك الحربية وعدم حماية حقيقية من الطرفين المتقاتلين.
وتضيف عاملة الإغاثة: “الطرفان يديران الحرب في الفاشر وفق توازن الضعف كلاهما لا يستطيع القضاء على الآخر… القلق البائن الذي أظهره حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي حليف الجيش وقائد القوات المشتركة يعود إلى شعوره باقتراب مرحلة انهيار الوضع في الفاشر مع مغادرة آلاف المدنيين صوب مناطق مجاورة”.
وشهدت الفاشر طوال الشهور الماضية نزوح قرابة نصف مليون شخص إلى المحليات المجاورة ورغم الأمان النسبي الذي حصل عليه النازحون لا يزال الحرمان من الغذاء والدواء والرعاية الصحية يلاحقهم.
وخلال اليومين الماضيين، لاقت دعوة قوات حماية المدنيين بدافور المكونة من قوات حليفة مع الدعم السريع، السكان في الفاشر لمغادرة المدينة استجابة واسعة، ونقلت مصادر لـ(عاين)، ان حوالي 2500 مدني تم اجلائهم من المدينة خلال ثلاث عمليا إجلاء نفذتها قوات حماية المدنيين.
دعوات إجلاء المدنيين من الفاشر سيما من مخيمات زمزم وأبوشوك وجدت استجابة من آلاف النازحين الذين غادروا الفاشر على متن الدواب والعربات التقليدية “الكارو” إلى محلية طويلة الخاضعة لسيطرة حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور وفق نازح تحدث لـ(عاين).
وكان قائدي حركة تحرير السودان “المجلس الانتقالي” وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة الهادي إدريس والطاهر حجر أعلنا استعداد قواتهما لتوفير ممرات آمنة من الفاشر إلى منطقة “الكورما” شمال غرب المدينة.
وقال رئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر على منصة “إكس” إن المخيمات في الفاشر تحولت إلى مقابر جماعية بسبب ارتفاع عدد ضحايا القصف المدفعي والجوع والمتاجرة بمعاناة المدنيين.
بينما قال نازح من مخيم أبو شوك بالفاشر لـ(عاين) مشترطا عدم نشر اسمه إن النازحين يرغبون في مغادرة المخيمات هربا من الجوع والمعارك بينما القوات المشتركة ترفض بشكل قاطع خروج المواطنين.
وتابع قائلا: “لا شيء يجبر الناس على البقاء في المخيمات مع ارتفاع برميل مياه الشرب إلى ستة آلاف جنيه (ما يعادل دولارين) ومئات العائلات تغادر المخيمات منذ الجمعة”.
فيما أكد المتحدث باسم منسقية النازحين واللاجئين في اقليم دارفور آدم رجال لـ(عاين) استمرار النزوح من الفاشر. وقال إن “محلية طويلة استقبلت 70 عائلة من النازحين الأيام الماضية”.
إنهاء الحصار قريبا.. لا يمكن
ويرى الباحث في شؤون إقليم دارفور محمود آدم داؤود، أن فك حصار الفاشر مرهون بعمليات عسكرية يقودها الجيش مع حلفائه بحماية الخطوط الخلفية ومناطق دخول الإمداد عدا ذلك لا يمكن دفع آلاف المشاة إلى المدينة التي تشكل عمقا تاريخيا يعود إلى 600 عام مدعومة بالطيران والمدافع لإنهاء الحصار.
وتابع: “طالما ظل خط الإمداد من دولة ليبيا بالنسبة لقوات حميدتي متاحا لا يمكن إنهاء حصار الفاشر لذلك استراتيجية الجيش السوداني طابعها بيروقراطي يخطط للمدى البعيد دون تعجل”.
وأضاف في مقابلة مع (عاين): “الجيش يتقدم من غرب أم درمان إلى طريق الصادرات ليصل إلى أم روابة ليلتحق بالفرقة 16 مشاة ومن شمال كردفان سيتوغل عبر الطريق البري إلى الفاشر وهذه النقطة أهميتها وضع قوات دقلو أمام ترسانة عسكرية لا يمكن القضاء عليها”.
وحول التكهنات عن إصرار قوات الدعم السريع للاستيلاء على الفاشر لتكوين حكومة موازية في الإقليم يعتقد محمود آدم داؤود، أن مدن الضعين وحتى الجنينة مرورا بنيالا وزالنجي تقع تحت سيطرة قوات حميدتي ومع ذلك لم تتمكن من تأسيس حكومة رغم أن هذه المدن جغرافيا متصلة على خط واحد بينما تقع الفاشر أقصى شمال الإقليم.
مواطنو الفاشر دروع بشرية
أما عن مصير مدينة الفاشر يوضح رئيس حركة جيش تحرير السودان “المجلس الانتقالي” الهادي إدريس أن الاهتمام بالنسبة له متعلق بحماية المدنيين لا المكان.
ويستبعد الهادي إدريس في حديث لـ(عاين)، تقسيم البلاد حسب مجريات الصراع المسلح متهما السلطة القائمة في بورتسودان بالسعي إلى تقسيم السودان بقرارات العملة والتعليم وحرمان المواطنين من الأوراق الثبوتية.
إذا غادر المدنيون لن يصمد الجيش والمشتركة في الفاشر
الهادي إدريس
ويضيف قائلا: “الجيش والقوات المشتركة تستخدم المدنيين في الفاشر كدروع بشرية ولن يستطيعوا السيطرة على الفاشر بعد مغادرة المواطنين”.
وتستمر المعارك لنحو عشرة أشهر متواصلة في الفاشر منذ منتصف مايو 2024 عندما هاجم الآلاف من مقاتلي الدعم السريع المدينة بشكل مكثف لأول مرة منذ اندلاع القتال في السودان كانت الفاشر إحدى مدن دارفور الآمنة نسبيا والواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني.
وتحولت أحياء واقعة شرق المدينة إلى ثكنات عسكرية تستخدمها قوات الدعم السريع للتحرك إلى الأحياء السكنية المجاورة ومقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني وسط الفاشر فيما وقع السوق الرئيسي ضمن دائرة القتال وأصبح غير نشطا طوال الوقت خاصة مع تهديد المسيرات الحديثة التي تديرها قوات حميدتي من مدينة نيالا وتحلق إلى الفاشر.
حماية الشمالية تبدأ من الفاشر
ويرى المحلل في النزاع المسلح بإقليم دارفور محمد حسين آدم أن حماية المدن الواقعة على النيل شمال البلاد تعتمد على حماية الفاشر وعقب تهديدات قائد ثاني عبد الرحيم دقلو مطلع هذا الشهر بالهجوم على ولايتي نهر النيل والشمالية هناك قناعة لدى غرفة العمليات داخل الجيش السوداني بضرورة التوغل إلى اقليم دارفور وإنهاء وجود قوات الدعم السريع.
وتابع: “تأخير فك حصار الفاشر يعود إلى وجود تدفق للمقاتلين من ليبيا ومع اتفاق قائد الجيش السوداني والرئيس التشادي في جدة نهاية الشهر الماضي على تأمين الحدود تبقت أمام القوات المسلحة ليبيا وهناك عمليات مرتقبة كفيلة بوضع حد لتدفق العتاد والمقاتلين من هذا البلد”.
ويشير المحلل في شؤون النزاعات المسلحة محمد حسين آدم في مقابلة ممع (عاين)، إلى أن قوات الدعم السريع جلبت 2000 مقاتل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى للهجوم على الفاشر وتعد هذه العملية آخر الأوراق التي بحوزة الجنرال عبد الرحيم دقلو الذي ظهر في قرية صغير غربي نيالا مطلع أبريل الحالي وهو يعتمر العمامة ويرتدي الزي العسكري مخاطبا هذه القوات.
ويضيف آدم: “الجيش السوداني لا يريد خوض معارك قبل ضمان إغلاق الإمداد أمام قوات دقلو وإنهاء حصار الفاشر لا يتحقق من داخل المدينة بل بوقف تدفق المقاتلين وعتاد قوات حميدتي من ليبيا وتشاد”.
ويقول محمد حسين آدم المتخصص في مراقبة النزاعات المسلحة بإقليم دارفور: “إن الجنرال الثاني في الدعم السريع عبد الرحيم دقلو مصمم على وضع مدينة الفاشر تحت سيطرة قواته ويخطط لعملية كبرى خلال الفترة القادمة إذا لم فشل فيها قد لا يتمكن من تكرار المحاولة قريبا ومع مرور الوقت سيتمكن الجيش من فك الحصار من خارج الفاشر وصولا إلى عمق المدينة”.
وتابع: “من ناحية عملية لا يمكن الاستيلاء على الفاشر عبر الهجوم التقليدي كما تفعل الدعم السريع منذ عشرة أشهر مستمرة لذلك الكفة تميل لصالح الجيش والمشتركة في تحديد مصير الفاشر”.
هزائم ساحقة
فيما يقول المتحدث باسم القوات المشتركة أحمد حسين مصطفى لـ(عاين): إن “قوات الدعم السريع تكبدت هزائم ساحقة في الفاشر وأغلب قياداتها الميدانية قتلوا على أسوار المدينة.. وحتى لو جلبت آلاف المقاتلين الذين يتم تجنيدهم قسريا لا خوف على الفاشر”.
ويرى حسين، أن دعوات إجلاء المدنيين من الفاشر صدرت من قادة المجلس الانتقالي وقوى تحرير السودان بقيادة الهادي إدريس والطاهر حجر لتغطية هزائم الدعم السريع في المدينة.
خضنا 200 معركة في الفاشر وقتلنا أغلب قيادات الدعم السريع
متحدث المشتركة
وأردف متحدث القوات المشتركة قائلا: “هزمنا الدعم السريع في أكثر من 200 معركة بشمال دارفور والفاشر والقوات المسلحة والمشتركة والمقاومة الشعبية ملتزمة بحماية الفاشر”.
وتابع المتحدث باسم القوات المشتركة أحمد حسين مصطفى: “ستكون الفاشر بخير وتكون البداية لاسترداد جميع مدن إقليم دارفور من قوات الدعم السريع حتى يكون السودان موحدا تحت سلطة الدولة”.
3ayin.com