الجوع في الخرطوم: تراجع الصراع واستمرار الوفيات

عاين- 11 أبريل 2025
رغم تراجع القصف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بعد استعادة الجيش للسيطرة، لا تزال الوفيات بين المدنيين، وخاصة الأطفال، مستمرة في العاصمة الخرطوم، بحسب ما أفاد به متطوعون محليون في مجال الإغاثة (عاين).
يقول محيي الدين*، وهو متطوع في مطبخ مجتمعي تنظمه غرف الاستجابة الطارئة التي يقودها الشباب في جنوب الخرطوم: “ربما توقف القصف في منطقتنا، لكن الناس لا يزالون جائعين. الأسواق لا تزال مغلقة، ونحن على وشك نفاد الإمدادات – احتمال الوفيات المرتبطة بالجوع، وليس بالرصاص فقط، أمر حقيقي للغاية”.
في الوقت الحالي، يعاني نحو 24.6 مليون شخص، أي ما يقارب نصف سكان السودان، من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفقًا لتصنيف مراحل الأمن الغذائي المتكامل (IPC)، مع 638 ألف شخص يعانون الجوع الكارثي – وهو أعلى رقم على مستوى العالم.
وتواجه خمس مناطق في السودان مجاعة بالفعل، مع وجود خمس مناطق أخرى في شمال دارفور مهددة بالانضمام قريبًا. ثلث الأطفال السودانيين يعانون سوء التغذية، والمناطق غير المستقرة، بما في ذلك العاصمة الكبرى – الخرطوم، أم درمان، وشمال الخرطوم – ليست استثناءً.
وأمس الجمعة، أطلقت خمس منظمات إنسانية دولية كبرى نداء لقادة العالم تجاوز الخطابات الكلامية واتخاذ إجراءات فورية وملموسة لإنهاء الصراع في السودان الذي يواجه نصف سكانه الجوع. وانتقد البيان المشترك لقادة المجلس الدنماركي للاجئين، ولجنة الإنقاذ الدولية، والمجلس النرويجي للاجئين، ومنظمة كير الدولية، ومنظمة ميرسي كوربس، بطء المجتمع الدولي في إنقاذ أرواح السودانيين. وقال البيان:” لقد أودى تأخر العالم في التحرك بحياة أعداد لا تُحصى بالفعل. هذا لا يُمكن أن يستمر”.
والخميس المنصرم، أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في السودان “أوتشا”، عن توقف 70% من أصل 1,400 مطبخ جماعي بسبب نقص التمويل. وقال مكتب “أوتشا”، في تحديث عن الوضع الإنساني، إن “أكثر من 70% من جملة 1,400 مطبخ جماعي في السودان توقف عن العمل بسبب نقص التمويل حتى في المناطق التي تواجه جوعًا شديدًا”.
الأطفال على حافة الهاوية
رناء*، متطوعة في مطبخ مجتمعي في شرق الخرطوم بمنطقة الجريف، أفادت (عاين) بأن أكثر من خمسة أطفال لقوا حتفهم في مارس وحده؛ بسبب سوء التغذية وعدم حصول أمهاتهم على ما يكفي من الطعام.
وأضافت: “هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى أبسط المكونات الغذائية للبقاء على قيد الحياة، وهم يستجيبون بسرعة. إذا تم توفير الحليب أو الغذاء المناسب، تتحسن حالتهم سريعًا. ومع ذلك، نقف عاجزين أمام هذه المأساة التي تتفاقم يومًا بعد يوم”.
وأكدت رنا أن الأزمة المتصاعدة في الخرطوم ومحيطها تتطلب تدخلًا فوريًا من المجتمعين المحلي والدولي لمعالجة التحديات المعقدة التي تسهم في هذه الكارثة الإنسانية.
غرف الطوارئ تعلن حالة المجاعة
في 7 مارس، أعلنت غرف الطوارئ في الخرطوم حالة المجاعة بعد وفاة طفل يُدعى عبده بسبب الجوع، بعد وصوله إلى مركز صحي في الجريف غرب. في ذات الأسبوع، فقد المركز أربعة أطفال آخرين.
وجاء في بيان للمركز: “ساعدونا، ولا تنسوا الدعاء لنا. ما زلنا نعمل جاهدين للإبقاء على مركزنا والمطابخ المجتمعية لتوفير الطعام الكافي، حتى لا نفقد المزيد من الناس، رغم شح الموارد، وتكرار الاعتقالات، والتهديدات المتزايدة ضد المتطوعين في الجريف غرب ومناطق أخرى”.
نهب إمدادات الغذاء
مع تصاعد معدلات الجوع والفقر في ولاية الخرطوم، ازدادت بشكل كبير حوادث السرقة من المستودعات والمطابخ المجتمعية. ذكر خالد*، وهو متطوع في غرف الاستجابة الطارئة، أن قوات الدعم السريع قامت مرارًا بنهب مستودعات الغذاء التابعة للمنظمات. وأضاف أن المواطنين، بسبب اليأس، قد يلجؤون إلى سرقة الدقيق والطعام لإطعام أطفالهم.
ويُعد هذا الأمر مقلقًا للغاية، خصوصًا في ظل أن منطقة جبل أولياء هي واحدة من 17 محلية معرضة لخطر المجاعة وفقًا لأحدث تحديث من تصنيف الأمن الغذائي (IPC). فقدان هذه الإمدادات يُعتبر كارثة لأكثر من 100,000 طفل يعانون سوء التغذية الحاد.
أدانت منظمة اليونيسف بشدة سرقة الإمدادات الإنسانية الأساسية المخصصة لإنقاذ حياة الأطفال وتوفير الرعاية الصحية للأمهات والمواليد الجدد في مستشفى البشير بجبل أولياء. وأفادت المنظمة أن عملية النهب شملت ما لا يقل عن 2,200 كرتونة من الأغذية العلاجية الجاهزة، مما عرض حياة أكثر من 2,000 طفل من المصابين بسوء التغذية الحاد للخطر.
وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل: “سرقة الإمدادات المنقذة للحياة والمخصصة للأطفال الذين يعانون سوء التغذية هو عمل شنيع وهجوم مباشر على فرص بقائهم على قيد الحياة”.
ولم تكن هذه الحادثة الأولى. ففي ديسمبر 2023، قامت قوات الدعم السريع بنهب مستودع برنامج الأغذية العالمي في ود مدني، وسرقت أكثر من 2,500 طن متري من الأغذية المنقذة للحياة، المخصصة لنحو 1.5 مليون شخص. وفي مايو، نهبت نفس القوات مقر البرنامج العالمي للغذاء في الخرطوم، وسرقت معدات وبيانات، مما عرقل جهود التنسيق الإغاثي.
القصف يستمر، والجوع يزداد
قوات الدعم السريع ليست الجهة الوحيدة التي تحرم المدنيين المنهكين من الطعام. فقد قصفت طائرات الجيش السوداني سوق الوحدة في منطقة شرق النيل بشمال الخرطوم، وهو السوق الوحيد الذي كان يزود آلاف السكان المحاصرين بالطعام.
قال السكان المحليون إنهم ظلوا في هذه المنطقة لأكثر من عامين، مما أدى إلى فقدان مئات المستودعات التي كانت تحتوي على إمدادات غذائية أساسية. وقد قُصف السوق بسبب تواجد قوات الدعم السريع فيه منذ بداية الحرب، لكن دون اعتبار للعدد الكبير من المدنيين المحاصرين هناك.
ويقول مصطفى الزين، تاجر في سوق الوحدة:”تحملنا عنف قوات الدعم السريع داخل السوق؛ لأنه كان المصدر الوحيد للطعام في المنطقة كلها. تمت مصادرة الإمدادات، وتم فرض رسوم باهظة، وكان بإمكانهم طردك من المحل الذي تحتفظ فيه بمخزونك. ومع القصف الجوي، خسرنا كل شيء. الآن السوق مهجور، والجوع ازداد سوءًا”.
تحت القصف والمطاردة
في بعض المناطق بأم درمان، أفادت قمر*، وهي متطوعة في مطابخ مجتمعية، (عاين) بأنهم واجهوا القصف أثناء محاولتهم إطعام المدنيين.
وقالت: “هذا الأسبوع فقط، في منطقة الثورة شمال أم درمان، فقدنا أكثر من تسعة أشخاص بسبب القصف”. كما أُصيب العشرات، مما زاد معاناة المواطنين الذين يصطفون يوميًا للحصول على وجبات من المطابخ الممولة من خلال حملات على وسائل التواصل الاجتماعي.
ورغم أن الجيش استعاد السيطرة على العاصمة، فإن غرف الطوارئ لا تزال تشعر بالقلق من انعدام الأمن والاستهداف المباشر.
وأضافت قمر: “لم نعد نعرف ماذا نفعل: هل نجمع تبرعات من أجل الطعام، أم العلاج، أم توفير الدواء والمستلزمات الجراحية؟”
أما محيي الدين، فقد أصبح التهديد يفوق طاقته، وقرر مغادرة جنوب الخرطوم. وقال: “الناس يحتاجون إلينا، وأشعر أن من واجبي البقاء – لكن لا يمكنني مساعدة أحد إذا تم اعتقالي أو قُتلت”.
*تم ذكر الأسماء الأولى فقط لأسباب أمنية.
3ayin.com