البرهان في حقل التناقضات.. إسرائيل وإيران بالخارج وإسلاميون بالداخل

عاين- 14 أبريل 2025
حقل من التناقضات في الداخل والخارج يسير عليه قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان منذ سنوات، وبلغ ذروته مع تطاول أمد الحرب في البلاد، ويتجلى ذلك في العلاقات الخارجية التي توجه بها نحو دولتي إيران وروسيا، في الوقت الذي يسعى فيه للتطبيع مع إسرائيل وحلفاءها الغربيين، ويقابل ذلك مشهد داخلي معقد يتصاعد فيه نفوذ الإسلاميين الذين لديهم موقف معلن ضد التواصل مع تل أبيب.
وبين الغرب والشرق، يتجول قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، بحثا عن شريك دولي وإقليمي يعينه على سداد الفاتورة العالية للحرب التي يخوضها مع قوات الدعم السريع ومساعدته بالسلاح والدعم اللوجستي، فلجأ إلى إيران وتركيا وروسيا، حيث أعاد العلاقات وتبادل السفراء مع طهران بعدما ظلت مقطوعة منذ العام 2016م، في خطوة أربكت المشهد الدولي والإقليمي.
توجهات البرهان الكلية بالعلاقات إلى المحور الإيراني، أغضبت إسرائيل التي كان قد بدأ معها مشوار التطبيع من بوابة الاتفاقية الإبراهيمية، وأبدت تل أبيب تذمرا واضحاً تجاه التقارب بين حكومة بورتسودان وطهران، وعلى ما يبدو أنها محاولة لإنقاذ الموقف أرسل قائد الجيش السوداني مبعوثه الشخصي، الفريق الصادق إسماعيل إلى تل أبيب هذا الشهر، وأبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي عدة رسائل من بينها رغبة البرهان في إكمال خطوات التطبيع بين البلدين والترتيب للتوقيع على اتفاقات أبراهام مقابل نيل الدعم الإسرائيلي للسودان في المرحلة القادمة.
وأوضح المبعوث الصادق بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، أن التقارب مع إيران الأخير، والذي أزعج الحكومة الإسرائيلية فرضته الضرورة على قائد الجيش في ظل العزلة والضغوط الإقليمية والدولية التي واجهت السودان منذ اندلاع الحرب والحاجة الماسة للدعم العسكري النوعي من أي جهة لتحقيق النصر المنشود في هذه الحرب، ووعد البرهان على لسان مبعوثه بإكمال أي التزامات أو شروط تضعها تل أبيب في سبيل إتمام الاتفاق في أقرب وقت ممكن.
وأثار تسريب زيارة مبعوث البرهان إلى إسرائيل غضب الإسلاميون أحد أكبر حلفاء الجيش السوداني في الداخل، وسارع وزير الإعلام في الحكومة التي تتخذ من بورتسودان مقر لها، خالد الأعيسر، بنفي تلك الزيارة، وقال في بيان مقتضب بثته الوكالة الرسمية (سونا) إن ما تداولته وسائل الإعلام بهذا الشأن لهو عار تماماً من الصحة، وإن الحكومة السودانية لم ترسل أي مبعوث إلى إسرائيل، ودعا وسائل الإعلام إلى تحري الدقة والموضوعية والمهنية، وتجنب نشر معلومات غير موثوقة”.
تأكيد إسرائيلي
ولم يمض طويلاً عن نفي الأعيسر، نشرت وسائل الإعلام إسرائيلية صورا لمبعوث البرهان الفريق الصادق إسماعيل، وهو يجري مشاورات مع مسؤولين في تل أبيب، وكشفت تفاصيل الزيارة التي هدفت إلى الحصول على دعم تسليحي ودبلوماسي، وللترويج له لدى الإدارة الأميركية الجديدة، والتقليل من المخاوف الإسرائيلية من تطور العلاقات بين الخرطوم وطهران، ومساعدة الجيش السوداني على تحقيق النصر على قوات الدعم السريع.
وشكلت واقعة زيارة المبعوث الرئاسي السوداني نقطة تحول كبيرة في مسار الاضطراب لدى الحكومة في بورتسودان، مع تصاعد التعقيدات الداخلية، وهو ما فرض تساؤلات عن كيفية إدارة قائد الجيش صاحب الطموح المتزايد في الاستمرار بالسلطة، لهذا المشهد والسيناريوهات المحتملة للمضي في سياسة اللعب على التناقضات التي يتبعها.
رهان قائد الجيش السوداني لإدارة علاقات خارجية متناقضة، وصل مرحلة عنق الزجاجة، وضاق هامش اللعب، ووقع في شر أعماله مع إسرائيل، وسيدفع الثمن
محلل سياسي
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي الجميل الفاضل، إن رهان قائد الجيش عبد الفتاح لإدارة علاقات متناقضة، وصل مرحلة عنق الزجاجة، وصار هامش اللعب على التناقضات ضيقاً للغاية، فقد نصحه كاميرون هدسون مؤخراً بأن يدرك نفسه قبل أن يُصَنَّف في محور إيران، بعدما تحول بعلاقاته إليها.
ويشير الفاضل في مقابلة مع (عاين) إلى أن البرهان لديه علاقات قديمة مع إسرائيل بدأت بلقائه بنجامين نتنياهو في عنتيبي الأوغندية قبل سنوات، ومضى خطوات في الاتفاق الإبراهيمي، فهو كان يريد تل أبيل كرافعة لأمريكا، ففكرته هي الاستمرار في السلطة، فقد كان يبيت النية للشركاء المدنيين، وأطاح بهم بالانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021م.
لكن الأمور لم تسر في صالح البرهان، فحلت تناقضات داخلية شكلت عقبة أمام طموحه في الانفراد بالسلطة وتعزيز حكم الفرد، ووقفت قوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان حميدتي أمام طموحه، وفق الجميل الفاضل.
ويقول الفاضل: “بعد اندلاع الحرب لم تستجب إسرائيل لطلب البرهان للدعم على حساب قوات الدعم السريع، لأنها تنظر إلى الطرفين كحليفين، بل هي ربما وجدت في القتال الحالي فرصة لتحقيق هدفها الاستراتيجي لفصل إقليم دارفور، وقد يكون دارفور وكردفان بعد تحالف الحركة الشعبية – شمال قيادة عبد العزيز الحلو، مع الدعم السريع”.
أدخل البرهان حلفاءه الإقليميين مثل مصر والسعودية في حرج، ولن يستطيعا تسويقه لإسرائيل مجدداً كحليف موثوق في المنطقة، بعد توجهه إلى إيران
صحفي سوداني
في المحيط الإقليمي يتحالف نظام الجيش السوداني مع مصر، والسعودية وهما ذات توجه غربي في العلاقات الدبلوماسية، ومنذ اندلاع الحرب أظهرت القاهرة سند كبيراً للقوات المسلحة في القتال ضد قوات الدعم السريع، وفي المحافل الدولية والإقليمية، فهي الآن تواجه حرج كبيراً، ولا تستطيع إقناع حليفها إسرائيل بالاستمرار في قبول البرهان كشريك موثوق في المنطقة، بعدما مضى بعيدا في التحالف مع روسيا وإيران، وهو ما قاله الصحفي والمحلل السياسي في السودان مجاهد عبد الله لـ(عاين).
وتبدو المعادلة صعبة أمام البرهان، وفق ما يراه مجاهد عبد الله، الذي قال إن قائد الجيش “لا يستطيع التراجع عن العلاقات مع إيران وروسيا؛ لأنها مرتبطة باتفاقيات عسكرية ملزمة، في حين لن ترضى به إسرائيل كشريك في المنطقة مما يضعف موقفه”.
وكشفت تقارير مؤخراً عن حصول الجيش السوداني على دعم إيراني بأسلحة نوعية، وطائرات مسيرة بيرقدار من تركيا، ساعدت على تقدمه العسكري الميداني في ولاية الجزيرة وسنار أواسط البلاد، والعاصمة الخرطوم.
ويتفق المحلل السياسي الجميل الفاضل، مع مجاهد عبد الله، حول صعوبة وضعية البرهان، وهو يسير في حقل من التعقيدات الداخلية والخارجية، ويقول “وصل قائد الجيش نقطة اللا عودة، واشتبكت عنده خطوط الكبانية، فلا يستطيع التخلص من الإسلاميين الذين ارتفع نفوذهم، الشيء الذي تترجمه جولاته الأخيرة بين الغرب والشرق، ولم يكن أمامه خيار غير تحديد موقف واضح بشأن العلاقات؛ لأن إسرائيل لا تعترف بمنطقة رمادية، إما معها أو ضدها، فهو يلعب بالنار الآن وسيدفع الثمن”.
ويرى الفاضل، أن البرهان “وقع في شر أعماله” مع إسرائيل التي لا تعرف الحدود وهي قادرة على استهداف أي شخص، وفي أي مكان في العالم، مثلما فعلت مع إسماعيل هنية، وحسن نصر، وضربت مصنع اليرموك بالخرطوم، وغيرها من الحوادث، فهي لا تكترث لقانون أو عرف دولي، وستنظر إلى قائد الجيش السوداني بوصفه خائنا.
ما يوجد في السودان أشبه بحكومة الحرب، تعطي أولوية في العلاقات الخارجية إلى ما يحقق مصالح عسكرية، والحصول على الدعم اللوجستي بهدف الانتصار
أكاديمي
لكن أستاذ الدراسات الدبلوماسية في السودان، عبد الرحمن أبو خريس لديه وجهة نظر مختلفة عن التحليلات السابقة، فهو يرى أن الاضطراب الحالي في العلاقات الخارجية لبلاده لم يأت من فراغ، بل نتاج لاضطراب الوضع الداخلي، فالسودان يشهد مرحلة حرب فتاكة، وحكومة البرهان بحاجة إلى الدعم، مما يجعلها تتنقل بين الدول لتلبية تلك الحاجة، فصارت البلاد في حالة لهث للدعم والسند الدولي والإقليمي”.
وشدد أبو خريس في مقابلة مع (عاين) أن هذه الوضعية جعلت حكومة السودان غير قادرة على مقاطعة إسرائيل، أو وقف الدعم الإيراني الروسي، لأنها تحتاج في هذه اللحظات إلى ذخائر وسند دبلوماسي في أروقة الأمم المتحدة، فلا يمكن أن تحصر نفسها في محور محدد في العلاقات، لأن إدارة الحرب وتكلفتها تقتضي ذلك.
ويقول: “ما يوجد في السودان حاليا أشبه بحكومة الحرب، وهذا النوع من الحكومات يضع في استراتيجية علاقاته الخارجية أولوية دعم المجهود الحربي، مما يتطلب التواصل مع الدول التي تمد بالسلاح والدعم العسكري، بما يمكنها من الانتصار، وهذا وضع طبيعي، ولا غبار عليه، فبعد توقف القتال يمكن بدء علاقات متوازنة كذلك لإعادة الإعمار وجذب الاستثمار”.
ويشير أبو خريس، إلى أن مستوى نجاح هذه الاستراتيجية في العلاقات الخارجية للحكومة يقاس بالانتصارات التي حققتها القوات المسلحة على الأرض، فلولا هذه السيولة والانفتاح العام على المجتمع الدولي، لما تقدم الجيش، ويضيف: “في تقديري ليست هناك تناقضات، لكن ظروفاً فرضتها الأوضاع العسكرية ذات الأولوية القصوى، فالأمن مقدم على كل الأبعاد الأخرى سواء اقتصادية أو سياسية، حيث إن كل التوجه ينصب في درء المهددات؛ مما يتطلب انفتاحاً شاملاً على العالم”.
طريق مليئة بالأشواك سلكه قائد الجيش السوداني، ووصل محطة يصعب فيها التراجع إلى المربع الأول، وهي خطوات ربما اقتضتها رغبة البرهان في تحقيق انتصار عسكري في الحرب الحالية مع قوات الدعم السريع بأي ثمن، ورغم التقدم العسكري الميداني، إلا أن كسب رضاء الحلف الإسرائيلي سيكون عملية مكلفة، وفق ما يراه المحلل السياسي صلاح حسن جمعة.
ويقول جمعة في مقابلة مع (عاين) إن السودان سيكون الخاسر الأكبر من التحركات التي تقودها الحكومة في بورتسودان، لأن الملف الخارجي يؤثر في الوضع الداخلي بارتفاع وتيرة الاضطرابات، وستمضي البلاد نحو التفكك والتقسيم.
3ayin.com