انتخابات بظلام الحرب .. أي مستقبل للحركة النقابية في السودان

عاين- 16 أبريل 2025
أثار قرار صدر من مسجل تنظيمات العمل التابعة لوزارة العدل السودانية يقضي بإجراء انتخابات لنقابات العمال خلال أسبوعين، جدل واسع وسط المهتمين بالحركة النقابية والعمالية في البلاد، وسط اتهامات للحكومة التي يقودها الجيش من بورتسودان بالسعي إلى تعزيز عودة الواقع النقابي إلى ما كان عليه في زمن حكم حزب المؤتمر الوطني، قبل ثورة ديسمبر.
ووجه مسجل تنظيمات العمل من مقر إقامته في بورتسودان خلال قراره الصادرة في السادس من شهر أبريل الجاري، ببدء إجراءات لمراجعة وتوفيق أوضاع المكاتب التنفيذية للنقابات العمالية، على أن تُجْرَى انتخابات لها خلال أسبوعين من صدور هذا القرار، رغم دمار غالبية المؤسسات وتشرد العمال جراء الحرب، مما أثار بعض القانونيين للتشكيك في شرعية وقانونية هذه التوجيهات الحكومية.
ومنذ سيطرته على الحكم في 1989م يتبع نظام المؤتمر الوطني المعزول، ما يعرف بنظام نقابة المنشأة، أي أن تكون النقابة للعاملين في أي مؤسسة على حدا، مع إنشاء اتحادات مهنية موالية له، وعزز ذلك في كل قوانين النقابات وآخرها قانون العام 2010، وذلك لتحجيم الحركة النقابية.
وبعد نجاح ثورة ديسمبر في الإطاحة بنظام المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس المخلوع عمر البشير، وتشكيل أجهزة الفترة الانتقالية، أصدرت لجنة إزالة التمكين في العام 2019 قراراً بحل النقابات وحجز العقارات المسجلة والآليات والسيارات ووسائل النقل المسجلة باسم النقابات والاتحادات المهنية واتحاد أصحاب العمل، وشكلت لجاناً نقابية تسييرية إلى حين صدور القانون الجديد للنقابات وإجراء انتخاباتها.
وكانت قوى الثورة تخطط إلى سن قانون جديد يقر نقابة المهنة، بمعنى أن يكون لكل قطاع مهني، أطباء، صحفيين، مهندسون وغيرهم من المهن نقابة خاصة بهم، وتحقيق حرية الحركة النقابية، وهو النظام الذي كان سائداً في البلاد، قبل أن يأتي نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، واستبدله بنقابة المنشأة.
صبغة سياسية
وظل قرار التجميد سارياً حتى انقلاب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021، الذي جمد ضمن إجراءاته عمل لجنة إزالة التمكين وحل اللجان التسيير التي شكلتها اللجنة.
وفي مطلع نوفمبر من عام 2022م، صدر قرار المحكمة العليا بإعادة كل النقابات والاتحادات المهنية واتحاد العمال إلى ما كانت عليه قبل سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، مما مهد لعودة النقابات إلى حالتها السابقة، واستمر هذا الوضع حتى اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل من العام 2023م.
قرار مسجل التنظيمات الأخير ذو صبغة سياسية، ويسعى إلى إعادة الوضع النقابي في زمن حكم المؤتمر الوطني، وذلك بمساعدة السلطة الانقلابية
خبير قانوني
وتعليقاً على قرار مسجل عام التنظيمات الأخير، قال عضو نقابة المحاميين السودانيين، حاتم خورشيد لـ(عاين): إن “توجهات مسجل التنظيمات الأخيرة، تحمل صبغة سياسية أكثر من كونها لصالح النقابات، وهو محاولة لإعادة الأمور إلى ما قبل ثورة ديسمبر، واستغلال الحرب لإعادة ما أسماه بنقابة المنشأة بمعاونة السلطة الانقلابية”.
وأكد دور الحركة النقابية الحرة في التغيير، مشيراً إلى محاولات سابقة لحل وتجميد النقابات بعد انقلاب أكتوبر 2021، بما في ذلك المرسوم الدستوري رقم واحد لسنة 2023 الذي أمر بتعيين لجان تسيير خلال سبعة أيام.
وأوضح خورشيد، أن مسجل عام التنظيمات خالف المرسوم بتوجيهه الأخير الذي اعتمد على انتهاء الدورات الانتخابية، وهو ما يناقض تجميد النشاط ابتداءً، معتبرًا أن مخاطبة المكاتب التنفيذية المنعدمة الصفة، ومنحها صلاحيات تنقيح سجلها أمر غير قانوني. كما انتقد منح المسجل نفسه الحق في تشكيل اللجان التمهيدية، وهو حق أصيل للتنظيمات.
مجافاة القوانين
وخلص خورشيد، إلى أن كل الإجراءات منذ أكتوبر 2021 تعد مخالفة لمبادئ وقيم وحقوق الحريات العمالية التي أرستها منظمة العمل الدولية، خاصة اتفاقيتي حرية التنظيم وحماية حق التنظيم رقم 87 والحق في التنظيم والمفاوضة الجماعية رقم 98، اللتين تنصان على حق العمال وأصحاب العمل في إنشاء منظمات والانضمام إليها دون إذن مسبق واستقلالية النقابات عن تدخل السلطات.
واعتبر أن تحركات مسجل التنظيمات تجافي القوانين الدولية والداخلية، وتمثل تدخلًا سافرا في شأن الحركة النقابية، محذرا من أنه يهدف إلى عودة ما وصفه بنقابة المنشأة التي ابتدعها النظام السابق.
ولكن خورشيد، يرى أن هذه التوجهات غير قابلة للتطبيق في ظل الحرب ونزوح غالبية السكان وانهيار المرافق الحكومية، معتبرًا أن الهدف منها هو إثبات عودة أزلام النظام السابق-حسب وصف-، داعيًا التنظيمات العمالية والمهنية إلى عدم الانصياع لهذه القرارات ومناهضتها والعمل على وحدة العمل النقابي لاستعادة المسار المدني الديمقراطي والحريات النقابية.
قرار معيب
ومضت قطاعات مهنية مثل الصحفيين في تشكيل نقابة خاصة بهم استنادا إلى حق التنظيم النقابي الذي أقرته العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية، بلا اكتراث لقرارات الحكومة التي يقودها الجيش، كما شكل الأطباء لجنة تمهيدية لقيام النقابة، لكن اندلعت الحرب، وعطلت جهود استعادة النقابات المهنية لكل القطاعات.
قرار مسجل التنظيمات معيب ومتناقضا قانوناً، ولن يحق أهدافه نتيجة لرفض العمال له
خبير نقابي
من جهته، يرى الخبير النقابي محجوب كناري أن قرار المسجل الأخير وتوجيهه للنقابات معيب، ويحمل أبعادًا قانونية متناقضة مع قواعد العمل النقابي المهني. فبالنظر إلى قانوني 2010 و2020، نجد أنهما يحددان الدورة النقابية التي انتهت تقريبًا في 2020، مما يثير التساؤل عن توقيت هذا القرار بعد صمت دام خمس سنوات.
ويقول كناري في مقابلة مع (عاين): “قانونيًا، تنص الاتفاقية رقم 87 لحريات التنظيم النقابي، التي وقع عليها السودان، على حرية التنظيم النقابي بشكل واضح، والنقابات هي من تحدد دوراتها وفقًا لأنظمتها الداخلية، مما يجعل توجيه المسجل معيبًا من الأساس القانوني”.
ويشير إلى أن المسجل يهدف بقراره إلحاق النقابات السودانية بمنظمة العمل، فإنه أمر غير ممكن التحقق لرفض العمال والنقابيين لهذا الاتحاد الذي لم ينتخبوه، وستمضي هذا الإجراءات في تشكيل نقابات مستعجلة، مثلما كان يحدث في عهد النظام السابق.
3ayin.com