خبر ⁄سياسي

قفزات متتالية في تحويلات المصريين بالخارج... ما الأسباب

قفزات متتالية في تحويلات المصريين بالخارج... ما الأسباب

واصلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج تسجيل «قفزات قياسية متتالية»، وغير مسبوقة، بحسب بيانات حكومية رسمية، في حين يرى خبراء أن الأسباب تتمثل «في تحرير سعر الصرف وتقديم حوافز ومبادرات ساهمت في جذب المزيد من التحويلات».

وأعلن البنك المركزي المصري في بيان، الأربعاء، أنه «للشهر الحادي عشر على التوالي استمرت تحويلات المصريين العاملين بالخارج في تحقيق قفزات متتالية عقب الإجراءات الإصلاحية في مارس (آذار) 2024، حيث ارتفعت خلال يناير (كانون الثاني) 2025 بمعدل 83.2 في المائة لتصل إلى نحو 2.9 مليار دولار، مقابل نحو 1.6 مليار دولار خلال يناير 2024، وهي تدفقات لم تحدث من قبل خلال شهر يناير من كل عام»، بحسب البيان. (الدولار الأميركي يساوي 51 جنيهاً في البنوك المصرية).

وأضاف بيان «المركزي» أن «التحويلات خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة المالية 2024 - 2025 (الفترة من يوليو/تموز حتى يناير) شهدت ارتفاعاً بمعدل 81.0 في المائة لتصل إلى نحو 20.0 مليار دولار مقابل نحو 11.0 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام المالي السابق».

الأكاديمي الاقتصادي المصري، الدكتور كريم العمدة، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الاقتصاد المصري مرَّ بفترة صعبة كانت ذروتها في عامي 2022 و2023 بسبب غياب الرؤية والضبابية نتيجة تأخر الحكومة في علاج المشكلات، خصوصاً مشكلة الدولار ووجود سعر صرف مرتفع جداً للدولار في السوق السوداء عن سعره بالبنوك؛ ما كان يعوق عجلة الاقتصاد بالكامل، سواء بالنسبة للتجارة أو الصناعة أو الاستثمارات».

وأضاف: «من أهم الموارد التي تضررت تحويلات المصريين بالخارج التي توقفت لعدم رغبتهم في الخسارة من خلال التحويل بسعر منخفض في البنوك بينما السعر مضاعف في السوق السوداء».

وكانت أكبر نسبة تراجع لتحويلات المصريين العاملين بالخارج في الفترة بين يوليو 2022 إلى مارس 2023، حيث تراجعت بنسبة اقتربت من 30 في المائة، بحسب بيانات البنك المركزي المصري، و«عانت البلاد وقتها شحاً كبيراً في العملة الصعبة»، بحسب مراقبين.

العمدة أوضح أنه «بعد تحرير سعر الصرف في البنوك وأصبح خاضعاً للعرض والطلب وتضاعف السعر الرسمي تقريباً بالتوازي مع القضاء على السوق السوداء، فإن ذلك دفع المصريين في الخارج الذين أحجموا عن التحويلات من قبل إلى إرسال أموالهم عبر البنوك للاستفادة من السعر الرسمي المرتفع»، متوقعاً أن «تصل تحويلات المصريين بالخارج في نهاية العام المالي الحالي، شهر يونيو (حزيران) المقبل إلى نحو 36 مليار دولار».

مقر البنك المركزي المصري بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تجدر الإشارة إلى أن مصر عانت أزمة كبيرة بشأن ازدواج سعر الصرف، حيث كان السعر الرسمي للدولار نحو 30 جنيهاً، بينما وصل في السوق الموازية إلى 70 جنيهاً؛ ما دفع «المركزي» إلى تحرير سعر الصرف في مارس 2024. ومن وقتها أصبح السعر الرسمي للدولار نحو 50 جنيهاً، يزيد أو يقل بحسب العرض والطلب، كما تم القضاء على السوق الموازية.

لكن العمدة شدد على أنه «مع أهمية تحويلات المصريين في الخارج بصفتها مورداً للعملة الصعبة بالبلاد، فإنه لا يجب التعويل عليها بصفتها إنجازاً للحكومة؛ بل هو إنجاز للعاملين في الخارج، بينما إنجازات الدولة تتمثل في نهضة الصناعة والزراعة وزيادة الصادرات».

ويتفق أستاذ الاقتصاد الدولي، عضو «الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع»، علي الإدريسي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» على أن «الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة المصرية، كانت أهم الأسباب، وعلى رأسها تبني نظام سعر صرف مرن، وذلك جزء من اتفاقية مع صندوق النقد الدولي؛ ما عزز الثقة في الاقتصاد المصري».

واتفقت الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي في مارس 2024 على قرض ميسَّر لمصر بقيمة 8 مليارات دولار على دفعات تنتهي في 2026، مقابل الالتزام ببعض الشروط الخاصة بمرونة أكثر في سعر صرف الجنيه، ورفع الدعم عن الكهرباء والمحروقات، والتوسع في دور القطاع الخاص داخل الأنشطة الاقتصادية في البلاد، وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي للفئات الأكثر احتياجاً، وخفض الدين العام وخفض الأموال الممنوحة للدعم مع توجيهه إلى الفئات الأكثر استحقاقاً.

ويرى الإدريسي أن من أسباب زيادة تحويلات المصريين في الخارج أيضاً «رفع معدلات الفائدة على الودائع بالجنيه المصري والدولار الأميركي؛ ما شجع المصريين بالخارج على تحويل أموالهم للاستفادة من العوائد المرتفعة»، منوهاً بأن أحد الأسباب كذلك «زيادة عدد المصريين بالخارج مما عزَّز حجم التحويلات الواردة».

أوراق نقدية من فئة الجنيه المصري والدولار الأميركي (أ.ف.ب)

وبحسب آخر الإحصاءات الرسمية المصرية، يُقدر عدد المصريين العاملين بالخارج بنحو 14 مليون شخص، يعمل معظمهم في دول الخليج العربي، حيث تأتي المملكة العربية السعودية في صدارة وجهات العاملين المصريين، ويعمل بها نحو 2.5 مليون مصري، تليها الإمارات والكويت، ويعمل بكل منهما نحو 600 ألف مصري.

كما يرى الإدريسي أن هناك «حوافز قدمتها الحكومة المصرية للمصريين بالخارج، مثل إعفاءات جمركية على السيارات المستوردة مقابل وديعة بالدولار، وشهادات ادخار بعوائد مرتفعة؛ ما شجع على زيادة التحويلات عبر القنوات الرسمية».

وأطلقت الحكومة المصرية مبادرات متنوعة لتشجيع المصريين العاملين في الخارج على ضخ أموالهم بالعملة الصعبة إلى السوق المحلية.

ومن أشهر المبادرات التي تم إطلاقها تلك التي تسمى مبادرة «سيارات المصريين في الخارج» وانطلقت في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وبموجبها كان يحق للمصريين العاملين في الخارج استيراد سيارة للاستخدام الشخصي، من دون أي جمارك أو رسوم، بشرط إيداع قيمة الجمارك والرسوم في حساب وزارة المالية المصرية بالدولار، على أن يسترد المودعون قيمة الوديعة بعد 5 سنوات بالجنيه المصري، بسعر صرف الدولار في تاريخ الاسترداد.

كما أطلقت الحكومة المصرية مبادرة في 30 يوليو 2023 منحت بموجبها المصريين بالخارج فرصة تسوية موقف التجنيد مقابل تحويل مبلغ 5 آلاف دولار أو يورو عن كل راغب في الاستفادة من المبادرة.

aawsat.com