خيارات صعبة أمام الشباب السودانيين في ليبيا

عاين- 17 أبريل 2025
“يمكن أن نغرق في البحر أثناء الرحلة؛ لأن المهربين يحمّلون المراكب أكبر من سعتها وهم معروفون بالجشع، وارد جداً أن يُقْبَض علينا، ونبقى في السجن لفترة غير معلومة، وربما نموت دون أن يعرف أحد”. تقول السودانية المقيمة في دولة ليبيا “نهى” لـ(عاين) وهي من بين آلاف الشباب السودانيين الذين وضعتهم الحرب أمام خيارات صعبة أولها الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا أو الاستقرار بليبيا في أوضاع اقتصادية سيئة أو العودة إلى السودان.
وعقب اندلاع الحرب في السودان، فر آلاف السودانيين إلى دولة ليبيا المجاورة، وتقدر المنظمة الدولية للهجرة عدد اللاجئين السودانيين في ليبيا بنحو (125) ألف و(363) مهاجرا، من بينهم 6000 وصلوا إلى ليبيا منذ بداية الحرب وفق إحصاءات منظمات سودانية وليبية، فيما تشير أرقام أخرى إلى تسجيل دخول (31) ألف مهاجر سوداني حتى نهاية شهر يناير الماضي. والرقم قد يصل (400) ألف.
ويغادر السودانيون إلى ليبيا عبر رحلات خطرة بواسطة مهربين يتواجدون بين الحدود السودانية الليبية، ويواجهون خطر الموت عطشاً أو الضياع في الصحراء.
ويصل إلى ليبيا 500 شخص يومياً قادمين من السودان بعد تدهور الأوضاع الإنسانية وإجبار المزيد من الأهالي على البحث عن ملاذ آمن مع استمرار الحرب في السودان وفقا للأمم المتحدة.
مجازفة واجبة
بعد عام ونصف من انتقالها إلى ليبيا بدأت السيدة “نهى” في التخطيط إلى الهجرة بطريقة غير شرعية إلى أوروبا، وغادرت السودان مع أسرتها بعد سبعة أشهر من اندلاع الحرب في أبريل 2023م، ودفعها للمضي في هذا الخيار الحرب التي طال أمدها وعدم الاستقرار السياسي والوضع المعيشي في السودان.
“لدي أطفال يجب أن توفر لهم الحياة الكريمة والمجتمع الصحي السليم، واعلم جيدا حجم المخاطر الكبيرة التي يمكن أن تواجهنا، ولكن رغم ذلك لا بد من المجازفة من أجل حياة أفضل، وهذا الخيار على خطورته هو الوحيد المتاح”. تقول نهى كرار لـ(عاين).
وتشير كرار إلى أن الخيار الآمن للتهريب، تصل تكلفته لـ(6) آلاف دولار للفرد، وهذا يحتاج إلى وقت طويل لجمع المال. وتقول نهى:”في البداية لم أكن أنوي الهجرة غير الشرعية ولدي أمل أن تستقر الأوضاع في السودان، لكن الحرب تذهب إلى عامها الثالث ما دفعنا للتفكير في الهجرة عبر البحر، وأعرف عدد كبير من السودانيين تحديداً الشباب غادروا ووصلوا إلى وجهتهم فيما يوجد آخرون ما زلنا ننتظر أن نعرف ما حل بهم”.
استقرار صعب
ويحاول آلاف الشباب السودانيين في ليبيا الانخراط في سوق العمل، لكن تحديات كثيرة تواجههم. ومن بين هؤلاء تامر صلاح الدين 26 عاما، الذي يقول إن معظم الشباب الذين يحاولون الولوج إلى سوق العمل هنا يواجهون صعوبة تقنين أوضاعهم القانونية.
ينخرط معظم الشباب كعمالة في المصانع، وفقا لتامر الذي تحدث لـ(عاين) قائلا:” معظم الشباب جاءوا إلى ليبيا بعد الحرب وعن طريق التهريب وأوضاعهم القانونية غير مقننة، ويواجهون صعوبة في توفير الأموال التي بالكاد تكفي احتياجاتهم الأساسية”.
ويؤكد صلاح عمر، رب أسرة مستقر في ليبيا، على ضرورة أن يتقن الشباب الذين يرغبون في الاستقرار بليبيا نوعاً من الحرف للانخراط في العمل الحر بدلاً من العمل بأجر ثابت، ومعظم الشباب السودانيين في ليبيا يعملون بأجور ثابتة وضعيفة جدا مقارنة بالمعيشة وتكاليفها.
وأضاف في مقابلة مع (عاين):”أنا أعمل بشكل حر ولدي حرفة ووضعي المالي مستقر، ومن أكثر الأعمال التي يمتهنها السودانيون في ليبيا الحسابات في المحلات التجارية، وحصولهم على البطاقتين الصحية والتجارية يجنبهم المشكلات القانونية”.
خيار العودة
عيسى إبراهيم، قدم إلى ليبيا بعد استباحة قوات الدعم السريع لولاية الجزيرة وسط السودان، قبل ذلك كان يمتهن الزراعة كمصدر عيش رئيسي، ويقول أنه غادر قريته الصغيرة إلى أم درمان، وبعدها سافر إلى ليبيا عن طريق مهربين دفع لهم أموالا طائلة، ولكنه وجد الوضع معقداً، ولا يستطيع توفير الأموال التي بالكاد تكفي لسكنه ومصروفاته اليومية، لذلك قرر العودة إلى السودان ومعاودة العمل في الزراعة ربما تكون أفضل بعد خروج قوات الدعم السريع.
وأضاف عيسى في مقابلة مع (عاين): “لم نتمكن من زراعة أراضينا أثناء وجود السريع وفقدنا كل مدخلات الزراعة من معدات وأسمدة وتقاوي”.
أما أحمد عبد الكريم غادر بلدته في وسط كردفان غربي السودان إلى ليبيا بعد أن فقد عمله عقب اندلاع الحرب، ويقول لـ(عاين): إن “الأوضاع الاقتصادية وراء مغادرته للبحث عن فرص عمل في ليبيا”. عبد الكريم يرهن عودته إلى السودان بهدوء الأوضاع الأمنية وادخار المال الذي يمكنه من تأسيس مشروع يضمن له الاستقرار اقتصادياً، ويأمل أن يعود إلى السودان، ويساهم بشكل إيجابي في تنمية بلده بعد الحرب.
ويروي عبد الكريم، إنه وصل إلى مدينة الكفرة الليبية رفقة عدد من أصدقائه قبل عام ونصف وقتها شاهد مئات من الشباب المهاجرين السودانيين يجلسون على الطرقات بعضهم حالفه الحظ في إيجاد عمل وآخرين بدون مصدر دخل.
وتابع أحمد: “عدد من أصدقائي عادوا إلى السودان بعد ستة أشهر أحدهم تمكن من توفيق أوضاعه، وبدأ حياته في السودان وآخرين أحبطوا من الوضع في ليبيا، أنا فكرت في العودة، ولكن ليس لدي مصدر دخل ولا أمان، لكن بقيت في ليبيا لأتمكن من دعم أسرتي مادياً”.
وبلغت ذروة الوافدين في نوفمبر 2024 – بحسب منظمة انترسوس– التي أشارت إلى أن السودانيين يمثلون 73% من إجمالي اللاجئين في ليبيا. ويدخل معظمهم البلاد عبر مدينة الكفرة الحدودية قبل السفر إلى أجدابيا أو طرابلس. تُعد أجدابيا، على وجه الخصوص، مركز عبور حيوي، حيث يبقى بعض اللاجئين للبحث عن عمل، بينما يواصل آخرون رحلتهم شمال غربًا نحو طرابلس.
3ayin.com