مجلس الأمن قلق للغاية من عواقب هجمات الفاشر على السودان

عبر أعضاء مجلس الأمن عن «قلقهم البالغ» من تصاعد العنف في السودان، ولا سيما في مدينة الفاشر وحولها بشمال دارفور، منددين بشدة بهجمات «قوات الدعم السريع» في المنطقة وضد مخيمي زمزم وأبو شوك للنازحين، مطالباً كل دول العالم بوقف تدخلاتها في الشؤون السودانية.
وتزامن هذا الموقف القوي من مجلس الأمن مع دخول الحرب عامها الثالث، وسط دعوات من وكالات الأمم المتحدة إلى تحرك دولي «فوري ومنسق» لتخفيف «المعاناة الإنسانية الهائلة الناجمة عن النزاع»، ومن الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش الذي قال إن «السودان لا يزال عالقاً في أزمة ذات أبعاد مذهلة يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى»، مطالباً بـ«إنهاء هذا الصراع العبثي».
ووافق أعضاء مجلس الأمن بإجماع الأعضاء الـ15 فيه على البيان، الذي أبدوا فيه «القلق حيال تقارير تفيد بأن هجمات قوات الدعم السريع أدت إلى مقتل 400 شخص على الأقل، بينهم أطفال وما لا يقل عن 11 عامل إغاثة»، مطالبين بـ«مساءلة قوات الدعم السريع على هذه الهجمات». وإذ أشاروا إلى القرار 2736 الصادر عام 2024، أكدوا على «مطالبتهم بإنهاء قوات الدعم السريع لحصار الفاشر، ودعوتهم إلى الوقف الفوري للقتال وإلى تهدئة التصعيد في الفاشر وما حولها». ودعوا أطراف الصراع إلى حماية المدنيين والامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي والوفاء بالقرار 2736، وتعهداتها بموجب إعلان جدة.
وأدى عامان من الحرب في السودان إلى أكبر أزمة إنسانية ونزوح في العالم، تفاقمت بسبب التخفيضات الحادة في المساعدات الدولية. فهناك أكثر من 13 مليون شخص نازحين في البلاد، بينما لجأ 3.9 مليون عبر الحدود إلى الدول المجاورة خلال العامين الماضيين وحدهما، بحثا عن الأمان والغذاء والمأوى. ويحتاج أكثر من 30 مليون شخص، أي ثلثا سكان البلاد، إلى مساعدة إنسانية عاجلة.
غوتيريش يذكّر بإعلان جدة
وإذ أشار غوتيريش أخيراً إلى الالتزامات التي أعلنتها الأطراف في شأن حماية المدنيين بما في ذلك في إعلان جدة في مايو (أيار) 2023، بالإضافة إلى الالتزامات التي تقع عليها بموجب القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان، قال: «يواصل المدنيون تحمل عبء تجاهل الأطراف للحياة البشرية»، مؤكداً ضرورة ترجمة مثل هذه الالتزامات إلى عمل حاسم، وأهمية إجراء تحقيقات مستقلة ومحايدة وشفافة في كل التقارير التي أفادت بوقوع انتهاكات.
وفي بيانهم، دعا أعضاء المجلس إلى مساءلة قوات الدعم السريع ومرتكبي الهجمات على المدنيين وانتهاكات حقوق الإنسان في السودان. كما طالبوا كل أطراف الصراع بحماية واحترام العاملين في المجال الإنساني ومنشآتهم وأرصدتهم بموجب التزاماتها وفق القانون الدولي. ودعوا الأطراف إلى السماح بالوصول الإنساني الآمن ودون إعاقات إلى السودان وجميع أنحائه. وأبدى الأعضاء قلقهم البالغ بشأن مرور عامين على اندلاع الصراع في السودان وأثره على الشعب السوداني والمنطقة، داعين الأطراف جميعاً إلى «السعي إلى الوقف الفوري للأعمال القتالية»، وشجعوها على «الانخراط بنية صادقة في حوار سياسي للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية جامعة وشاملة يمتلك زمامها السودانيون». وكذلك حضوا الأطراف على «استغلال فرصة المحادثات غير المباشرة التي تقودها الأمم المتحدة للاتفاق على خطوات تحقيق تلك الأهداف والعمل على مسار إنهاء الأزمة في السودان بشكل دائم». ودعا كل الدول الأعضاء بالأمم المتحدة الى «الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يسعى إلى تأجيج الصراع وعدم الاستقرار، وأن تقوم بدلاً من ذلك بدعم جهود التوصل إلى سلام دائم».
وذكـّر الأعضاء كل أطراف الصراع والدول الأعضاء بالامتثال لالتزاماتها بشأن تدابير الحظر المفروض على الأسلحة وفق المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الرقم 1556 لعام 2004، التي تم التأكيد عليها في القرار 2750. وكشف غوتيريش أخيراً عن أن أعمال القصف والغارات الجوية العشوائية تواصل قتل وتشويه الناس، فيما تُهاجَم الأسواق والمستشفيات والمدارس وأماكن العبادة ومواقع النزوح. وأضاف أن العنف الجنسي متفش، لتتعرض النساء والفتيات لأعمال مروعة. كما يعاني المدنيون من انتهاكات جسيمة من جميع الأطراف المتقاتلة. وأشار إلى أن السودان أصبح أكبر أزمة نزوح في العالم، إذ نزح ما يقرب من 12 مليون شخص، عبر أكثر من 3.8 مليون منهم الحدود إلى الدول المجاورة. وتطرق إلى تدمير الخدمات الأساسية وحرمان ملايين الأطفال في التعليم، وعدم قدرة سوى أقل من ربع المنشآت الصحية على مواصلة العمل في أكثر المناطق تضرراً. وذكر أن العاملين في المجال الإنساني غير قادرين على تعزيز وجودهم في الكثير من المناطق التي تشتد فيها الحاجة، بسبب الصراع وانعدام الأمن المقرونين بالعوائق البيروقراطية والخفض الحاد للتمويل.
اليونيسف قلقة
من جهة ثانية، أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، الجمعة، بمقتل ما لا يقل عن 15 طفلاً خلال أسبوع واحد مع استمرار المعارك في ولاية شمال دارفور بغرب السودان. وقالت كاثرين راسل المديرة التنفيذية للمنظمة عبر منصة «إكس» إن أكثر من 330 ألف شخص فروا من مخيم زمزم للاجئين بشمال دارفور على مدار الأسبوع الماضي. وأكدت راسل على ضرورة وقف القتال بالمخيم لحماية المدنيين والسماح بإيصال المساعدات.
وفي هذا السياق، قالت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور (مجموعة محلية) الجمعة، إن استخبارات الجيش السوداني والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، شنت حملة اعتقالات واسعة استهدفت قيادات ونشطاء النازحين في معسكر أبو شوك للنازحين، بتهم التعاون مع «قوات الدعم السريع»، والتحريض على مغادرة المخيم إلى مناطق أكثر أماناً.
وقال المتحدث باسم المنسقية، آدم رجال إن «هذه التهم باطلة، والهدف الأساسي، هو قمع النازحين والقضاء عليهم لا أكثر». وأشارت المنسقية في بيان على منصة «فيسبوك»، إلى «تمركز الجيش السوداني والقوة المشتركة حول المعسكر، رافضين السماح للنازحين بالمغادرة، مستخدمين إياهم دروعاً بشرية». وأدان رجال سلوك أطراف الحرب التي وصفها بـ«غير الأخلاقية ولا إنسانية»، لمهاجمة النازحين بالأسلحة الثقيلة، بينما يستخدمهم طرف آخر وقوداً للحرب ودروعاً بشرية. وقال إن «هذه الأفعال تمثل جريمة حرب مكتملة الأركان».
مجاعة في المخيمات
وأضاف آدم رجال، أن سكان المخيمات يعانون من الجوع، ونقص المياه، بعد تدمير آبار مياه الشرب بسبب القصف المدفعي، مشيراً إلى ندرة السلع وارتفاع أسعارها، وإغلاق الأسواق، «كلها أمور تثير القلق». وذكر البيان: «تحمل المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين، الجيش السوداني والقوة المشتركة، المسؤولية الكاملة عن سلامة هؤلاء المعتقلين، فهم ليسوا مجرمين»، ويجب إطلاق سراحهم فوراً دون قيد أو شرط، ووقف استخدام النازحين كدروع بشرية. وطالب «قوات الدعم السريع» بالتوقف فوراً عن قصف المخيمات، «لأن استهداف الأبرياء يعد جريمة حرب».
وناشدت المنسقية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بحماية النازحين في المخيمات، وفقاً للاتفاقيات الدولية لحماية المدنيين في حالات النزاع. وتعد تلك الأحداث تصاعداً في وتيرة العنف بشمال دارفور، بعد أيام من استيلاء «قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر.
aawsat.com