خبر ⁄سياسي

الصليبي الأخير.. وزير الدفاع الأميركي الذي يكره جيشه

الصليبي الأخير.. وزير الدفاع الأميركي الذي يكره جيشه

مستلهما تجربة "الصليبيين المسيحيين الذين صدّوا جحافل المسلمين في القرن الثاني عشر" يوصي الصليبي الأخير الأميركيين إلى "استجماع الشجاعة نفسها ضد الإسلاميين اليوم…. فإلى جانب الشيوعيين الصينيين وطموحاتهم العالمية، تُعدّ الإسلاموية أخطر تهديد للحرية في العالم. لا يمكن التفاوض معها أو التعايش معها؛ بل يجب تهميشها وسحقها"

قائل هذا الكلام هو صاحب المنصب الأكثر نفوذا في واشنطن، حيث يشرف من خلاله على 3 مليون جندي وموظف مدني برفقة ميزانية تبلغ خلال العام الجاري 895 مليار دولار، إنه وزير الدفاع الأميركي الجديد بيت هيغسيث .

يتطرق هذا المقال  إلى سيرة بيت هيغسيث، وأبرز أفكاره وتنظيراته التي أثارت جدلا واسعا، بالاعتماد على ما دونه بنفسه في كتبه المتعددة مثل كتاب "الحملة الصليبية الأمريكية: نضالنا من أجل البقاء أحرارًا" وكتاب "معركة من أجل العقل الأمريكي: اقتلاع قرن من التعليم الخاطئ"، وكتاب "الحرب على المحاربين"، مع التطرق لكيف تمكن بعد فصله من الجيش الأمريكي من تولي منصب وزير الدفاع، وكيف تحول من خصم لترامب إلى أحد أبرز أنصاره.

لقد اعتاد هيغسيث إطلاق النار في كافة الاتجاهات في تصريحاته وفي كتبه وفي برنامجه التلفزيوني "فوكس والأصدقاء في عطلة نهاية الأسبوع"، المصنف في المرتبة الأولى من البرامج الصباحية الأكثر مشاهدة في الولايات المتحدة على قناة فوكس نيوز، فمن أبرز مقولاته:

إعلان

"الحزب الديمقراطي يكره أميركا. يكره دستورنا، وعلمنا، وإيماننا، ومعتقداتنا. لسنا زملاء نتعامل باحترام، ولا مجرد خصوم سياسيين. نحن أعداء. إما أن ننتصر أو ينتصروا. الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمحكمة الجنائية الدولية، كل هذه المؤسسات تهدف اليوم إلى تقويض فكرة وواقع الحدود والمواطنة.

الإسلاموية المستمدة مباشرة من الإسلام، ومن حياة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن القرآن، هي النظرة العالمية الأكثر تماسكًا، والأكثر عدوانية على كوكب الأرض اليوم."

وزير الدفاع الأمريكي هيغسيث يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في واشنطن العاصمة(وكالة الأناضول)

يتطرق المقال إلى سيرة بيت هيغسيث، وأبرز أفكاره وتنظيراته التي أثارت جدلا واسعا، بالاعتماد على ما دونه بنفسه في كتبه المتعددة مثل كتاب "الحملة الصليبية الأميركية: نضالنا من أجل البقاء أحرارًا"، وكتاب "معركة من أجل العقل الأميركي: اقتلاع قرن من التعليم الخاطئ"، وكتاب "الحرب على المحاربين"، مع التطرق لكيف تمكن بعد فصله من الجيش الأميركي من تولي منصب وزير الدفاع، وكيف تحول من خصم لترامب إلى أحد أبرز أنصاره.

على خطى الصليبيين الأوائل

وُلد الجنديّ الغاضب عام 1980 ضمن الجيل الخامس من أسرة مهاجرة من النرويج، ولذا يتسم بملامح إسكندنافية مميزة، لكنه لا يتحدث اللغة النرويجية بخلاف أجداده، وذلك بعد أن انصهر في المجتمع الأميركي بشكل كامل. فهو من دعاة التحدث باللغة الإنجليزية فقط داخل الولايات المتحدة.

نشأ هيغسيث في ولاية مينيسوتا وسط أسرة متدينة تحرص على زيارة الكنيسة أسبوعيا، لكنه لم يكن متدينا في صغره، وقد تأثر في

الواعظ الإنجيلي بيلي غراهام

شبابه بحضوره محاضرة للداعية الإنجيلي الشهير بيلي غراهام في عام 1999، وهو ذات العام الذي التحق فيه بجامعة برينستون بهدف دراسة الفلسفة السياسية، ورغم حصوله على شهادة البكالوريوس منها، فقد تذمر من واقع جامعة برينستون بحجة أنها أدارت ظهرها للإيمان وأصبحت قلعة لليسار رغم أنها تأسست في الأصل عام 1746 مركزًا لتدريب القساوسة.

 

 

وقد أكمل تعليمه العالي في كلية كينيدي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد، حيث حصل عام 2013 على درجة الماجستير في السياسات العامة، لكنه تنازل لاحقا عن الشهادة، وأعادها للجامعة بحجة أن جامعة هارفارد أصبحت معسكرا لتلقين الأفكار اليسارية للطلاب.

إعلان

بدأ هيغسيث مسيرته في الجيش عام 2001 بعد هجمات سبتمبر بالتزامن مع دراسته الجامعية، وعمل بعد تخرجه من الجامعة عام 2003 محللًا لسوق رأس المال في شركة بير ستيرنز، لكنه ترك مهنته المدرة لراتب وفير بهدف "مطاردة الوهابيين" على حد تعبيره، الذين هاجموا واشنطن ونيويورك، فالتحق بتدريب أساسي لضباط المشاة في ولاية جورجيا، وأصبح ضابط مشاة عام 2003، وخدم في معتقل غوانتانامو ضمن صفوف الحرس الوطني عام 2004، وهي الفترة التي وصفها بأنها مملة لأنه حرس خلالها "حثالة الإسلاميين" حسب وصفه.

انتقل هيغسيث إلى العراق عام 2005 حيث عمل ضمن الفرقة 101 المحمولة جوًّا وقاتل في سامراء والمثلث السني. وهي حقبة شهدت تصاعد المقاومة العراقية ضد الاحتلال. ولذا لم ينسجم هيغسيث مع ضوابط إطلاق النار بالجيش الأميركي، فأمر جنوده بعدم الالتزام بها قائلا "لن أسمح لهذا الهراء بالتسلل إلى أدمغتكم. أيها الرجال، إذا رأيتم عدوًّا تعتقدون أنه يشكل تهديدًا، فعليكم الاشتباك معه وتدميره، يجب أن يحصل أعداؤنا على الرصاص، وليس المحامين"، ويصف حال مصاب عراقي بعد أسره "لم يكن هناك من يهتم به. هل عاش أم مات؟ لم أهتم بذلك في ذلك الوقت، ولا أهتم به اليوم، فأي مساعدة تُقدم له ستكون بمثابة لطف"، وكذلك خدم هيغسيث في أفغانستان عام 2012 حيث عمل كبيرا للمدربين في أكاديمية تدريب مكافحة التمرد في كابل.

يوضح هيغسيث مفهومه للحرب من واقع تجاربه قائلا "إن الحرب البرية تُعرَّف بعدد الأشخاص الذين يمكنك ذبحهم في مكان واحد وفي وقت واحد مما يحد من إرادة عدوك وقدرته على القتال"، ويعلل ذلك بالطبيعة البشرية التي تقوم على خطيئة الإنسان وأنانيته.

عند إرسال الجنود للقتال، فلابد من "إطلاق العنان لهم ليحققوا النصر. حيث يحتاجون إلى أن يكونوا الأكثر قسوة، والأكثر صرامة، والأكثر فتكًا".

  • بيت هيغسيث وزير الدفاع الأميركي

تركت تلك التجارب أثرها على نفسية هيغسيث، إذ يروي أنه "لا يزال يستيقظ في منتصف الليل عقب رؤيته حلمًا متكررًا خلاصته أنه في مهمة مع وحدته العسكرية في أرض العدو، لكنه يشعر بقلق شديد صارخا أين سلاحي؟ لا أستطيع العثور على بندقيتي، لقد ضاعت. أنا عاجز".

إعلان

أتاحت تلك المناوبات له الاحتكاك بشرائح متنوعة في العالم الإسلامي حيث يقول "لقد قضيتُ وقتًا لا بأس به في العالمين العربي والإسلامي، أكثر من معظم الأميركيين. تجولتُ في ساحات القتال ضد المسلمين ومعهم. قضيتُ ساعاتٍ في حوارات دينية وفلسفية عميقة مع مسلمين، من عامة الناس ومتعلمين في الغرب، متدينين وغير متدينين، وأئمة مساجد متطرفين ومعتدلين، وسنة وشيعة". ولذا تشكلت لديه بحسب كتاباته رؤية اتجاه الإسلام والمسلمين سنناقشها لاحقا، لكنها بلورت لديه هدفا في الحياة عبر عنه قائلا:

"هدفي العالمي هو تدمير المتطرفين الإسلاميين".

بعد انتهاء خدمته بالخارج، عاد هيغسيث إلى الولايات المتحدة، وحاول الترشح لمجلس الشيوخ عام ٢٠١٢ عن ولاية مينيسوتا، لكنه رسب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، كما أسس منظمتين للمحاربين القدامى، لكنه اتُّهم باستخدام أموالهما لأغراض شخصية، واضطر إلى تركهما.

التحق هيغسيث بعضوية مجلس العلاقات الخارجية الذي يصدر مجلة فورين أفيرز، لكنه سرعان ما استقال منه عام 2016 بحجة ترويج المجلس لأجندة تقدمية عولمية تعادي المصالح الأميركية. وترك كذلك الخدمة النشطة بالجيش عام 2014، لكنه عاد مجددا للخدمة بعد خمسة أعوام حيث انضم إلى صفوف الحرس الوطني، وشارك حاملا درعه في عمليات مكافحة الشغب أثناء المظاهرات أمام البيت الأبيض عام 2020 احتجاجا على مقتل جورج فلويد، الذي يجادل هيغسيث بأنه توفي بسبب إدمانه على المخدرات لا بسبب ضرب مميت بأيدي رجال الشرطة.

يكشف هيغسيث في كتابه "الحرب على المحاربين" مشاعره خلال مشاركته في فض الاحتجاجات على مقتل فلويد قائلا "لم أستطع أن أتصرف كما لو كنت جنديا أميركيا في دولة من دول العالم الثالث. لم يكن هؤلاء سكانًا محليين في بغداد يحتجون على حظر التجوال في المساء. ولم يكونوا مزارعي أفيون ساخطين يلوحون بالسيوف خارج مرجة في أفغانستان. إنهم أبناء أميركا وبناتها… لو حدث هذا الاشتباك في سامراء أو قندهار، لكنا قد وصلنا إلى المنزل بحلول وقت الإفطار… كانت هذه هي أميركا. ولم يكن أحد يريد أن يقتل مواطنًا".

إعلان

جاء فصل الختام في مسيرة هيغسيث العسكرية عام 2021، حين رفض الجيش إشراكه في تأمين حفل تنصيب الرئيس جو بايدن، رغم مشاركة 25 ألفا من عناصر الحرس الوطني في تأمين العاصمة بعد أحداث اقتحام الكونغرس من طرف أنصار ترامب في مطلع ذات العام. وكان السبب هو تصنيف الجيش لهيغسيث بأنه متطرف قومي أبيض، وذلك بعد إبلاغ جنديين من زملائه عن رسمه على جسده وشم "صليب القدس" الذي يجسد شعار مملكة القدس في عهد الحملات الصليبية.

لقد كان وقع الاستبعاد ثقيلا على نفس هيغسيث كما يقول "في البداية كنت مرتبكًا، وشعرت بالغضب وفقدان التوزان"، فتقدم باستقالته النهائية من الجيش في 20 يناير/كانون الثاني 2021. لكن لم تقبل استقالته فورا، ثم أرسل إليه الجيش إشعارا بفصله من الخدمة بعد ثلاث سنوات، وذلك في الأول من يناير/كانون الثاني 2024.

على المستوى الاجتماعي، تزوج هيغسيث وطلق مرتين، وهو متزوج حاليا من زوجته الثالثة جينيفر راوشيت التي كانت علاقته بها قبل زواجهما سببا في طلاقه من زوجته الثانية، ولديه حاليا سبعة أطفال.

كيف يفكر؟ ضد اليسار دُرْ!

يمثل هيغسيث نموذجا للشخصية الإنجيلية الأميركية، فهو يرى أن "الكتاب المقدس، وخاصةً عندما يقترن بتراث أثينا وروما، يمثل أساس الحضارة الغربية. وأن مؤسسي الولايات المتحدة أسسوا نظامًا قائمًا على الحرية الفردية، والعدالة المتساوية، والمسؤولية الشخصية، والحكومة المحدودة، والأسواق الحرة، والإيمان الديني". ومن ثم يشن هجوما على العلمانية الممزوجة بالأفكار اليسارية بحجة أنها "تجعل الحكومة إلهًا، وأنها رسخت عبارة فصل الدين عن الدولة التي لم ترد في إعلان الاستقلال ولا في الدستور". ويذهب إلى أن "العلمانيين يسعون إلى هدم الروابط التاريخية والمعاصرة بالإيمان في الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي الذي يحتاج إليه الأميركيون ليظلوا شعبًا حرًّا ومستقلًّا ومكتفيًا ذاتيًّا".

وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، على اليسار، يوقع علمًا لفريق مركبات التوصيل التابع لقوات النخبة البحرية (SEAL) في قاعدة بيرل هاربور-هيكام المشتركة، 25 مارس 2025، في هونولولو، هاواي (شترستوك)

ويتبنى هيغسيث موقفا معاديا للديمقراطية بحجة أنها تمنح من يحصل على أكبر عدد من الأصوات حق وضع القواعد، بينما هو يؤمن بالحقوق المكتسبة التي منحها الله للبشر، ولذا يقول "علينا أن نتوقف عن وصف بلدنا بالديمقراطية لأنها ليست كذلك، كلمة ديمقراطية غير موجودة لا في إعلان الاستقلال ولا في الدستور.. لقد رفض مؤسسونا فكرة الديمقراطية لأن الديمقراطيات تُحكم بنظام الأغلبية البسيطة. بدلًا من ذلك، اختار المؤسسون أن يكون نظام حكمنا جمهورية دستورية… لا يحق لممثلينا المنتخبين إقرار أي قانون يريدونه، بل يجب أن يكون متوافقًا مع دستورنا. هناك ضوابط وتوازنات ضد طغيان الأغلبية. ونتيجةً لذلك، تضمن جمهوريتنا حقوق الفرد الممنوحة من الله، بغض النظر عن رأي الأغلبية".

إعلان

يتبنى هيغسيث موقفا معاديا لليسار، ويرى أن الحزب الديمقراطي تحول من كونه حزبا ليبراليا يحب أميركا ويركز على بناء دولة رفاه، ليصبح حزبا يساريا اشتراكيا عولميا يبغض أميركا ويسعى لإلغاء السيادة الوطنية بهدف مركزة السيطرة على وسائل الإنتاج، كما يتبنى أجندة ماركسية تعمل على تأنيث الرجال وتهميش كل ما هو طبيعي، فضلا عن تبنيه برنامجا يقوم على صرف تعويضات للمهاجرين غير الشرعيين، وتقنين الإجهاض، واستبدال نظام الحكم القائم على الإيمان والمجتمع باقتصاد قائم على الحكومة الفدرالية والتوجيه.

مظاهرة للمثليين في أورلاندا، فلوريدا (غيتي)

الاشتراكية لدى هيغسيث هي تركيز السلطة في أيدي النخب الحكومية لتحقيق التخطيط المركزي للاقتصاد وإعادة توزيع الثروة عبر فرض الضرائب على الأشخاص الذين يعملون بجدية ويكسبون المال حتى تتمكن الحكومة من توزيع هذه الأموال على الجميع، مما يتطلب سيطرة حكومية وإخضاع المواطنين، وهو ما يزعم أن الولايات المتحدة وقعت في براثنه منذ حقبة بيل كلينتون (1992-2000) بعد أن وصل شباب الجامعات اليساريون في ستينيات القرن العشرين إلى مقاعد السلطة في التسعينيات ثم ترسخ بشكل أكبر في حقبة أوباما (2008-2016)".

يجادل هيغسيث أيضا في كتابه "معركة من أجل العقل الأميركي" بأن اليسار سيطر على التعليم من الروضة إلى الصف الثاني عشر واستولى على الأسر الأميركية وثقافتها، كما استولى على الجامعات والشركات ووسائل الإعلام وهوليوود ووسائل التواصل الاجتماعي والبيروقراطية الفدرالية، وحتى أغلب الكنائس الرئيسية، وصولا إلى محاولته السيطرة على الجيش، وفي نهاية المطاف عمل على تغيير سياسة البلاد وإعادة تشكيلها في مواجهة الرأسمالية التي تطلق العنان للرخاء حسب زعمه.

ويشدد على أنه في النموذج الرأسمالي لا تُسيطر الحكومة على الأسواق، ولا على وسائل الإنتاج، ولا على الأسعار، ولا تُحدد من يفوز ومن يخسر، إنما تُنتج المنافسة في السوق الحرة رابحين وخاسرين، وتمنح الخاسرين فرصةً للتنافس مجددًا والفوز.

إعلان

يشدد هيغسيث على نبذ شعارات الحزب الديمقراطي الداعية إلى التنوع باعتبارها تضخم الاختلافات وتكرس الفوارق وتخلق المظالم، ويرفع بدلا منها شعار "قوتنا لا تكمن في تنوعنا، بل في وحدتنا".

ويخلص في كتابه "الحرب على المحاربين" إلى أن "اليسار المتطرف مثله مثل العدو في حالة حرب ضد أميركا، ولا يتوقف أبدًا عن التحرك والتخطيط. ولديه است