خبر ⁄سياسي

ما تأثير العقوبات الأميركية واستهداف المنشآت الاقتصادية على الحوثيين

ما تأثير العقوبات الأميركية واستهداف المنشآت الاقتصادية على الحوثيين

تتزامن الحملة العسكرية الأميركية ضد الجماعة الحوثية في اليمن مع تشديد الضغوط المالية والاقتصادية عليها. وإذ يرى خبراء عسكريون أن استهداف واشنطن منشآت اقتصادية حوثية بالضربات الجوية يوسع من أدوات الضغط الاقتصادي ومفاقمة الخسائر البشرية والعسكرية على الجماعة المدعومة من إيران، يعتقد اقتصاديون أن أثر العقوبات المالية والاقتصادية يختلف عن نتائج الضغط العسكري.

واستهدفت الغارات الأميركية، أخيراً، ميناء رأس عيسى الذي تستخدمه الجماعة لاستيراد وتسويق الوقود، بعد يوم من إصدار وزارة الخزانة الأميركية قراراً جديداً بعقوبات طالت بنكاً تجارياً لاتهامه بتمويل أنشطتها العسكرية ضد الملاحة الدولية.

وتنوعت ضغوط إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، على الجماعة الحوثية، ورغم أنها لم تختلف في الأسماء عن تلك الضغوط التي فرضتها إدارة سلفه جو بايدن، فإن طريقة تعامل ترمب تُظهر حزماً واضحاً وإصراراً على إنهاء التهديدات الحوثية للملاحة البحرية، بغض النظر عن إمكانية أن يكون هذا التعامل من أدوات التفاوض مع إيران.

ويرى الباحث الأكاديمي اليمني في اقتصاد الحرب، يوسف شمسان، أن الولايات المتحدة «ترفض ثنائية الدولة في اليمن، ولن تسمح ببقاء الجماعة الحوثية تهديداً للملاحة وأمن الطاقة، وإن كان هذا لا يعني بالضرورة إنهاء وجودها تماماً، فهناك احتمالية قائمة لبقائها ورقةً أمنية».

عملاء لبنك اليمن الدولي أمام مقره في عدن يطالبون بسحب أرصدتهم العام الماضي (إعلام محلي)

ويوضح شمسان لـ«الشرق الأوسط» أن «الإجراءات الأميركية الأخيرة على الحوثيين هي عقوبات رئاسية تنفيذية، وليست مؤسسية؛ مما يجعلها أدوات ضغط وتفاوض، ويمكن إسقاطها في أي لحظة ضمن اتفاقات أو تسويات».

وتعتمد فاعلية هذه العقوبات على آليات تطبيقها، ومدى التزام الأطراف الإقليمية والدولية بتنفيذها، وفقاً للباحث الاقتصادي اليمني عبد الحميد المساجدي.

ووفق حديث المساجدي لـ«الشرق الأوسط»؛ فإنه «يمكن لهذه العقوبات أن تُعقّد عمليات التمويل من خلال فرض قيود على الشركات والبنوك التي يُشتبه في تعاملها مع الجماعة، وأن تعرقل حركة التجارة والاستيراد عبر إعادة تفعيل آليات الرقابة على السفن والبضائع، خصوصاً المحملة بالوقود والسلع الأساسية».

سقوط منشأة حيوية

قبل إغارة طائراتها على ميناء رأس عيسى، أعادت الولايات المتحدة منذ نحو شهر ونصف الشهر، تصنيف الجماعة الحوثية ضمن المنظمات الإرهابية الأجنبية، وأصدرت سلسلة من العقوبات التي طالت أشخاصاً وكيانات مالية.

الخزانة الأمريكية تواصل إصدار عقوباتها ضد كيانات وشخصيات مرتبطة بالحوثيين (أ.ف.ب)

ويصف «مركز اليمن والخليج» للأبحاث ميناء رأس عيسى بـأنه «نقطة ارتكاز استراتيجية متعددة الوظائف»، فهو يقع شمال مدينة الحديدة، ويحتوي منصة تحميل عائمة بعيداً عن الشاطئ؛ مما يجعل من عمليات الشحن والتفريغ أعلى سرّية وصعوبة في التتبع.

ويقدر هاشم محمد، الباحث في المركز، قيمة النفط الإيراني الذي يُدخل إلى مناطق سيطرة الحوثيين، عبر الميناء، بـ35 مليون دولار شهرياً، وهو أحد مصادر التمويل الرئيسية للجماعة، التي تُحقق من تجارة الوقود أرباحاً شهرية تتراوح بين 80 و130 مليون دولار، لتمويل عملياتها العسكرية، وشبكات أمنية وإعلامية داخل وخارج اليمن.

ومن المرجّح أن يؤدي الدمار الذي لحق بالميناء إلى شلل مؤقت، وربما طويل الأمد؛ مما يضعف من تمويل الحرب، في ظل غياب بنى تحتية بديلة قادرة على تعويض ذلك.

ويضع الباحث احتمالاً لـ«فرض مزيد من الإتاوات على المواطنين والتجار، وهي سياسة محفوفة بالمخاطر، وقد تُشعل غضباً شعبياً واسعاً، خصوصاً في ظل أوضاع معيشية منهارة أصلاً، وانعدام الحد الأدنى من الخدمات الأساسية».

ومنذ 4 أبريل (نيسان) الحالي، بدأ سريان القرار الأميركي منع استيراد المشتقات النفطية عبر الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون على ساحل البحر الأحمر.

4- قبل استيلاء الحوثيين عليه، كان ميناء رأس عيسى يستخدم لتصدير النفط اليمني (رويترز)

وكان تقرير من فريق خبراء في «مجلس الأمن الدولي» كشف عن زيادة كبيرة في واردات الوقود إلى موانئ الحديدة منذ الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة قبل 3 سنوات.

ويتوقع الباحث يوسف شمسان أن تؤدي العقوبات الأميركية على الجماعة الحوثية إلى تعزيز ما يمكن تسميته «الاقتصاد ذاتي الاكتفاء».

فهذه العقوبات، وفقاً للباحث، «ستجبر الجماعة على التحول من شبه الدولة إلى ميليشيات بشكل كامل، وستتمكن من إدارة مواردها واقتصادها بطرق أخرى بالتحايل، ولن ينتج عن هذه العقوبات تجفيف الموارد، وإنما ستتسبب في تراجع التمويل وتراجع العائدات وزيادة التكلفة».

بدائل وتحولات

تتباين آراء الخبراء العسكريين بشأن المعلومات الاستخباراتية الأميركية ومقدارها ومدى دقتها، ففي حين يرى مراقبون أن كثافة الغارات ستضعف الجماعة عسكرياً، يذهب آخرون إلى أن «هذه الكثافة قد تشي بعدم دقة المعلومات، وليس بالضرورة أنها غير موجودة».

دخان في ليلة من ليالي العاصمة صنعاء إثر غارة أميركية على مواقع الحوثيين (أ.ب)

واتهم مايكل فولكندر، نائب وزير الخزانة الأميركي، المؤسسات المالية التي طالتها العقوبات، مثل «بنك اليمن الدولي»، بلعب دور حاسم في وصول الحوثيين إلى النظام المالي الدولي، وقالت الوزارة إن «البنك» يساعد الشركات الحوثية على شراء النفط من خلال وصوله إلى شبكة «سويفت».

ويؤكد الباحث شمسان أنه «بدلاً من مزاولة الجماعة الحوثية كثيراً من الأنشطة الاقتصادية عبر مؤسسات وأوعية الدولة التي سيطرت عليها، ستتحول إلى مزاولة اقتصاد الحرب الميليشياوي بالكامل؛ مما يؤثر بشكل كبير على السكان».

ونوه بأن «أعلى نسبة يمكن أن يصل تأثير العقوبات إليها لا تتجاوز 36 في المائة من الموارد، وهذا التأثير يقع في غالبيته على السكان الذين يهدف اقتصاد الحرب عادة إلى تجويعهم وإفقارهم، لتحويلهم إلى تابعين وتجنيد المقاتلين منهم، واستغلال معاناتهم لادعاء المظلومية أمام العقوبات».

مخاوف من عودة أزمات الوقود واستثمار الحوثيين لها في تعويض مواردهم (رويترز)

أما الباحث المساجدي، فيشير إلى أن «الجماعة تمتلك بدائل للالتفاف على العقوبات، مثل الاقتصاد الموازي، وفرض الإتاوات غير الرسمية على الشركات والتجار، والاعتماد على السوق السوداء لبيع المشتقات النفطية، واستغلال المساعدات الإنسانية لأغراض التمويل غير المشروع، والتحالفات المالية السرية، وشبكات التهريب والتحويلات المالية غير الرسمية، والخدمات التي تقدمها دول في المنطقة».

وبينما يُنظر إلى استهداف ميناء رأس عيسى على أنه خطوة ذات أبعاد متعددة قد تُعطّل اقتصاد الحرب، يحذر الخبراء الاقتصاديون بأن لدى الجماعة الحوثية وسائل متعددة للاستمرار في الحصول على الموارد ودعم نفوذها.

aawsat.com