الارتهان لمؤسسات بريتون وودز: هل يقود د. جبريل السودان إلى قيد جديد بقلم : د عبدالعزيز الزبير باشا

في خضم محاولات السودان للخروج من أزمته الاقتصادية الطاحنة في ظل الحرب الوجودية ، تطفو على السطح مجددًا محاولات الارتباط بمؤسسات التمويل الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي….
وقد مثّل لقاء وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. جبريل إبراهيم* بالمدير التنفيذي للمجموعة الأفريقية الأولى في البنك الدولي أحدث مؤشر على هذا التوجه الخطير الذي يجب التحذير منه بشدة…
*مؤسسات التمويل الدولية: دعم مشروط أم استعمار اقتصادي؟
لطالما روّجت مؤسسات بريتون وودز – أي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي – نفسها كجهات مانحة للدعم الاقتصادي والمالي للدول النامية، غير أن التجربة التاريخية للدول التي تعاملت معها تروي قصة مختلفة، بل قاتمة في كثير من الأحيان.
تجارب أمريكا اللاتينية، واليونان، وعدد من الدول الأفريقية تُظهر نمطًا متكررًا: دخول هذه المؤسسات يعني تبني برامج تقشفية صارمة، خفض الدعم الاجتماعي ، خصخصة الأصول العامة ، وتحرير السوق بشكل غير متكافئ
وفي كثير من الحالات، لم تُسفر هذه البرامج عن تعافٍ اقتصادي حقيقي، بل عن مزيد من الفقر، وتفكك البنى الاجتماعية، و *إضعاف الدولة. لصالح رأس المال الأجنبي.
*السودان ليس استثناءً… بل حالة أكثر هشاشة
السودان ليست دولة تعيش أزمة اقتصادية فقط، بل حرب وجودية وحصار وتجريف بنيوي للمؤسسات. وفي هذا السياق يصبح الرضوخ لشروط المؤسسات الدولية أكثر فتكًا، لأنه يأتي على حساب أولويات السيادة الوطنية
فعليه وجب تثبيت القرار الاقتصادي داخل البلاد، وإعادة بناء الاقتصاد على أسس الإنتاج التي تناسب البيئة المحلية لا تعتمد على وصفات جاهزة مفروضة من الخارج…
ما يُثير القلق أكثر هو حديث الوزير عن “ تحسن الأداء الاقتصادي ” و” *أستقرار سعر الصرف ”، وهي إشارات على تبني سردية البنك الدولي وصندوق النقد، دون اعتبار لحقيقة أن هذا “ الإستقرار ” غالبًا ما يكون مصطنعًا، هشًا، ومصحوبًا بارتفاع كلفة المعيشة، وازدياد الفجوة بين سبل العيش و الاستهلاك…
*الطاقة المتجددة؟
*نعم. لكن عبر السيادة، و ليس عبر التمويل الخارجي المقيّد
لا شك أن الانضمام إلى مبادرة “ *M300* ” قد يبدو واعدًا من حيث الأهداف، ولكن الدخول في هذه المبادرات عبر التمويل الدولي المشروط يعرض السودان لربط بنيته التحتية الحيوية بأجندات خارجية. كان حريًا بالحكومة السودانية أن تبحث عن شراكات إقليمية تكاملية أو تمويل داخلي/جماهيري مستدام، بدلاً من الارتهان لجهات تمارس السلطة من وراء التمويل…
*الكارثة البيئية والإنسانية … ليست مبررًا لبيع القرار الوطني
حتى في ما يتعلق بتقييم الأضرار الإنسانية والبيئية للحرب، فإن إشراك البنك الدولي ينبغي أن يُقرأ بحذر بالغ. هذه المؤسسات غالبًا ما تُدير الكوارث كـ “ *فرص ” لعقود إعادة الإعمار والخصخصة، لا كقضايا سيادية تتطلب قيادة وطنية حقيقية وشراكات غير استغلالية.
*ختامًا :
*طريق الاستقلال لا يمر عبر واشنطن
من المؤسف أن وزير المالية، بدلاً من أن يقود جهدًا لتأسيس اقتصاد وطني مقاوم ومعتمد على الذات، يسير بخطى متسارعة نحو الأبواب التي طرقها كثيرون من قبل، وخرجوا منها بأيديهم فارغة وبلادهم مثقلة بالديون وفاقدة لقرارها الاقتصادي..
إن بناء اقتصاد سوداني حر ومستقل يتطلب التحرر من التفكير التبعي، والتوجه نحو نماذج تنموية بديلة، وتفعيل القدرات المحلية، ورفض وصفات الخارج مهما بدا بريقها مغريًا…..
والاهم من ذلك هو كيفية توظيف الموارد الموجودة في تراب هذا الوطن بالانتاج و تفعيل مبدء التدارك التنموي نحو بناء النهضة الوطنية….
*وطن و مؤسسات ….
*السودان أولا و أخيراً…
*د. عبدالعزيز الزبير باشا
azzapress.com