خبر وتحليل عمار العركي يكتب : في زمن التحولات الكبرى: زيارة البرهان إلى القاهرة.. قمة عربية ومشروع شراكة مصيرية مع مصر

▪️ في لحظة تكتب فيها الخرائط السياسية بالحبر الساخن، رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة، في زيارة تخرج عن المألوف، وتفتح أبواب مرحلة جديدة من العلاقات المصيرية بين السودان ومصر.
▪️زيارة تأتي بين نارين؛ نيران الحرب في السودان، وأتون التصعيد في فلسطين، تزامناً مع تحركات عربية مكثفة لرسم ملامح الاصطفافات القادمة.
فماذا تقول الدلالات الخفية لهذه الزيارة؟
ولماذا تختلف جوهريًا عن كل لقاءات واتصالات الماضي؟
*_الربط بين اجتماع وزراء الخارجية والقمة الطارئة: مساران لقضيتين محوريتين_*
▪️تكتسب القمة العربية الطارئة بعدًا خاصًا كونها تمثل امتدادًا طبيعيًا لمخرجات اجتماع مجلس وزراء خارجية الدول العربية الذي انعقد الأسبوع الماضي، والذي كرّس مداولاته لقضيتين محوريتين: القضية الفلسطينية بتطوراتها الدراماتيكية في غزة، وقضية السودان بما تحمله من تهديد مباشر لوحدة واستقرار دولة عربية أساسية.
▪️وقد شهد الاجتماع الوزاري إجماعًا واضحًا على مركزية القضيتين، حيث عبّر الوزراء عن دعمهم للحقوق الفلسطينية الثابتة، وأكدوا على أهمية الحفاظ على وحدة وسيادة السودان، ورفض التدخلات الخارجية في شؤونه.
▪️في هذا السياق، تأتي القمة الطارئة لترفع سقف الاهتمام السياسي إلى المستوى الرئاسي، من أجل اتخاذ قرارات حاسمة تترجم هذا الإجماع الوزاري إلى مواقف تنفيذية ومبادرات عملية، خصوصًا في ظل ما تتعرض له غزة من عدوان متواصل، وما يواجهه السودان من محاولات تفكيك خطيرة.
▪️إن الربط بين القضيتين في المسار العربي الرسمي يعزز إدراكًا استراتيجيًا بأن استقرار الإقليم لا يمكن تحقيقه بدون معالجة جذرية للملفات المركزية، وفي مقدمتها فلسطين والسودان، باعتبارهما ركيزتين للأمن القومي العربي بمفهومه الشامل.
*_مشاركة مصيرية سودانية مصرية_
▪️ مشاركة السُودان في القمة العربية الطارئة التي دعت لها مصر لمناقشة التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بمشاركة قادة وزعماء الدول العربية.
▪️ورغم أن الزيارة تأتي في إطار المشاركة بالقمة العربية، إلا أن خصوصيتها تتجاوز الإطار التقليدي للاجتماعات العربية، لتؤكد أن العلاقات السودانية المصرية تشهد لحظة فارقة وتحولاً نوعياً، خاصة مع ما سبق الزيارة من تحضيرات وزخم سياسي غير مسبوق، تمثل في لقاء السفير المصري بالخرطوم هاني صلاح مع الفريق أول البرهان لتسليمه دعوة رسمية باسم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وما تبع ذلك من زيارة عاجلة لمدير المخابرات المصرية إلى الخرطوم حاملاً رسالة خاصة من القيادة المصرية.
▪️لأول مرة منذ اندلاع الحرب في السودان، يتم الإعلان مبكرًا عن تنسيق مباشر بهذا المستوى العالي بين الخرطوم والقاهرة، ويُصاغ للزيارة طابع استراتيجي واضح يتعدى حضور الاجتماعات إلى وضع أسس جديدة لعلاقة مصيرية تقوم على وحدة المصير والمصالح المشتركة.
*_تحوّل نوعي في إدارة العلاقة_
▪️القراءة العميقة لهذه الزيارة تُظهر أننا أمام مقاربة استراتيجية مختلفة، حيث بدا واضحاً أن الملف الاقتصادي وإعادة الإعمار أصبح متقدماً على الملفات التقليدية، في مؤشر إلى وجود نوايا حقيقية لانتقال العلاقة بين البلدين من مرحلة التصريحات إلى مرحلة بناء مشروع تكاملي عملي، يستثمر حقائق الجغرافيا، ووحدة التحديات، وتشابك المصالح.
▪️فمصر التي لعبت دوراً محورياً منذ اندلاع الحرب عبر دعم الشرعية الوطنية السودانية والتمسك بوحدة السودان، تتحرك اليوم لمساندة السودان عبر دعم جهود إعادة بناء مؤسساته وتنشيط اقتصاده، بالتوازي مع تأمين الدعم السياسي الإقليمي والدولي له.
▪️ويتوقع أن تبحث القمة الثنائية بين البرهان والسيسي ملفات التعاون الاقتصادي والإعمار، خاصة مع التقدم الميداني الكبير الذي حققته القوات المسلحة السودانية مؤخراً، مما يتيح انطلاق خطط إسعافية لإصلاح البنى التحتية وإعادة الخدمات الأساسية للمواطنين واللاجئين العائدين.
*_البُعد السياسي والاستراتيجي للزيارة_
▪️زيارة البرهان إلى القاهرة تكتسب بُعدًا سياسيًا واستراتيجيًا خاصًا في ظل تصاعد التهديدات التي تطال وحدة السودان. وتُدرك مصر أن انتصار الجيش السوداني وبقاء السودان موحدًا هو جزء لا يتجزأ من أمنها القومي، وبالتالي فإن لحظة لقاء “عبدالفتاحان” — السيسي والبرهان — في القاهرة، تحمل طابعًا مصيريًا يؤسس لترتيبات مستقبلية عميقة.
▪️وقد عزز توقيت الزيارة أهميتها، حيث جاءت عقب انتصارات نوعية للجيش السوداني على الميليشيا المتمردة، مما يفتح المجال أمام تعاون مصري سوداني فاعل في إعادة الإعمار وتثبيت الاستقرار الداخلي.
▪️كما أن البرهان سيقوم خلال الزيارة بافتتاح مبنى السفارة السودانية الجديد في القاهرة، في إشارة رمزية قوية على استمرارية مؤسسات الدولة السودانية وتجدد حضورها الدبلوماسي.
*” _عبدالفتاحان”.. رمزية وحدة المصير_
▪️يحمل اسم القائدين — عبدالفتاح السيسي وعبدالفتاح البرهان — دلالة رمزية قوية في هذا الظرف التاريخي الدقيق. وكأن الأقدار أرادت أن يتقاسم “عبدالفتاحان” عبء فتح مرحلة جديدة من الشراكة والمصير المشترك بين بلدين تجمعهما وحدة الأرض، والمصير، والتحديات.
▪️إن السودان ومصر أمام اختبار تاريخي لصياغة محور استراتيجي قوي يتصدى لمحاولات التفكيك والاختراق، ويعيد صياغة معادلة الأمن الإقليمي في وادي النيل ومنطقة القرن الإفريقي.
*_ثم ماذا بعد هذا_ …. ؟
▪️في ضوء ما سبق من قراءة تحليلية، بالضرورة أن تقوم الخرطوم باتخاذ خطوات عملية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع القاهرة ، أبرزها:
* إنشاء مجلس تنسيق استراتيجي مشترك يضم ممثلين عن الوزارات السيادية والأمنية والاقتصادية، بخطط عمل مفصلة ومواعيد محددة.
* التوقيع على وثيقة شراكة استراتيجية شاملة تشمل السياسة والأمن والاقتصاد وإعادة الإعمار.
* تعزيز الحضور المشترك في المحافل الدولية لدعم الموقف السوداني سياسيًا واقتصاديًا.
* بناء دبلوماسية شعبية بين شعبي البلدين لدعم العلاقات الرسمية وتعزيزها قاعديًا.
* تطوير آلية إعلامية مشتركة للتصدي للحملات السلبية وإبراز حقيقة الأوضاع في السودان ودور مصر الداعم.
*_خلاصة القول ومنتهاه_
▪️ليست زيارة البرهان إلى القاهرة مجرد مشاركة في قمة عربية طارئة، بل هي خطوة تأسيسية نحو بناء محور مصيري جديد بين السودان ومصر، يتقاسم فيه “عبدالفتاحان” مسؤولية إعادة صياغة المستقبل المشترك لشعبي وادي النيل، في مواجهة تحديات مرحلة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر.
azzapress.com