خبر ⁄سياسي

ترقبا للحظة الاشتعال.. كيف تطور إيران قوتها الجوية

ترقبا للحظة الاشتعال.. كيف تطور إيران قوتها الجوية

رغم انخراط إيران منذ السبت 12 أبريل/نيسان الماضي في المفاوضات مع الولايات المتحدة، لا تزال فرص حدوث اتفاق وشيك بين البلدين غير مؤكدة في ظل تمسك إدارة ترامب، علنيا على الأقل، بمطالب مرتفعة السقف تشمل تفكيك البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل، سواء كان للأغراض المدنية أو العسكرية، فضلا عن تقليص القدرات الصاروخية، وهو ما يتعارض بشكل حاد مع الضرورات الأمنية لطهران، حسب الرؤية الإيرانية.

ويبدو أن طهران باتت تُسابق الزمن لتطوير قدراتها العسكرية استعدادا للمآلات المحتملة إذا فشلت المباحثات الجارية، لاسيما أن ترامب ومسؤولو إدارته يطلقون رسائل التهديد بشن عمل عسكري مباشر ضد منشآتها النووية في حال فشلت المفاوضات، لاسيما أنها تجري في أجواء مشحونة تتداخل فيها الملفات.

ففي وقت سابق قبيل بدء المباحثات، كتب ترامب على منصة "تروث سوشيال" إن إيران تتحمل مسؤولية إمداد الحوثيين بالأسلحة، محذرا من أنها "ستواجه عواقب وخيمة" بسبب ذلك، وهذا التصريح كان قبل إطلاق الصاروخ اليمني الأخير الذي استهدف مطار بن غوريون في تل أبيب، والذي ربما سيلقي بظلال كثيفة على مسار الأحداث.

كما كُشف خلال مقطع بثَّته قناة "فوكس بيزنس" الأميركية عن إرسال الإدارة الأميركية رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، تضمنت منح مهلة مدتها شهران فقط للقيادة الإيرانية من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، وإلا فإنها ستواجه عملا عسكريا يستهدف منشآتها النووية والعسكرية.

إعلان

وفي هذا السياق، يبدو أن ثمة نشاطا متزايدا للجيش الإيراني وقوات الحرس الثوري في الآونة الأخيرة، تضمّن اختبارات لأسلحة دفاعية وهجومية خلال مناورات عسكرية واسعة النطاق، منها مناورة "اقتدار" التي صُمِّمت لمحاكاة الدفاع عن منشأتَيْ "فوردو" و"أراك" النوويتين، وكذلك إجراء تدريبات مفاجئة للدفاع الشامل في محيط مفاعل نطنز النووي بمحافظة أصفهان، فضلا عن مناورة "الحزام الأمني البحري 2025″، بمشاركة روسية صينية، في المنطقة الشمالية من المحيط الهندي، والعمل إجمالا على تعزيز القدرات العسكرية وتطويرها، لا سيما تلك المتعلقة بأنظمة الدفاع الجوي وأسراب المقاتلات.

وكشف الحرس الثوري الإيراني -تباعا خلال الأشهر الأخيرة- عن 3 قواعد عسكرية رئيسية أُنشئت تحت الأرض، في حين أظهرت لقطات مصوّرة بثها تلفزيون إيران الرسمي عشرات من المقذوفات الباليستية داخل هذه القواعد، كان بعضها محمولا على منصات إطلاق متحركة بغرض نشرها بسرعة عند الضرورة.

ومن المعلوم أن طهران تملك ترسانة ضخمة ومتطورة من الصواريخ، يتراوح مداها بين قصير ومتوسط وطويل، وتُعدّ من أكبر ترسانات الصواريخ وأكثرها تنوعا في المنطقة، فضلا عن امتلاكها منظومة الدفاع الصاروخي "إس 300" روسية الصُنع، التي ظهرت مؤخرا خلال تدريبات حية في يناير/كانون الثاني الماضي، بالتزامن مع النسخة المطورة من منظومة الدفاع الصاروخي "باور-373" محلية الصُنع، بحسب ما نقلته وسائل الإعلام الإيرانية، رغم ما زعمته مصادر عسكرية إسرائيلية حول تدمير بطاريات "إس 300" الموجودة على الأراضي الإيرانية بأكملها، وذلك خلال الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في أكتوبر/تشرين الأول الفائت.

بيد أنه مع هذه الترسانة الصاروخية المميزة، لا تزال قوة إيران الجوية وأصولها من المقاتلات، على وجه الخصوص، هي الحلقة الأكثر ضعفا بين مكونات القوات المسلحة الإيرانية، وهذا بتقدير بعض الخبراء، حيث يعاني سلاحها الجوي بسبب القيود الدولية المفروضة عليها التي منعتها من تحديث معداتها وطائراتها الحربية منذ ثمانينيات القرن الماضي.

إعلان

ولتعويض جوانب النقص تلك في القدرات العسكرية المحلية، اعتمدت الإستراتيجية الإيرانية على ما يسمى مبدأ "الردع الأمامي"، الذي يرتكز على توسيع نفوذها خارج حدودها لمواجهة خصومها في أبعد مكان ممكن عن أرضها، عن طريق التنسيق مع عدد من الوكلاء والحلفاء.

لكن هذه الإستراتيجية تعرضت لضرر بالغ مؤخرا، بعد الهجمات القاسية التي تعرض لها حزب الله وسقوط النظام السوري، فضلا عن الضغوط التي يتعرض لها حلفاء إيران في العراق واليمن.

ومع الإشارات الحالية التي تلوّح بمعركة محتملة ستكون داخل أجواء طهران -إنْ لم يستطع الطرفان عقلنة توقعاتهما والوصول إلى اتفاق- وغالبا ما سوف تُدار من السماء بالأساس، فهل لدى إيران قوة جوية مستعدة تُمكِّنها من المواجهة حينئذ؟ وما أبرز الخيارات المتاحة لديها لتحسين قدرة سلاحها الجوي في ظل الأوضاع الحالية؟

حسين سلامي (يسار)، قائد الحرس الثوري الإيراني، وأمير علي حاجي زاده، قائد القوات الجوية في الحرس، في جولة في قاعدة صاروخية تحت الأرض في مكان غير معلوم في إيران. (الفرنسية)

كيف تأسس سلاح الجو الإيراني؟ وكيف تراجع؟

لفهم طبيعة سلاح الجو الإيراني، يمكن النظر في ثلاث مراحل مفصلية مرّ بها خلال مسار تشكُّله وصولا إلى الوضع الحالي.

تبدأ المرحلة الأولى مع بداية تأسيسه في عشرينيات القرن الماضي، خلال حقبة حكم الشاه رضا بهلوي، حين توجّهت إيران إلى الولايات المتحدة بطلب شراء طائرات مقاتلة، لكنّ المسؤولين الأميركيين بادروا بالرفض. ومن ثم لجأت إيران إلى عدة دول أوروبية، من بينها ألمانيا التي كانت أول مزوّد لإيران، حيث أمدتها بطائرات من فئة "يونكرز" (JU-F13). وتلا ذلك موافقة كلٍّ من روسيا وفرنسا على طلبات شراء أخرى من طهران، وسُلِّمت تلك المقاتلات بين عامي 1923-1925.

لكن شراء الطائرات كان الجزء الأسهل في القصة، في حين تمثلت أصعب المراحل في تدريب الطيارين على القيادة، وتدريب طواقم الصيانة والإصلاح، فضلا عن بناء المطارات. وأثناء تلك الفترة، تحوّل سلاح الجو من مكتب صغير يتبع الجيش إلى إدارة مستقلة، حملت اسم: "القوات الجوية الإمبراطورية".

إعلان

ومع ذلك، فقد ذهبت تلك الجهود بأكملها سُدى أثناء الحرب العالمية الثانية، حين تعرضت إيران لهجوم مزدوج من البريطانيين من الجنوب والروس من الشمال، بعد إعلان الشاه تأييده للألمان، واستولى الحلفاء على القواعد الجوية الإيرانية، كما أغلقوا الأكاديمية الجوية ومدرسة تدريب الطيارين ومدرسة الصيانة، وجرى تسريح الجنود من الخدمة وتفكيك أصول القوات الجوية.

أما المرحلة الثانية فبدأت عقب انتهاء الحرب، تحديدا عام 1946، حيث أعادت كلية تدريب الطيارين فتح أبوابها، كما استقبلت كلية الصيانة الدارسين من جديد، وتزامن ذلك مع الحصول على مقاتلات وطائرات استطلاع من الولايات المتحدة، التي أسهمت أيضا في تدريب الأفراد والإشراف على بناء القوة العسكرية لإيران بصفة عامة، حيث أرادت وضع يدها على حقول النفط الإيرانية، فضلا عن القيمة الجيوستراتيجية التي تمثلها إيران بوصفها حاجزا بين روسيا ومياه الخليج.

ورغم أن النظام الإيراني الجديد، الذي تولى السلطة في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، ورث أصول القوات الجوية التي أشرف على بنائها وتكوينها محمد رضا بهلوي، فإن توتر العلاقات مع الغرب حال دون استمرار عمليات التحديث والصيانة، أو مدّ المقاتلات بالذخائر اللازمة للعمل، كما فقد سلاح الجو الإيراني الكثير من قياداته وضباطه وسط حالة الفوضى التي أعقبت الثورة الإيرانية، فضلا عن تعرض عدد من كبار قياداته للاستبعاد، بسبب تورطهم في محاولة انقلاب على النظام الإيراني الجديد في يوليو/تموز 1980، مما أسفر عن انعدام ثقة نظام الجمهورية الإسلامية في القوات الجوية وتحجيم نفوذها.

تحديات استراتيجية

بحسب دوغلاس باري، الزميل الأول في مجال الفضاء العسكري من المعهد الأميركي للدراسات الاستراتيجية، شهد سلاح الجو الإيراني أفضل حالاته قبل اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية، لكنه الآن يواجه صعوبات بالغة في القيام بأدواره ومهامه القتالية، نظرا لأن قدرات مقاتلاته القديمة باتت محدودة في مواجهة التصميمات الحديثة، كما أن دعمها وصيانتها يزدادان صعوبة بمرور الوقت، بسبب القيود الدولية.

إعلان

ويشير المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية إلى أن سلاح إيران الجوي مكوّن بالأساس من طائرات أميركية، تعود إلى حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، إضافة إلى عدد أقل من المقاتلات الروسية التي صُمِّمت في الفترة ذاتها. ومع ذلك، يرى المعهد أن طهران استطاعت بناء قوات جوية ذات فائدة عملياتية تُعد إنجازا بالنظر إلى القيود المفروضة عليها.

ويتفق دوغلاس باري مع هذا الرأي، لكنه أيضا يرى أنه رغم قدرة القوات الجوية والصناعة المحلية الإيرانية على الحفاظ -نوعا ما- على الكفاءة التشغيلية مع تقادم المخزون، والحفاظ على طائراتها المقاتلة لما بعد متوسط عمرها التشغيلي، فإن ذلك لا يمنع حقيقة أن التحديث خلال العقد المقبل أصبح ضروريا، كي تتمكن القوات الجوية الإيرانية من أداء أبسط أدوارها الرئيسية.

ويتألف سلاح الجو الإيراني، بحسب المصدر السابق، من 15 سِربا من المقاتلات الجوية، أبرزها سرب طائرات "سوخوي-24″، والسرب المختلط المُكوّن من 9 طائرات من طرازَيْ "إف-4" و"إف-5″، إضافة إلى سربَيْن من طائرات "ميغ-29" الروسية، وسربين من طراز "إف-14 توم كات" الأميركية، كذلك طائرة من طراز "إف-7 إم جارد" التي تُعد النسخة الصينية من طائرة "ميغ-21" الروسية .

وفي حين تُعد مقاتلة "ميغ-29" الأكثر حداثة بين هذه التصميمات، لكن النسخة الموجودة في الخدمة قديمة مقارنة بالإصدارات الأحدث، بينما طائرة "سوخوي-24″، التي تُعد أقوى طائرات الهجوم الأرضي لدى الإيرانيين، جرى تطويرها في ستينيات القرن الماضي.

طائرة ميغ 29 الروسية(مواقع التواصل)

أضف إلى ذلك أن مخزون الأسلحة جو-جو المناسبة لهذه المقاتلات يُعد متقادما أيضا، ومن أمثلة ذلك أن طهران اشترت منذ نحو 40 سنة صواريخ "فينيكس AIM-54 A" المستخدمة في مقاتلات "إف 14" الأميركية، وعلى هذا فإن أي مخزون متبقٍّ من تلك الصواريخ تجاوز عمره الافتراضي.

إعلان

أما الأدوار الهجومية في ترسانة طهران الجوية، فتختص بها طائرات الفانتوم "إف-4" الأميركية ومقاتلات "سوخوي-24″، التي تمتلك أكبر مخزون فعال متبقٍّ من الأسلحة لدى القوات الجوية، إضافة إلى عدد قليل من طائرات "سوخوي-22". ورغم تقادم الفانتوم فإنها تُعد أكثر الطائرات المستخدمة في سلاح الجو الإيراني، رغم أن فعاليتها باتت محدودة بسبب عدم وجود ذخائر حديثة.

دفعت هذه الظروف الصعبة إيران إلى تبني إستراتيجية دفاعية وعقيدة قتالية تعتمد على تعزيز الإنتاج الصاروخي واعتماده وسيلة ردع. ووفقا لذلك، فإن الدور الأساسي للقوات الجوية الإيرانية هو الدفاع، مع دور هجومي ثانوي ضد أهداف برية أو بحرية، إضافة إلى توفير قدرة نقل جوي داخل مسرح العمليات حين يتطلب الموقف.

لكن الأوضاع الإقليمية الراهنة كشفت أن إعادة بناء القوات الجوية بات ضرورة لطهران، وأن القدرات الصاروخية بمفردها لن تلبي المتطلبات الدفاعية الحالية.

 

ضرورة قصوى وخيارات محدودة

لا تبدو خيارات إيران كثيرة وسط تصاعد الصدام مع تل أبيب وحلفائها الغربيين، ولذا فعلى الأرجح سوف تتجه إيران إلى حلفائها الأقرب في موسكو وبكين لتجديد قواتها الجوية. وقد نقلت وسائل إعلام إيرانية عن مصادر مطلعة أن طهران تعاقدت بالفعل مع موسكو في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 على مروحيات من طراز "ميل 28" الهجومية ومقاتلات "سوخوي-35" من الجيل الخامس.

كما تسلمت طهران من روسيا طائرات من طراز "ياك 130" في سبتمبر/أيلول 2023، وهي طائرة نفاثة ذات مقعدين تُستخدم بالأساس في مهام الهجوم الخفيف وتدريب الطيارين على قيادة المقاتلة "سوخوي-35".

تتضمن "ياك 130" أنظمة طيران إلكترونية متطورة، بما في ذلك رادار من فئة "أو إس إيه" قادر على تتبع 8 أهداف في الوقت ذاته، مع إمكانية حمل مجموعة متنوعة من الأسلحة، مثل الذخائر الموجهة وصواريخ جو-جو من طراز "آر-73".

إعلان

وقد شاركت "ياك-130" في أولى مهامها التشغيلية داخل سلاح الجو الإيراني في المناورة العسكرية واسعة النطاق "ذو الفقار"، التي أُجريت على طول الساحل الجنوبي الإيراني وأجزاء من المحيط الهندي في فبراير/شباط الماضي.

لكن الجدير بالذكر أن طهران لم تحصل إلى الآن على مقاتلات "سوخوي" من موسكو لأن عمليات التسليم باتت تتأخر بسبب أوضاع الحرب الروسية الأوكرانية، كما أن حصولها على هذه المقاتلات لن يُمكِّنها من استغلالها على النحو الأمثل على الفور، نظرا لأن تجديد المنظومة لا يرتبط بالأصول فحسب، بل أيضا بمدى توفر القدرة على استيعاب المقاتلة داخل المنظومة، والتدرب على استخدامها ودمجها في شبكتها الحالية من أجهزة الاستشعار ومراكز القيادة والتحكم ومع الأصول الدفاعية الأخرى، وهو ما يستلزم وقتا ربما لا تمتلكه طهران في ظل الأوضاع الراهنة.

وفي حال دخولها الخدمة فعليا بنجاح، ففي إمكان "سوخوي-35" أن تُمثِّل تهديدا للطائرات المهاجمة المتطورة، مثل المقاتلة الشبحية "إف-35" التي تُعد أحد أهم الأصول الجوية للولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة في حالة تسليح "سوخوي-35" بصواريخ جو-جو بعيدة المدى من طراز "آر-77-1″، أو من خلال الاشتباك في نطاق الرؤية واستخدام خصائص التفوق الجوي التي تتميز بها المقاتلة ضد مقاتلة "إف-35".

وفي هذه الحالة، سوف تتجنب المقاتلات المعادية الاشتباك ضمن مدى الرؤية بغ&#x