خبر ⁄سياسي

السلاح النووي الهندي.. بوذا المبتسم

السلاح النووي الهندي.. بوذا المبتسم

الهند سادس أكبر قوة نووية في العالم، وتقدر ترسانتها النووية في عام 2025 بنحو 180 رأسا نوويا، خُصِّصت لها منظومة إطلاق ثلاثية متطورة من الطائرات والصواريخ الأرضية والغواصات النووية الحاملة للصواريخ الباليستية.

وقد بدأت الهند برنامجها النووي في خمسينيات القرن العشرين، سعيا لتحقيق توازن في صراعها مع الصين، مدفوعة بتصاعد التوتر العسكري مع باكستان، وأجرت أول تجربة نووية لها عام 1974، ثم نفذت في سياق سباق التسلح في المنطقة، خمس تجارب نووية في عام 1998، معلنة بذلك انضمامها إلى النادي النووي العالمي.

النشأة

بدأت فكرة إنشاء البرنامج النووي في الهند بعد فترة قصيرة من استقلالها عام 1947، وقد نشأت الفكرة بفضل مجموعة من العلماء الهنود، بقيادة الفيزيائي هومي بهابها، كانوا متحمسين لهذا التوجه، وتمكنوا من إقناع رئيس الوزراء الهندي آنذاك، جواهر لال نهرو، بأهمية العمل على تطوير الطاقة النووية في البلاد.

وركز البرنامج في مراحله الأولى على الأغراض السلمية للطاقة النووية، مع ترك الباب مواربا لتطويره للأغراض العسكرية، ففي حين وصف نهرو القنبلة الذرية بأنها "رمز الشر"، قال "إذا أُجبرنا على استخدامها لأغراض أخرى، فربما لن تمنعنا أي مشاعر دينية من استخدامها بهذه الطريقة".

إعلان

وبدأ البرنامج بشكل فعلي عام 1954، حين تأسس مركز بهابها للأبحاث الذرية في ترومباي، ووفرت الحكومة ميزانية كبيرة للأبحاث الذرية، وساعدت كندا في تطوير البرنامج، إذ زودت الهند عام 1955 بمفاعل نووي.

ووفرت الولايات المتحدة الأميركية للمفاعل الماء الثقيل وتقنيات ذات استخدام مزدوج، في إطار برنامج "الذرة من أجل السلام" الذي أطلقته أميركا عام 1953، بهدف تطوير الطاقة الذرية المدنية في العالم.

وبدأ تشغيل المفاعل البحثي بداية الستينيات من القرن العشرين، وعمل بهابها جاهدا لإقناع الحكومة الهندية ببدء مشروع القنبلة النووية، لا سيما بعد خسارة فادحة مُنيت بها الهند عام 1962 في حربها مع الصين، وفي عام 1964 اختبرت الصين قنبلتها الذرية الأولى، ما زاد الحاجة إلى رادع نووي في نظر بعض المسؤولين الهنود.

وفي عام 1968، رفضت الهند التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية، التي توجب على الدول غير النووية الموقعة عليها، عدم تطوير برامج أسلحة نووية، بينما تعترف المعاهدة بالبرنامج النووي للدول التي امتلكته بالفعل.

أول تفجير نووي

وفي أعقاب الحرب الهندية الباكستانية عام 1971، التي انتهت بانتصار الهند، وانفصال بنغلاديش عن باكستان، جلب الصراع الذي أصبح مزمنا بين البلدين، دافعا إضافيا لامتلاك الهند سلاحا نوويا.

وفي عام 1972 اتخذت رئيسة الوزراء الهندية آنذاك، إنديرا غاندي، قرارا رسميا بإجراء تجربة نووية، وكانت من أبرز الداعمين لامتلاك السلاح النووي، وكان بهابها -الذي عُرف لاحقا بـ"أبو القنبلة النووية الهندية"- قد توفي عام 1966 وحل محله الفيزيائي راجا رامانا رئيسا لمركز الأبحاث النووية.

وقاد رامانا فريقا مكونا من أكثر من 75 عالما صمموا وأنتجوا جهاز انفجار يعتمد على البلوتونيوم، وفي مايو/أيار 1974، أجريت أول تجربة تفجير لجهاز نووي هندي في موقع بوخران للتجارب النووية جنوب غرب نيودلهي، وأصبحت الهند بذلك سادس دولة تُجري تفجيرا نوويا.

إعلان

ولم تكن التجربة النووية سلمية كما أُشيع، إذ اعترف رامانا لاحقا بأن الجهاز الذي تم تفجيره كان قنبلة.

وأُطلق على هذه التجربة اسم "بوخران 1″، ولكنها اشتُهرت باسم "بوذا المبتسم"، لأن رامانا، كما يقال، أبلغ غاندي بنجاح التجربة عبر رسالة مشفرة قائلا "بوذا يبتسم".

وعقب التفجير، سحبت كندا دعمها للبرنامج النووي، وتعرضت الهند لعقوبات دولية، وواجهت في السنوات اللاحقة صعوبة بالغة في الحصول على المواد النووية من السوق الدولية بسبب التضييق والعقوبات، وعانى برنامجها النووي من نقص إمدادات الوقود والدعم التكنولوجي.

ومع ذلك، تجاوزت الهند العقبات، وتمكنت في نهاية المطاف من بناء مفاعل دروفا النووي الضخم في ترومباي عام 1977، وبعد نحو عقد بلغ المفاعل طاقته القصوى، وبات بمرور الأيام ينتج معظم البلوتونيوم لبرنامج الأسلحة النووية الهندي.

بوخران 2

في عقد التسعينيات من القرن العشرين، وجدت الهند نفسها أمام ضغوط دولية متزايدة للحد من برنامجها النووي وتوقيع معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية عام 1996، التي هدفت إلى إنهاء كافة أشكال التجارب النووية، بما في ذلك التجارب التي تُجرى تحت الأرض.

وانعكست الصعوبات التقنية الناجمة عن عزلة البلاد، على مفاعلات الطاقة النووية، التي كانت حتى منتصف التسعينيات من بين أدنى معدلات السعة في العالم، لكنها ارتفعت بشكل لافت في النصف الثاني من ذلك العقد.

وكان توسيع الصين وتحديث ترسانتها النووية، وتعاونها في دعم البرنامج النووي الباكستاني وتكنولوجيا الصواريخ، عاملا حاسما في زيادة المخاوف الهندية، ودفع الحكومة نحو المضي قدما في المشروع النووي العسكري، وإحاطته بسرية بالغة، لتجنب اكتشافه من قِبل الأقمار الصناعية الأميركية.

وفي 11 مايو/أيار 1998 أجرت الهند اختبارا لخمس قنابل نووية، ورغم أن بعض القنابل لم ينفجر، فقد أعلن رئيس الوزراء الهندي في ذلك الوقت، أتال بيهاري فاجبايي، بعد أيام من التجربة التي أُطلق عليها عملية شاكتي أو بوخران 2:"أصبحت الهند الآن دولة نووية، لدينا القدرة على صنع قنبلة ضخمة".

إعلان

الموقف الدولي

واجهت الهند إدانة دولية واسعة بعد تجارب بوخران 2، وخاصة من جانب الولايات المتحدة، التي فرضت العديد من العقوبات عليها، ومع مطلع القرن الحادي والعشرين بدأت الهند تبدي مرونة أكبر عبر الاستجابة لبعض المطالب الدولية، والتعاون النووي السلمي مع دول العالم.

بدأت العلاقات بين الهند والولايات المتحدة تتحسن تدريجيا، وفي عام 2005 توصل البَلدان إلى اتفاقية بشأن الطاقة النووية المدنية، منحت الهند حق الوصول إلى المواد النووية عبر مجموعة موردي المواد النووية الدوليين.

وفي المقابل، توجب على الهند تقديم ضمانات بشأن المنشآت النووية المدنية، بما في ذلك خضوعها لعمليات تفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلا عن إجراء عمليات تفتيش إضافية عبر اتفاقيات تعاون منفصلة مع الولايات المتحدة.

وبعد الاتفاقية، أظهرت المملكة المتحدة دعما قويا لتعزيز التعاون في هذا المجال، وتبعتها كل من فرنسا وكندا، وخففت وزارة التجارة الأميركية والمملكة المتحدة وكندا القيود المفروضة على تصدير التكنولوجيا النووية إلى الهند، ووافقت كندا على السعي لتطوير التعاون في مجال الطاقة الذرية السلمية مع الهند.

وفي العام 2008، تم الاتفاق على إعفاء الهند تماما من الحظر المفروض عليها في التجارة العالمية من قِبل مجموعة موردي المواد النووية، وذلك اعترافا بسجلها في مجال منع الانتشار، وحرصها على ضمان حماية موادها وتقنياتها النووية من التصدير التجاري أو غير المشروع إلى دول أخرى.

وأصبحت الهند عضوا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ذلك العام، وخضعت مفاعلاتها النووية المدنية لضمانات الوكالة في إطار خطة الفصل بين البرنامج النووي المدني والعسكري.

وفُتح المجال أمام الهند للحصول على كل من المفاعلات والوقود من الموردين في دول أخرى، وتم توقيع اتفاقيات تعاون نووي مدني مع العديد من الدول، مثل: روسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وكوريا الجنوبية وجمهورية التشيك وكندا وأستراليا والأرجنتين، وغيرها.

إعلان

العقيدة النووية الهندية

تتمحور العقيدة النووية الهندية حول ركيزتين أساسيتين:

  • الحد الأدنى من الردع المعقول

إذ تؤكد الهند أن الهدف من بناء ترسانتها النووية هو المحافظة على سلامة أراضيها، عن طريق ردع استخدام الأسلحة النووية ضدها أو ردع التهديد باستخدامها.

وتتبع الهند سياسة الردع بالعقاب، التي تقوم على إستراتيجية إحداث أضرار هائلة، وليس مجرد تنفيذ ضربات إستراتيجية مضادة بهدف تدمير الترسانة النووية للعدو، وقد أعلنت الهند عن عزمها تنفيذ رد انتقامي شامل لإحداث أضرار جسيمة في حال تعرضها لضربة أولى.

وتستهدف الهند بالردع بشكل أساسي جارتيها النوويتين: الصين وباكستان، اللتين لهما تاريخ طويل في الصراع معها، ولكنها لا تحدد حجم القوة النووية التي تصلح أن تكون رادعة.

وكان التركيز حتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، منصبا على ردع باكستان، ومع تطوير الهند صواريخ بعيدة المدى قادرة على استهداف جميع أنحاء الصين، بدأ يظهر بوضوح أنها تركز بشكل متزايد على ردع الصين، ومع ذلك، لا تسعى للدخول في سباق تسلح معها، بحسب تصريحات المسؤولين الهنود.

  • عدم المبادرة بالاستخدام

التزمت الهند منذ عام 1999 بسياسة عدم المبادرة باستخدام الأسلحة النووية، ولكن هذا التعهد تم تعديله عام 2003، ثم أُعيد تأكيده في 2018، ليشمل تحذيرا بأن أي هجوم بيولوجي أو كيميائي على الهند هو مبرر كاف للرد النووي من قبلها.

وبناء على ذلك، قد تستخدم الهند القوة النووية ردا على الهجوم عليها بأسلحة دمار شامل غير نووية.

الترسانة النووية

لا تكشف الهند عن حجم ترسانتها النووية، التي تواصل تحديثها وتوسيعها بشكل مطرد، وتمارس سياسة التعتيم بشدة بشأنها، فقد أدرجت قيادة القوات الإستراتيجية ضمن قائمة المنظمات الأمنية المعفاة من تطبيق قانون الحق في الحصول على المعلومات، ويمنع هذا الإجراء الجمهور من صحفيين وباحثين وغيرهم من الوصول إلى معلومات حيوية تتعلق بالترسانة النووية الهندية.

إعلان

وبحسب تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وصل إجمالي مخزون السلاح النووي الهندي في يناير/كانون الثاني 2024 حوالي 172 رأسا حربية، وهو الرقم نفسه الذي توصلت إليه التحقيقات في مقال نشرته مجلة "نشرة علماء الذرة".

وتوسعت الترسانة منذ ذلك الحين، إذ قدّر اتحاد العلماء الأميركيين مخزون الترسانة في عام 2025 بنحو 180 رأسا نووية.

وتعتمد الهند في برنامج الأسلحة النووية على البلوتونيوم، ووفق أرقام اللجنة الدولية للمواد الانشطارية، أنتجت الهند حتى مطلع 2023 حوالي 680 كيلوغراما من البلوتونيوم القابل للاستخدام في تصنيع الأسلحة النووية.

وهذا المقدار يُعتبر كافيا من الناحية النظرية لإنتاج ما بين 130 و210 رؤوس حربية نووية، مع الأخذ بعين الاعتبار نوع الأسلحة النووية التي قد تنتجها الدولة، إذ تختلف كميات البلوتونيوم المخصب المستخدمة في الأنواع المختلفة.

منظومة الإطلاق

بُني هيكل القوة النووية الهندية على نظام ثلاثي التسليح، يضم ثلاثة أنواع من منصات الإطلاق: برية وجوية وبحرية.

  • المنصات البرية

باشرت الحكومة الهندية برنامج تصنيع الصواريخ الباليستية عام 1983، وفي التسعينيات من القرن العشرين وما بعدها تم تصنيع نوعين من الصواريخ الأرضية القادرة على حمل رؤوس نووية، وتطويرها، وتشمل:

1 ـ صاروخ أغني الباليستي

وتمتلك الهند منه فئات متعددة، قابلة للنقل عبر الطرق والسكك الحديدية:

أغني 1: ومداه لا يقل عن 700 كيلومتر، بحمولة مقدارها 1000 كيلوغرام.أغني 2: مداه لا يقل عن 2000 كيلومتر، بحمولة مقدارها 1000 كيلوغرام.أغني 3: مداه أكثر من 3200 كيلومتر، بحمولة تقدر بـ2000 كيلوغرام.أغني 4: مداه أكثر من 3500 كيلومتر، بحمولة مقدارها 1000 كيلوغرام.أغني 5: ومداه أكثر من 5000 كيلومتر.أغني 6: وهو صاروخ عابر للقارات، ويزيد مداه على 6000 كيلومتر.

2 ـ صاروخ بريثفي 2

وهو صاروخ باليستي قصير المدى، مداه 250 كيلومترا.

إعلان

وتواصل الهند تطوير ترسانتها من الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة القادرة على حمل أسلحة نووية، ويُقدّر معهد ستوكهولم جملة الصواريخ التي حازتها الهند من جميع الفئات حتى يناير/كانون الثاني 2024 بحوالي 80 صاروخا عاملا، فضلا عن ثلاثة صواريخ باليستية أرضية أو أكثر قيد التطوير، بما في ذلك صاروخا أغني من فئتي بي وفي.

  • المنصات الجوية

تمتلك القوات الجوية الهندية مجموعة متنوعة من الطائرات المقاتلة المتطورة، تُعد مؤهلة للعمل منصات إستراتيجية لحمل الأسلحة النووية وإيصالها، وتشمل طائرات "ميراج 2000 إتش" بمدى يصل إلى 1850 كيلومترا، وحمولة تقدر بـ32 رأسا نووية.

طائرات "جاغوار آي إس" بمدى يصل إلى 1600 كيلومتر، وحمولة تق&