ليبيا: مناخ سياسي واجتماعي محتقن يولد مزيدا من الضغائن

تمرّ ليبيا راهناً بمرحلة توصف بأنها «خطيرة»، يغلفها مناخ سياسي واجتماعي «محتقن» لا يخلو من «الشائعات» والتلاسن بين قادة شرق البلاد وغربها، وسط تحذيرات أممية من تصاعد «خطاب الكراهية».
وبات يلاحَظ ازدياد هذا المناخ داخل كل جبهة وفصيل، سواء كان سياسياً أو عسكرياً، إلا أن الانقسام الذي تعيشه ليبيا منذ عام 2014 بين شرق ليبيا وغربها، تجذّر في المجتمع، وباتت تذكيه حالة من «الكراهية» بين المساندين لهذا أو ذاك.
ويرى سياسيون ليبيون أن الأوضاع الراهنة في بلدهم، منذ أن شكّل البرلمان في شرق ليبيا حكومة «موازية» عام 2022، وعجزه عن إزاحة غريمتها في طرابلس، تسببت في تفاقم حدة الاستقطاب الذي نما على أطرافه فريقان يتناحران عبر المنصات الإعلامية.
ويقول سياسي ليبي بغرب ليبيا إن المناصرين «لأي من الفريقين باتوا يتلقفون أي قضية قد تكون أحداثها وقعت على أرض الخصم، وينفخون في نارها بقصد تحقيق مكاسب وذلك من باب المكايدة»، لافتاً إلى أن مثل «هذه المناكفات باتت تشكل خطورة على ليبيا؛ وتولِّد شائعات؛ ما يزيد حالة الكراهية والضغينة بين المواطنين».
الدبيبة والتشكيلات المسلحة
السياسي الليبي، الذي رفض ذكر اسمه لحساسية موقعه، أشار إلى الحملة التي ترعاها البعثة الأممية في ليبيا بشأن مناهضة خطاب الكراهية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك خطر حقيقي يتهدد ليبيا؛ خصوصاً العاصمة طرابلس».
وذهب إلى أن «العلاقة بين عديد من التشكيلات المسلحة وعبد الحميد الدبيبة (رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة) باتت متداخلة وغير مفهومة؛ هناك طوق من نار يحيط بالعاصمة، والشائعات لم تتوقف، والدس في الأخبار والطعن على مواقع التواصل، مستمران».
ويرى أكرم النجار، رئيس تحرير منصة «علاش» الليبية، أن «هناك مؤشرات على أن حكومة (الوحدة الوطنية) تقترب من نهايتها، في ظل احتدام غير مسبوق للصراع داخل طرابلس بين التشكيلات المسلحة الموالية لها»، لافتاً إلى أن هذا التصعيد «يأتي وسط أزمة مالية خانقة تمر بها البلاد، وارتفاع كبير في سعر الدولار في السوق الموازية».
ويشير النجار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «اشتداد الانقسام بين معسكر حفتر في شرق ليبيا ونظيره في طرابلس الموالي للديبية، وسط تبادل مستمر للاتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، والكلام عن استقبال مهاجرين مرحلين قسراً من الولايات المتحدة ، حيث يتهم كل طرف الآخر بإبرام الصفقة مع إدارة الرئيس الأميركي ترمب».
مصراتة
تعيش مدينة مصراتة (مسقط رأس الدبيبة) منذ أيام مناخاً اجتماعياً محتقناً بين أذرع عسكرية موالية له؛ ما دفع البعض إلى التهديد بالعصيان المدني، إلى جانب ذلك، يصعّد عبد الغني الككلي الشهير بـ«غنيوة» والقوات التابعة له ضد الدبيبة، فيما تطلّ أجواء مشابهة في مدينتي الزاوية والخمس.
وفي ظل هذا التوتر، تكثف الأجهزة الأمنية والعسكرية من عمليات تأمين محيط فيلا الدبيبة في حي الأندلس بالعاصمة طرابلس، وفق ما قال مصدر «تحسباً لوقوع هجوم محتمل من غاضبين».
ونقل شهود عيان لـ«الشرق الأوسط»، الأحد، جانباً من هذه العمليات، مشيرين إلى أنهم شاهدوا مسلحين ملثمين يتمركزون بالقرب من مقر الدبيبة.
وتتبنى البعثة الأممية خطاباً تحذيرياً من «خطاب الكراهية» المتصاعد في ليبيا، عبر ورش عمل متعددة عقدتها في أكثر من مدينة، وتشير البعثة إلى خطورة هذا الأمر وتأثيراته بشكل عام.
وتضيف البعثة: «تاريخياً، خطاب الكراهية تسبب في التمهيد لجرائم مروعة بما في ذلك الحروب والإبادة الجماعية»، وترى أن «تسليح الخطاب العام من أجل تحقيق مكاسب سياسية ليس بالأمر الجديد للأسف، ويمكن أن يؤدي خطاب الكراهية والمعلومات المضللة إلى التمييز والتحقير والعنف على نطاق واسع ومدمر».
والفيديوهات الخاصة بالنائب المخطوف إبراهيم الدرسي، وهو مكبّل من عنقه بالسلاسل، واحدة من الأوراق التي يلوّح بها أنصار حكومة الدبيبة في مواجهة جبهة شرق ليبيا، بينما استغل الطرف الأخير قضية المهاجرين الذين كانت أميركا بصدد «ترحيلهم» إلى مصراتة، وفق تقارير غربية.
وتموج الأوساط السياسية والاجتماعية في ليبيا راهناً، بحالة من الخلافات المتصاعدة منذ ظهور فيديوهات الدرسي بين «مشككين» فيها ينتمون إلى شرق ليبيا، وآخرين من غربها يطالبون بـ«التحقيق الفوري»، والكشف عن مصير النائب الذي خُطف من منزله في بنغازي قبل نحو عام.
وعلى مقربة من هذه الجدلية، تتصاعد حدة الانتقادات المتبادلة بين عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، والدبيبة، الذي قال: «كان يجب أن يفتح عقيلة صالح باب الحقيقة، ويُلغي هذا الصمت المريب، ويطرح السؤال المؤجل الذي يلاحقه من مسؤوليته الأخلاقية والعرفية قبل النيابية: أين نوابه المغيبون من أبناء وطنه؟». في إِشارة إلى الدرسي، وزميلته المختفية سهام سرقيوة.
وكان الدبيبة، يرد على تحركات صالح في فتح باب الترشح لـ«حكومة جديدة» بشكل متكرر، وهي خطوة وصفها الأول بأنها «غير مجدية، وتؤدي إلى إطالة أمد المرحلة الانتقالية في ليبيا».
وزاد أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب من انتقاده للدبيبة، وقال: «يدّعي استعداده للدفاع عن الجنوب، والواقع يشير إلى عدم سيطرة حكومته إلا على مقرها في طريق السكة بطرابلس؛ والأولى معالجة أوكار المهربين والمجرمين داخل العاصمة قبل التوجه إلى الجنوب، إن استطاع ذلك».
وسبق أن خطف مسلحون سرقيوة، النائبة عن مدينة بنغازي، عقب عودتها من لقاء برلماني في القاهرة عام 2019، بعدما أصابوا زوجها في إحدى ساقيه بالرصاص، ودمروا كاميرات مراقبة مثبتة بمحيط منزلها لإخفاء معالم الجريمة، واقتادوها معهم، بحسب مقربين من أسرتها.
ولا تزال تتصاعد قضية الدرسي، الذي خُطف من منزله ببنغازي قبل نحو عام، بينما تشير مصادر إلى أن النائب العام الصديق الصور، شكّل لجنة للتحقيق في قضيته عقب بلاغ تقدم به رئيس مجلس النواب، على أن تبدأ عملها خلال اليومين المقبلين.
aawsat.com