خبر ⁄سياسي

شيء للوطن م.صلاح غريبة يكتب : جسور المعرفة والتراث: دنقلا القاهرة ورؤيتها لبناء سودان الغد

شيء للوطن م.صلاح غريبة يكتب :  جسور المعرفة والتراث: دنقلا القاهرة ورؤيتها لبناء سودان الغد

[email protected]

في زمن تتسارع فيه وتيرة التحديات وتتكاتف الجهود لبناء المستقبل، تبرز مبادرات المجتمع المدني كركيزة أساسية للتنمية والتعاون. وفي هذا السياق، تأتي جمعية دنقلا للثقافة والتراث النوبى مكتب القاهرة كنموذج مضيء للعطاء والعمل الدؤوب، ليس فقط في صون الموروث الثقافي، بل وفي الاستثمار الحيوي في الكوادر البشرية الشابة. الإنجاز الأخير، والمتمثل في إطلاق الدورة التدريبية المكثفة حول “الإعلام الحديث” للسودانيين بالقاهرة، هو شهادة دامغة على رؤية الجمعية الثاقبة والتزامها الراسخ بمستقبل السودان وتعزيز العلاقات المصرية السودانية.
لقد مثّل انطلاق هذه الدورة، في الحادي عشر من مايو 2025، بمقر جريدة الجمهورية العريقة، أكثر من مجرد فعالية تدريبية؛ لقد كان تجسيداً حياً لعمق الروابط الأخوية التي تجمع مصر والسودان. بمشاركة 24 دارساً من مختلف المؤسسات الإعلامية السودانية، لم تقتصر الدورة على نقل المعرفة فحسب، بل كانت منصة لتبادل الخبرات وتعميق أواصر الصداقة بين أبناء البلدين. حضور المستشار الثقافي لسفارة السودان بمصر، الدكتور عاصم أحمد حسن، ووزيرة العمل والإصلاح الإداري السودانية الأسبق، السيدة سعاد أحمد الطيب، واللواء أمين إسماعيل مجذوب، إلى جانب قيادات جريدة الجمهورية، يؤكد على الأهمية الاستراتيجية التي توليها الأطراف المعنية لمثل هذه المبادرات.
ما يميز إنجاز جمعية دنقلا في هذا الصدد هو الرؤية الاستشرافية التي دفعت لتنظيم الدورة. فبينما يمر السودان بمرحلة دقيقة تتطلب تعزيز الكوادر الوطنية في شتى المجالات، أدركت الجمعية الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام الحديث في تشكيل الرأي العام وفي بناء السرد الوطني. كما أكدت الدكتورة ست البنات حسن، رئيس جمعية دنقلا فرع القاهرة، فإن “الإعلام الحديث بتقنياته المتجددة والمنصات المتنوعة، يمثل تحدياً كبيراً مما يتطلب منا فهماً عميقاً لأدواته ومهاراته المتجددة في التعامل معه، بالإضافة إلى المسؤولية الأخلاقية في استخدامه”. هذا الإدراك لا يعكس فقط مواكبة الجمعية للتطورات العالمية، بل يؤكد إيمانها بضرورة تمكين الشباب بالمعرفة والأدوات اللازمة لفهم المشهد الإعلامي المتغير، بما يخدم الوطن السودان في معركة الكرامة وبعدها.
إن اختيار “الإعلام الحديث” كمحور لهذه الدورة ليس عشوائياً، بل هو استجابة ذكية لحاجة ماسة في المشهد السوداني الراهن. ففي عصر المعلومات المتدفق، يعد تسليح الشباب بالمهارات الإعلامية المتقدمة، من صحافة رقمية وإدارة محتوى ومنصات التواصل الاجتماعي، أمراً لا غنى عنه لبناء خطاب وطني واعٍ ومسؤول، قادر على مواجهة التحديات ونقل الصورة الحقيقية للوطن. وقد شدد المستشار الثقافي الدكتور عاصم أحمد حسن على أهمية التدريب للشباب والطلاب في المرحلة المقبلة “من أجل بناء سودان جديد ومعافى”، وهو ما يتسق تماماً مع أهداف الجمعية.
علاوة على ذلك، تبرهن هذه المبادرة على الدور الرائد الذي تلعبه جمعية دنقلا في تعميق العلاقات المصرية السودانية. في استضافتها للدورة في مؤسسة إعلامية مصرية عريقة كجريدة الجمهورية، وعبر التعاون الوثيق مع السفارة السودانية، فإن الجمعية لا تقدم خدمة تدريبية فحسب، بل تعزز جسور التواصل والتبادل الثقافي والمهني بين البلدين الشقيقين. وقد أكدت وزيرة العمل السودانية الأسبق، سعاد الطيب، على متانة العلاقات بين البلدين، مجسدةً بذلك روح التعاون التي تسعى الجمعية لترسيخها.
في الختام، إن إنجازات جمعية دنقلا للثقافة والتراث النوبي فرع القاهرة، وخاصة تنظيم دورة “الإعلام الحديث”، هي أكثر من مجرد أنشطة ثقافية أو تدريبية؛ إنها استثمار استراتيجي في المستقبل، وبناء للقدرات، وتأكيد على الدور الحيوي للمجتمع المدني في أوقات الأزمات والتحديات. إنها شهادة على أن الجمعية لا تكتفي بصون الماضي المجيد، بل تنظر بعين فاحصة نحو بناء مستقبل أفضل، مسلح بالمعرفة والمهارة، لخدمة السودان الحبيب وتعزيز مكانته في المنطقة والعالم. هذه الجهود لا تستحق الشكر والتقدير فحسب، بل تستدعي الدعم والمتابعة لتتسع آفاقها وتتعدد إنجازاتها.

azzapress.com