خبر ⁄سياسي

كيف أعاد ترامب تشكيل السياسة الأميركية بالمنطقة بعيدا عن إسرائيل

كيف أعاد ترامب تشكيل السياسة الأميركية بالمنطقة بعيدا عن إسرائيل

تتزايد مؤشرات التوتر في العلاقات الأميركية الإسرائيلية بعد اتخاذ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عدة خطوات عُدّت خروجا عن الثوابت التقليدية لدعم إسرائيل، حسب ما أكده عدد من المفكرين والباحثين في تصريحات للجزيرة نت.

وتتصاعد الخلافات بين إدارة ترامب وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خلفية ملفات عدة بالمنطقة تجاوزت فيها الولايات المتحدة إسرائيل، وعلى رأسها الاتفاق المباشر مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من أجل الإفراج الفوري عن الأسير الأميركي عيدان ألكسندر.

وكذلك اتفاق أميركا مع جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن على وقف الهجمات المتبادلة، من دون أن يشمل ذلك إسرائيل، وأيضا الذهاب بعيدا في المفاوضات بين واشنطن وطهران على غير رغبة إسرائيل، وأحدث الملفات كان قرار ترامب رفع العقوبات المفروضة على سوريا.

كما تتزامن هذه المتغيرات مع جولة خليجية للرئيس الأميركي تشمل 3 محطات (السعودية وقطر الإمارات)، وشارك في يومه الأول بالرياض في القمة الخليجية الأميركية، كما عقد لقاء -هو الأول من نوعه- مع الرئيس السوري أحمد الشرع، وشارك فيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

إعلان

واليوم الأربعاء، بدأ ترامب زيارة إلى العاصمة القطرية، وذكرت وسائل إعلام أميركية أن الدوحة شهدت جلسة مباحثات بشأن التوصل لوقف إطلاق نار في قطاع غزة، شارك فيها وفد إسرائيلي رفيع المستوى وكل من المبعوث الأميركي الخاص بالشرق الأوسط ستيف ويتكوف والمبعوث الأميركي لشؤون المحتجزين آدم بولر.

ترامب (وسط) شارك أمس الثلاثاء في قمة خليجية أميركية بالرياض (غيتي)

تصاعد الخلافات

ويجمع المحللون -الذين تحدثوا للجزيرة نت- على أن هذه التحولات لا تنبع من رؤية فلسفية متماسكة بقدر ما ارتبطت بعوامل شخصية لدى ترامب وتطلعه لتحقيق إرث رئاسي وإنجازات استثنائية، حتى لو اقتضى الأمر تجاوز رغبات نتنياهو وتهميش الدور الإسرائيلي في ملفات إقليمية حساسة.

فالمفكر الفلسطيني والعربي منير شفيق يرى أن سياسات ترامب الأخيرة بشأن قضايا المنطقة تتناقض صراحة مع مواقف حكومة نتنياهو، وتكشف خلافا عميقا بين واشنطن وتل أبيب. ويذكر شفيق أنّ فتح باب المفاوضات مع حماس أحدث صدمة في الأوساط الإسرائيلية لأنه ينطوي على اعتراف ضمني بحماس كطرف فلسطيني مقرر، الأمر الذي دفع إسرائيل لممارسة ضغوط شديدة لوقف هذا المسار.

أما الاتفاق مع الحوثيين فيرى فيه شفيق انتصارا لجماعة الحوثي وعزلة متزايدة لإسرائيل وحتى للموقف البريطاني، في حين اعتبر العودة للتفاوض مع إيران "ضربة قاسية" لنتنياهو الذي راهن على حرب أميركية إسرائيلية ضد طهران.

ويضيف المفكر الفلسطيني أن قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا يتعارض مع رغبة نتنياهو في إبقاء سوريا ضعيفة ومجزأة تحت رحمة القصف والتدخل. مبينا أن هذه الخلافات، وإن عكست عقيدة التحالف العضوي بين أميركا وإسرائيل، فإنها تكشف صراع قيادة بين الطرفين قد يصل إلى لحظة حاسمة لمصير نتنياهو السياسي، على حد وصفه.

دوافع ترامب الحقيقية

وحسب الكاتب والباحث السياسي أسامة أبو أرشيد من واشنطن، فإن التحولات في سياسة ترامب بالمنطقة لا يمكن اختزالها في شعار "أميركا أولا" وحده، رغم حضوره القوي في نهج الرئيس الأميركي. موضحا أن هذه المقاربة تتسم بطابع براغماتي وسريع التغير.

إعلان

وفي نقاط تحليلية، يوضح أبو أرشيد أن دوافع ترامب الحقيقية التي تحرك مواقفه السياسية وقراراته تخضع لمزيج من الأبعاد الشخصية والمؤسساتية على النحو التالي:

  • البعد الفلسفي: التحولات السياسية والتطورات التي نراها في سياسات إدارة ترامب نحو المنطقة وعدد من ملفاتها تعكس -من ناحية إطارية- فلسفة شعار "أميركا أولا"، فالمصلحة الأميركية حاضرة حسب ما يراه دونالد ترامب، ووفق مقاربته لهذه المصلحة.
  • البعد الشخصي: شخصية ترامب ذات طابع فردي، ويغلب عليها السعي للتميز وصناعة إنجازات شخصية تُسجل باسمه وحده، مما يجعله يميل إلى اتخاذ قرارات تخرج أحيانا عن الخط التقليدي للسياسة الأميركية.
  • الإرث الرئاسي: في فترة رئاسته الثانية يسعى ترامب إلى ترك إرث سياسي حقيقي يُخلّده في التاريخ الأميركي، وهذا ما يدفعه إلى محاولة تحقيق اختراقات في ملفات شائكة فشل فيها من سبقه من الرؤساء، مثل التفاوض مع إيران أو الاتفاق مع الحوثيين أو حتى الانفتاح على حركة حماس.
  • البعد التعاقدي: يكمن هذا البعد في البحث الدائم عن "صفقات" أو نجاحات تُسجل كنتيجة مباشرة لتحركاته، حتى لو كان ذلك على حساب حلفاء تاريخيين كإسرائيل.

ويؤكد أسامة أبو أرشيد أن هذه العوامل مجتمعة تقود ترامب إلى إعادة ترتيب الأولويات الأميركية في المنطقة؛ فعندما يرى أن إسرائيل باتت تشكّل عبئا أو أنها تعرقل طموحاته، فإنه لا يتردد في تجاوزها بما يخدم مصالحه الذاتية ومصالح أميركا كما يراها.

وضرب الباحث والكاتب الفلسطيني على ذلك أمثلة عدة، ومنها:

  1. عدم ربط المفاوضات مع السعودية أو الدفاع عن مصالحها باتفاقيات مع إسرائيل، خاصة في ظل تعثر التقدم في ملف وقف إطلاق النار في غزة.
  2. تجاهل الشروط الإسرائيلية في التعامل مع سوريا، حيث مضى ترامب في رفع العقوبات عنها رغم اعتراضات نتنياهو المتكررة.
  3. فتح قناة تفاوضية مع حماس، رغم الرفض الإسرائيلي الصريح.
إعلان

إزاحة إسرائيل

وقد تكون تحركات ترامب في ملفات المنطقة خطرا حقيقيا بالنسبة لإسرائيل الآن، إذ إن نجاح واشنطن في بناء تفاهمات إقليمية من دون إشراك تل أبيب يعد إزاحة تنقل إسرائيل إلى هامش المشهد الإقليمي، ويجعلها في موقع التابع للقرارات الأميركية، ولم تعد شريكا إستراتيجيا مؤثرا، حسب ما يراه الكاتب المختص في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين.

ويشير جبارين إلى أن توجهات إدارة ترامب كشفت عن تغير حقيقي في النهج الأميركي تجاه إسرائيل، التي انتقلت من مجرد ترديد شعار "أميركا أولا" إلى تطبيقه بحرفية وواقعية على الأرض.

ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي أن ترامب رغم نزعته الشعبوية في كثير من الأحيان، فإنه أدار الملفات الساخنة في الشرق الأوسط ببراغماتية واضحة، وغيّر بشكل ملموس مبدأ التعامل الأميركي مع إسرائيل، معتبرا إياها شريكا يمكن تجاوزه إذا اقتضت المصلحة.

ويوضح جبارين أن إدارة ترامب كسرت احتكار إسرائيل لملف التفاوض مع حركة حماس من خلال فتح خط حوار مباشر مع الحركة، في خطوة وصفها بأنها "كسرت أحد أقدس المحرمات" بالنسبة للمؤسسة السياسية الإسرائيلية.

كما أن عملية إطلاق سراح الأسير الأميركي عيدان ألكسندر جاءت لتعزز صورة ترامب كزعيم حازم وقادر على فرض السياسات الأميركية من دون الحاجة لإشراك "تل أبيب" أو تلبية شروطها.

وفي الملف اليمني، يشير جبارين إلى أن واشنطن ابتعدت عن الانخراط العسكري إلى جانب تل أبيب في مواجهة الحوثيين، ورفضت التورط في صراعات لا تخدم المصالح الأميركية بشكل مباشر، رغم الضغوط الإسرائيلية المستمرة.

أما بشأن إيران، فيؤكد أن العودة الأميركية إلى طاولة التفاوض مع طهران مثّلت صدمة جديدة لنتنياهو، واعتبرت في الأوساط الإسرائيلية تراجعا عن دعم مشروع "التصعيد الدائم" ضد إيران. ويضيف أن هذه الخطوة قُرأت في إسرائيل على أنها بداية تفكيك لمعادلة "إسرائيل أولا" لصالح رؤية أميركية تفضل الاستقرار الإقليمي ومصالح واشنطن الإستراتيجية.

إعلان

وفيما يتعلق بسوريا، فيبين جبارين أن خطوة تخفيف العقوبات عن دمشق أغضبت الحكومة الإسرائيلية التي كانت تفضّل بقاء سوريا ضعيفة ومعزولة ومشتتة، لكن واشنطن اختارت تمهيد الطريق لتسوية إقليمية بمشاركة دول عربية فاعلة، حتى وإن جاء ذلك على حساب الدور الإسرائيلي في الملف السوري.

ورغم المقاربات السابقة، فإن المحللين الثلاثة يجمعون -في تصريحاتهم للجزيرة نت- على أن هذه التحولات لا تعني قطيعة إستراتيجية مع إسرائيل، بل إعادة تعريف للعلاقة تتحكم فيها حسابات المصالح الأميركية بالدرجة الأولى.

وخلصوا إلى أن إسرائيل لم تعد الشريك المقدس الذي لا يمكن تجاوزه، بل أصبحت طرفا ضمن معادلة أوسع تأخذ في الاعتبار حماية الاقتصاد الأميركي وجنوده وتهدئة الجبهات المتفجرة في الشرق الأوسط.

aljazeera.net