كيف نعيد توجيه أدوات الإعلام الجديد بعد ثلاث سنوات من حرب عبثية للمساهمة في وقفها واستعادة المسار المدني الديمقراطي 2

كيف نعيد توجيه أدوات الإعلام الجديد بعد ثلاث سنوات من حرب عبثية للمساهمة في وقفها واستعادة المسار المدني الديمقراطي؟ «2»
فتح الرحمن حمودة
في مواصلة لما طرحته في مقالي السابق تحت العنوان أعلاه أود التعمق أكثر في الإجابة على هذا السؤال الجوهري بعد ثلاث سنوات من حرب عبثية دمرت البلاد حيث يظل السؤال مطروحا كيف يمكن لأدوات الإعلام الجديد أن تكون فاعلة في وقف هذه الحرب واستعادة المسار المدني الديمقراطي؟.
ومن خلال قراءتي للمشهد الإعلامي منذ اندلاع الحرب أرى أن السنوات الماضية شهدت تحولاً خطيراً في طريقة استخدام تلك الأدوات ففي البداية استخدمت للتحريض عبر حملات منظمة أطلقتها أطراف مستفيدة من استمرار النزاع ولم يكن التحريض عشوائياً بل ممنهجا ومدروسا لدى «الغرف الإلكترونية» وإن بدا للمتلقي أنه مجرد فوضى رقمية.
لاحقاً انتقلت هذه الأطراف إلى مرحلة التضليل الإعلامي كمرحلة من مراحل الحرب الإعلامية والتي تهدف إلى تشويه الحقائق وتزييف الواقع وما زالت هذه المرحلة مستمرة حتى اليوم، كما أن أحد أخطر أوجه هذا التضليل هو التخوين الممنهج للقوى المدنية في محاولة لتقويض أي مشروع بديل للحرب، وهذه الاستراتيجية ليست جديدة لكنها باتت أكثر وضوحاً وجرأةً في الفضاء الرقمي مستفيدة من غياب خطاب مدني منظم ومؤثر في وسائل الإعلام الجديدة.
ورغم هذا الواقع القاتم لا يمكن تجاهل أن أدوات الإعلام الجديد ظلت مساحة لتوثيق الانتهاكات من قبل أطراف الحرب فالتوثيق غالباً ما يحدث دون وعي فاعليه سواء من الضحايا أنفسهم أو من نشطاء حقوق الإنسان، كما لا تزال هذه الأدوات رغم كل العقبات أداة للمقاومة المدنية وإن كانت تستخدم بشكل عفوي وغير منظم حتى الآن.
ولكن أقول إن الإشكال الحقيقي هو أن القوى العسكرية المتصارعة أصبحت تهيمن على السردية الإعلامية وتستغل المواطنين «بوعي أو بدونه» في ترويج دعايتها، وفي مقابل ذلك بدأت قوى مدنية ومبادرات شبابية بالتحرك لاستعادة مساحة السرد وتقديم رواية بديلة تعبر عن تطلعات الناس في إنهاء الحرب وبناء دولة مدنية.
ومن وجهة نظري تكمن قوة الإعلام الجديد وأدواته في كونه فضاء مفتوح للمدنيين بعيداً عن هيمنة المؤسسات التقليدية، وما زالت هناك فرصة حقيقية لإعادة توجيه هذا الفضاء لخدمة القضايا العادلة، لكن ذلك يتطلب رفع الوعي لدى المدنيين بمخاطر التضليل الإعلامي وتدريبهم على استخدام هذه الوسائل بشكل منظم واستراتيجي لأنه أصبح في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصال لا يعد الإعلام الجديد مجرد منصة بل أداة مقاومة يمكنها تجاوز الرقابة وتضييق الأنظمة القمعية مع سرعة الانتشار والتأثير اللحظي فهما ميزتان أساسيتان علينا استغلالهما..
لكن التحدي اليوم هو كيف ننتقل من الاستخدام العشوائي إلى التوظيف الواعي لهذه الأداة بهدف كسر احتكار السردية وبناء شبكات تضامن رقمية تسهم فعلياً في وقف الحرب واستعادة المسار الديمقراطي الذي يليق بالسودانيين.. وتظل الإجابة على هذا التحدي ممكنة لكنها تحتاج لإرادة وتنظيم ووعي جماعي بحجم المعركة الإعلامية التي نخوضها كل يوم.
نواصل…
altaghyeer.info