السودان على مفترق طرق: تمدد الإسلاميين وتداعياته على الأمن والسلم الدوليين

بينما كانت أعين المراقبين تتابع عن كثب ما ستسفر عنه القمة الخليجية–الأميركية التي استضافتها الرياض، برز الملف السوداني فجأة من خلف ستار الصراعات الكبرى، ليقفز إلى مقدمة أولويات الأمن الإقليمي والدولي.
لم تكن تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حين أكد أن “جهود إنهاء الأزمة في السودان ستُستأنف عبر منبر جدة”، مجرد تكرار دبلوماسي؛ بل جاءت مدفوعة بتطورات ميدانية مثيرة للقلق، في مقدمتها تصاعد نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة، التي باتت تشكل ظلالاً قاتمة على مستقبل الحرب ومسارات الحل.
السير بخطى حذرة
الإدارة الأميركية، التي تنظر بقلق إلى ما وصفه مستشارها أسعد بولس بـ”أولوية السودان”، تتحرك بخطى حذرة نحو معالجة أزمة تتشابك فيها مصالح إقليمية متنافرة، فيما كشفت مصادر سعودية أن الملف لم يعد في يد وزارة الخارجية، بل نُقل مباشرة إلى القصر الملكي بإشراف أميركي مباشر، تجنباً لأي تعقيدات قد تعيق جهود وقف الحرب.
قصقصة النفوذ الإخوانيتُعد “كتائب البراء بن مالك” من أبرز التشكيلات الإسلامية المسلحة التي ظهرت في سياق الحرب الحالية.
فإن ظهور هذه الكتائب التي ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين، وتلقيها دعماً من قوى إقليمية مثل تركيا وإيران، من خلال إرسال شحنات من الطائرات بدون طيار والذخائر إلى البلاد.
هذا الدعم العسكري الذي يُعزز من قدرات هذه الكتائب، ويمنحها نفوذاً متزايداً داخل المؤسسة العسكرية، يثير تساؤلات حول مدى استقلالية قرار الجيش، وتأثير الأيديولوجيات الإسلامية على توجهاته.
قطع الطريق علي الجهاديينكما أن تمدد نفوذ الإسلاميين في السودان لا يقتصر على الداخل فقط، بل يمتد إلى الإقليم والعالم.
فالسودان يُعد نقطة التقاء بين شمال أفريقيا والقرن الأفريقي ومنطقة الساحل، مما يجعله موقعاً استراتيجياً للجماعات الجهادية.
بؤرة تفريخ الإرهابوقد حذرت تقارير من أن السودان قد يتحول إلى مركز لتجنيد وتدريب الجماعات المتطرفة، خاصة مع وجود علاقات بين بعض عناصر الجيش السوداني وجماعة الإخوان المسلمين، وظهور ميليشيات ذات ميول إسلامية متطرفة.
كما أن تصريحات قادة “كتائب البراء بن مالك” حول استعدادهم للقتال في قضايا إسلامية خارج السودان، مثل الدفاع عن فلسطين، تُنذر بتدويل الصراع، وتحويل السودان نفسه إلى قاعدة لانطلاق العمليات الجهادية في المنطقة.
إماطة الأذى عن الدروبيُشكل تمدد نفوذ الإسلاميين عائقاً أمام جهود السلام والتحول الديمقراطي في السودان.
فقد أشارت عدة جهات إلى أن الإسلاميين يسعون لإطالة أمد الحرب، وعرقلة أي جهود لوقفها، بهدف استعادة نفوذهم السياسي، وفرض أجنداتهم الأيديولوجية.
فضلا عن أن مشاركة هذه الجماعات في الحرب قد يؤدي إلى تفريخ جماعات إرهابية جديدة، وجر البلاد نحو مواجهات عرقية ودينية مذهبية، تهدد وحدة السودان وتماسكه الاجتماعي.
“جدة” وإن طال السفروأعلن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض، عن استمرار جهود المملكة في إنهاء الأزمة السودانية عبر منبر جدة، الذي يحظى برعاية سعودية أمريكية، بهدف الوصول إلى وقف كامل لإطلاق النار في السودان.
هذا التصريح يعكس التزام السعودية بلعب دور محوري في الوساطة بين الأطراف السودانية المتنازعة.
كما أشاد المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي باستئناف المحادثات بين ممثلي القوات المسلحة وممثلي قوات الدعم السريع في مدينة جدة، بهدف التوصل إلى وقف دائم للأعمال العدائية وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.
أولوية امريكية، وكتمان سعوديأكد كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أسعد بولس، أن هناك مساعي تبحثها إدارة ترامب من أجل حل للوضع في السودان، مشيرًا إلى أن الملف السوداني يحظى بأولوية وأهمية من الإدارة الأمريكية.
وأفادت مصادر سعودية بأنه تم نقل الملف السوداني من وزارة الخارجية إلى القصر الملكي، بهدف إيجاد سبل لوقف الحرب بشكل فوري، بدعم أمريكي لا محدود وبسرية تامة، نظرًا لتشعب القضية السودانية وتضارب المصالح الإقليمية والدولية.
“ابو ظبي” مربط الفرس الأخيرحيث من المتوقع أن يناقش الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، خلال لقائهما في أبوظبي، تطورات الأزمة السودانية، خاصة في ظل تضارب المصالح الإقليمية والدولية.
هذا اللقاء قد يضع النقاط علي الحروف، ويسهم من ثم في تنسيق الجهود الإقليمية والدولية لدعم الاستقرار في السودان علي شكل وتصور مختلف بالضرورة.
عزم علي إزاحة المخاطرعلي أية حال، تشير التطورات الأخيرة إلى اهتمام متزايد من قبل العواصم الأربعة، واشنطن والرياض والدوحة وأبو ظبي، لإيجاد حل للأزمة السودانية، يزيح مخاطر تمدد نفوذ الجماعات الإسلامية المسلحة، عبر تنسيق دولي وإقليمي مكثف يواجه هذا التحدي ويضمن مستقبل آمن ومستقر للسودان بل وللمنطقة بأسرها.
altaghyeer.info