عودة اتفاق 1968 إلى الواجهة يضع العلاقات الجزائرية الفرنسية أمام اختبار جديد

هل سيتجاوز التصعيد الذي تشهده العلاقات الجزائرية - الفرنسية منذ قرابة عام مرحلة جديدة؟
سؤال مُلحّ بات يُطرح بقوة حالياً في الجزائر، مع بروز مؤشر جديد على تفاقم التوتر، يتمثل في مبادرة برلمانية فرنسية، تهدف إلى تقييم الإنفاق المرتبط بـ«اتفاق 1968»، الذي ينظّم قضايا الهجرة في فرنسا بالنسبة للجزائريين، والذي يُعدُّ من أبرز عناصر الخلاف في الأزمة الراهنة.
وبات يُتداول في الصحافة الفرنسية توصيف «إلقاء حجر في المياه الراكدة» للإشارة إلى الخطوة المرتقبة، التي سيُقدم عليها عضوا «الجمعية الوطنية» عن حزب «النهضة»، التابع للرئيس إيمانويل ماكرون، ماتيو لوفيفر وشارل رودويل؛ حيث ينتظر أن يقدّما مطلع يوليو (تموز) المقبل خلاصات تقرير حول «تقييم تكلفة اتفاقيات 27 ديسمبر (كانون الأول) 1968»، وهو النص الشهير الذي يمنح الجزائريين وضعاً خاصّاً في مجال الهجرة، يمكّنهم من الاستقرار في فرنسا، كما يُنظّم لفائدتهم مسائل أخرى، تتعلّق بالدراسة الجامعية والتجارة، ولمّ الشمل العائلي.
موضوع بالغ الحساسية
ويُعدُّ هذا الموضوع بالغ الحساسية، خصوصاً في ظل ما شهدته الأشهر الأخيرة من توترات بين البلدين، منذ أن أعلنت باريس نهاية يوليو 2024 اعترافها بمغربية الصحراء. ففي هذا التقرير، يسعى النائبان، وهما من الجناح اليميني في معسكر ماكرون، إلى كسر أحد المحرّمات، من خلال تقديم تقدير لأول مرة للعواقب المالية لهذه الاتفاقية، التي شنّ اليمين التقليدي واليمين المتطرف حملة كبيرة، منذ عامين، بغرض إلغائها، عادّين أن بنودها تمنح امتيازات للمواطنين الجزائريين، مقارنة بمواطني دول أخرى، الخاضعين للقانون العام الفرنسي.
ووفق ما نشرته صحيفة «لوباريزيان»، في عدد 11 من شهر يونيو (حزيران) الحالي، فإن المسعى «يهدف إلى تسليط الضوء على الانحرافات المالية، خصوصاً فيما يتعلق بالمساعدات التي تقدمها الدولة، والتي لها أيضاً تأثير على أمن الفرنسيين». مبرزة أن النائبين «أنجزا تقييماً، يتم لأول مرة، بشأن التكاليف المالية المترتبة على بنود الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بالمساعدات الاجتماعية والنفقات الصحية». وهي أعباء يرى النائب شارل رودويل أنها «تؤثر أيضاً على أمن الفرنسيين»، مبرراً ذلك بأن بعض المواطنين الجزائريين، الذين صدرت بحقهم قرارات ترحيل، لا يزالون على الأراضي الفرنسية، وفق ما ورد في الصحيفة نفسها.
الاستنتاجات الأولية للتقرير البرلماني
من بين الخلاصات الأولية، التي يستند إليها التقرير، وهو أن فرنسا وحدها تمنح ثلثي بطاقات الإقامة الأولى الممنوحة للجزائريين في عموم الاتحاد الأوروبي. كما يُشير التقرير إلى أن 55 في المائة من هذه البطاقات، التي مُنحت للجزائريين خلال العام الماضي، كانت لأسباب عائلية، أي ما يعادل ضعف المعدل، مقارنة ببقية الجنسيات، مقابل 9 في المائة فقط لأسباب اقتصادية.
ويُقدّر أن نحو 40 في المائة من الجزائريين المقيمين في فرنسا عام 2021 لم يكونوا يزاولون أي عمل، ولا يتابعون فصلاً دراسياً، ولا ضمن فئة المتقاعدين، مقارنة بـ13 في المائة فقط من المواطنين الفرنسيين.
كما أبرز التقرير أن الجزائريين يُعفون من شرط حيازة بطاقة إقامة تسمح لهم بالعمل في فرنسا منذ 5 سنوات على الأقل، من أجل الاستفادة من «دخل التضامن النشط».
وبالمثل، يُعفى المواطنون الجزائريون من الشرط المعتاد للاستفادة من «الحد الأدنى للشيخوخة»، الذي يقتضي إثبات إقامة مستقرة ومنتظمة في فرنسا لمدة لا تقل عن 10 سنوات.
وقد أعدّ النائبان هذه الخلاصات، استناداً إلى اتصالات مع عدد من المؤسسات والأجهزة، من بينها «مرصد الهجرة والديموغرافيا».
وفي 26 فبراير (شباط) 2025، تحدّث رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو عن «اتفاق عام 1968»، خلال اجتماع وزاري حول قضايا الهجرة، وأيضاً حول الأزمة مع الجزائر التي كانت قد اندلعت قبل نصف عام، معلناً أن بلاده ستطلب من الحكومة الجزائرية إعادة النظر في مجمل الاتفاقيات المتعلقة بالهجرة وآليات تنفيذها، خلال مهلة تتراوح بين 4 و6 أسابيع. وأكد أنه في حال عدم الاستجابة، فإن فرنسا ستلجأ إلى مراجعة تلك الاتفاقيات أو حتى إلغائها.
وجاءت هذه التصريحات في أعقاب جريمة قتل وقعت في مدينة مولوز (جنوب غربي فرنسا)، ونُسبت إلى مواطن جزائري كان في وضعية غير قانونية، ورفضت السلطات الجزائرية استقباله بعد عدة محاولات لترحيله، وفق ما صرح به وزير الداخلية، برونو ريتايو، وهو أحد رموز الطيف الفرنسي الحريصين على وقف العمل بالوثيقة.
رفض جزائري
وتلقت الجزائر تصريحات بايرو، شكلاً ومضموناً، بحساسية بالغة. فقد أكدت وزارة الشؤون الخارجية رفضها القاطع لأي مساس بالاتفاقية، موضحة أن أي تعديل في بنودها «سيؤدي إلى اتخاذ إجراءات مماثلة من جانب الجزائر تجاه الاتفاقيات والبروتوكولات الأخرى ذات الطبيعة المماثلة».
كما شدّدت على أن الاتفاق «فقد جوهره أصلاً». في إشارة إلى أن الطرف الفرنسي لا يلتزم بأهم بنوده، وفقاً للطرح الجزائري للمشكلة، من بينها رفض طلبات لمّ الشمل العائلي التي يتقدّم بها المهاجرون، أو المهاجرات، الراغبون في التحاق أزواجهم أو زوجاتهم بهم في فرنسا، فضلاً عن التعقيدات التي يواجهها هؤلاء عند تجديد أوراق الإقامة.
كما شددت وزارة الخارجية على أنها «لن تقبل أن تُخاطب بالإنذارات أو التهديدات»، مؤكدة «مبدأ المعاملة بالمثل في العلاقات الدولية».
وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قد وصف في تصريحات سابقة دعوات سياسيين لمراجعة اتفاقية 1968 بأنها مجرد «شعار سياسي ترفعه أقلية متطرفة (في فرنسا)، تكنّ الكراهية والحقد للجزائر». وأكد أن هذه الاتفاقية «تم إفراغها من محتواها على مر السنين، ولا تؤثر على جودة الهجرة أو على أمن فرنسا».
ومطلع أبريل (نيسان) الماضي، اتفق البلدان على طي الخلافات، بمناسبة مكالمة هاتفية بين رئيسيهما. وزار وزير الخارجية جان نويل بارو الجزائر في السادس من الشهر ذاته، والتقى كبار مسؤوليها، وعلى رأسهم الرئيس تبون. وتحدثت الصحافة يومها، لأول مرة منذ بداية الأزمة، عن «خطوة جادة لعقد صلح». غير أن المشكلة باتت أكثر تعقيداً، بعد ذلك بأيام قليلة، وذلك عندما سجن القضاء الفرنسي موظفاً قنصلياً جزائرياً بباريس، واتهامه بخطف واحتجاز يوتيوبر جزائري معارض ولاجئ سياسي بفرنسا. وإثر هذه الحادثة طردت الجزائر 12 دبلوماسياً فرنسياً، وردت باريس بالمثل، وسحبت سفيرها من الجزائر.
aawsat.com