الإجراءات القانونية والفنية لشطب الطائرات الهالكة أو المدمرة من السجل الوطني للطائرات في السودان

كتب سامي محمد الامين
مقدمة
يمثل السجل الوطني للطائرات في أي دولة أداةً قانونية وتنظيمية سيادية تحفظ بها سلطة الطيران المدني الهوية القانونية للطائرات المسجلة، وتؤسس من خلالها سلسلة الحقوق والواجبات التي تنطبق على ملاك ومشغلي تلك الطائرات. ويُعد شطب الطائرات من هذا السجل، لا سيما في حالة الهلاك أو الدمار، مسألة حساسة تنطوي على آثار قانونية وتجارية وتنظيمية متشابكة.
وفي السودان، وفي ظل التحديات الأمنية والاقتصادية الراهنة، تزداد الحاجة إلى تنظيم إجراءات الشطب بشكل أكثر وضوحًا وفعالية، لا سيما في حالات فقدان الطائرات بفعل الحوادث أو الدمار الناتج عن الأعمال العدائية أو الكوارث التي أعقبت تمرد مليشيا الدعم السريع واستهدافها المنظم والممنهج لقطاع الطيران المدني من بنية تحتية، ومركز المراقبة الجوية، والمطارات، والطائرات، ومراكز الوقود، ومعدات المناولة الأرضية، وقرى البضائع، وغيرها.
ورغم وجود النص القانوني العام الوارد في قانون سلامة الطيران المدني لسنة 2010 فيما يختص بشطب الطائرات الهالكة، فإن غياب لائحة تنفيذية تفصيلية أو نشرة تنظيمية صادرة من سلطة الطيران المدني قد أحدث فراغًا تشريعيًا وإجرائيًا في معالجة قضايا شطب الطائرات الهالكة، الأمر الذي قد يفضي إلى إشكالات قانونية وإدارية على مستوى الدولة والمشغلين وشركات التأمين والمطارات والجهات ذات الصلة.
في هذا المقال، نعرض تحليلًا متكاملًا للأساس القانوني لموضوع شطب الطائرات، ونُفصّل التحديات التي تواجهه حاليًا في السودان، ونقترح مجموعة من الإجراءات العملية والتوصيات التنظيمية التي يمكن أن تسهم في سد هذا الفراغ، في انتظار تعديل القانون أو إصدار لائحة دائمة بهذا الخصوص.
أولًا: الإطار القانوني والتنظيمي
تنص المادة (11) من قانون سلامة الطيران المدني لسنة 2010 على:
“تُشطب المركبة الهوائية من السجل في الحالات الآتية:
(ب) إذا هلكت المركبة الهوائية.”
هذا النص يُعدّ أساسًا قانونيًا عامًا للشطب، إلا أنه لا يكفي بمفرده لتنظيم العملية من الناحية الفنية والإدارية. فالتشريع لا يُبين ما هو المقصود بـ”الهلاك”، ولا يحدد من هي الجهات المختصة بالتقييم، ولا يُفصّل الإجراءات المطلوبة، ولا يُلزم الأطراف بتقديم مستندات معينة، ولا يُنظم تبعات الشطب فيما يخص الالتزامات القانونية أو التصرف في بقايا الطائرة.
ويُلاحظ أن القانون لم يفصل بلائحة متخصصة تُعنى بإجراءات الشطب، كما لم تصدر سلطة الطيران المدني من قبل أي نشرة تنظيمية مفصلة تُعالج هذا الموضوع الحيوي، مما يترك الأمر في حيز الاجتهاد، وقد يعرّض السلطة والمشغلين لمواجهات قانونية أو نزاعات تجارية في المحاكم أو في المحافل الدولية.
ثانيًا: التعاريف اللازمة لفهم السياق الفني والإداري
من المهم قبل الخوض في الإجراءات المقترحة تحديد المفاهيم الأساسية المرتبطة بالشطب، ومنها:
الهلاك أو الدمار الكلي (Total Loss):
حالة تفقد فيها الطائرة صلاحيتها التشغيلية بشكل دائم، نتيجة حادث جوي، أو عمل عدائي، أو كارثة طبيعية، أو تلف بالغ لا يمكن إصلاحه.
شهادة صلاحية الطيران (Certificate of Airworthiness):
وثيقة رسمية تصدرها سلطة الطيران المدني وتُثبت أن الطائرة صالحة للطيران ضمن الحدود المقررة للسلامة الجوية (يمكن الرجوع للتعريف بموجب سوكار ٨).
السجل الوطني للطائرات:
السجل الرسمي الذي تحتفظ به سلطة الطيران المدني، ويشمل كافة الطائرات المسجلة بجمهورية السودان، ويُعتبر المرجع القانوني الأعلى في تحديد هوية الطائرة وملكيتها وحالتها القانونية.(علمًا أن السودان لم يصادق على اتفاقية كيب تاون للمعدات المنقولة كما أشرت في كثير من اللقاءات والمقالات وغير مشترك بالسجل الدولي للطائرات الموجود في ايرلندا وتشغله شركة افياترا برعاية الايكاو ، مما يعني عدم إمكانية الوصول إلى المعلومات من السجل الدولي للطائرات في حالة فقدانها كليًا أو جزئيًا).
ثالثًا التحديات الناشئة عن غياب إجراءات الشطب في السودان
غياب إطار تشغيلي ملزم
لا توجد لائحة تنفيذية أو نشرة معتمدة تُحدد خطوات الشطب والجهات المعنية بكل مرحلة، ما قد يخلق تضاربًا في الفهم والتطبيق، وتنعكس آثاره على المسؤوليات والحقوق والالتزامات القانونية.
وجوب إيجاد نظام توثيق آلي منضبط٩
لتوثيق الحطام أو بقايا الطائرات بشكل يسمح بالوصول إلى هذه البيانات للجهات ذات الصلة ويسمح باستعادتها حالة أي فقدان. مع ملاحظة أن الطائرات المدمرة في ظروف الحرب أو النزاع المسلح تبقى دون تصرف قانوني منظم، وقد تُستخدم أجزاؤها بصورة مخالفة للسلامة أو لأغراض تجارية دون إشراف أو ترخيص.
تعقيد العلاقة مع شركات التأمين والتمويل
مما يجعل غياب إجراءات الشطب من العوائق التي قد تُعطل أو تؤخر تسويات مطالبات التأمين، أو فك الرهون والعقود التمويلية المرتبطة بالطائرة، ويؤدي إلى تأخير أو تعطيل التحصيل للجهات المستحقة أو الإعفاء من المسؤولية القانونية.
تأثير ذلك على الالتزامات الدولية
استمرار تسجيل طائرات هالكة ومدمرة في السجل الوطني يُعد إخلالًا بمتطلبات الشفافية والدقة التي تشترطها المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO).
رابعًا إجراءات فنية مقترحة لشطب الطائرات الهالكة
استنادًا إلى معرفة معقولة بالإطار التشريعي لصناعة الطيران، ومن واقع مشاركتي في كثير من تعديلات قوانين الطيران بالسودان، بالإضافة إلى المشاركة في كتابة لوائح الطيران (سوكار) ومجموعة من الأدلة والنشرات ذات الصلة، وفي ظل غياب لائحة، وإلى حين إصدارها، يمكن تنظيم الإجراءات وفق نشرة من أبرز ملامحها الآتي:
إثبات حالة الهلاك عن طريق
تقرير تحقيق رسمي صادر عن إدارة تحقيقات الحوادث.
تقرير من الجهة الفنية المعتمدة (صلاحية الطائرات).
تقرير تأميني يُقر بالخسارة الكلية.
دعم ذلك بتقرير من جهة سيادية أو عسكرية إذا كان التدمير نتيجة عمل عدائي.
إلغاء شهادة الصلاحية للطيران
إصدار قرار رسمي من إدارة صلاحية الطيران يُستند إلى فقدان هيكل الطائرة أو توقف الأنظمة الحيوية أو عدم الجدوى الفنية أو الاقتصادية من الصيانة.
تقديم طلب الشطب
يُفترض تقديمه من قِبل المالك أو المشغل إلى الجهة التي تدير مسائل التسجيل والشطب، ويراعى إرفاق:
شهادة التسجيل أو بلاغ فقدانها.
براءة ذمة من الجمارك، الدفاع المدني، المطارات، والجهات ذات العلاقة.
إصدار قرار الشطب
من سلطة الطيران المدني بعد مراجعة الوثائق، ويتم إخطار الجهات ذات الصلة: الجمارك، شركات التأمين، المطارات، سلطات الجو، الأمن، وغيرها.
التصرف في بقايا الطائرة
لا يُسمح بأي استخدام لأجزاء الطائرة المتبقية من الحطام إلا بإذن كتابي من الجهات المختصة. ويُراعى التخلص من البقايا تحت إشراف إدارة السلامة الجوية وبما يطابق المعايير البيئية.
خامسًا: التوصيات التنظيمية
إصدار نشرة تنظيمية مؤقتة
وباعتبار المدير العام هو المسؤول التنفيذي الأول بسلطة الطيران المدني، يمكنه إصدار نشرة فنية/إدارية ملزمة تُنظم إجراءات شطب الطائرات المدمرة والهالكة، إلى حين تعديل القانون أو إصدار لائحة تنفيذية دائمة.
يجب أن تشمل النشرة
تعريف الهلاك الكلي.
الجهات المخولة بإثبات الحالة.
متطلبات الشطب.
تحديد الجهات التي يجب إخطارها بعد صدور القرار.
استصحاب وزارة العدل لترجمة نص المادة (11) إلى إجراءات عملية محددة قابلة للتطبيق.
إنشاء قاعدة بيانات رقمية محدثة للطائرات (عاملة – خارج الخدمة مؤقتًا – مدمرة – مشطوبة)، بما يعزز الشفافية ويخلق تكاملًا مع الجهات الأمنية والقضائية، خاصة في حالة تدمير الطائرات لأسباب حربية أو جنائية، لضمان عدم وجود تناقض في البيانات الرسمية أو المسؤوليات القانونية.
التنسيق مع شركات التأمين والتمويل لضمان اعتماد النماذج والمستندات الرسمية المطلوبة لتسوية المطالبات القانونية والمالية بعد الشطب. كما يجب النظر لافضل الممارسات الدولية
والاطلاع عليها مثل الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران (EASA) ولوائح Part-M وPart-ML وسلطة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA) بنماذج مثل
Form AC 8050-1 (Aircraft Registration Application)
إشعار بالإلغاء (Notice of Cancellation)مرفقًا بتقارير فنية أو تأمينية رسمية.
خاتمة
يُعد موضوع شطب الطائرات الهالكة أو المدمرة من السجل الوطني للطائرات من المسائل الفنية والقانونية ذات الأثر البالغ على سلامة منظومة الطيران المدني وعلى الرغم من وجود نص قانوني عام في المادة (11) من قانون سلامة الطيران المدني، إلا أن غياب الإطار التنظيمي التفصيلي ، أو ما يعرف باللوائح أو النشرات والاجراءات ربما يترك الباب مفتوحًا أمام نزاعات قانونية وتعطيل حقوق والتزامات لمشغلين أنهكتهم الحرب ودمرت معظم أساطيلهم ومعداتهم وبالتالي، فإن إصدار نشرة تنظيمية تفصيلية من قبل المدير العام لسلطة الطيران المدني يُعد إجراءً عاجلًا لا يحتمل التأخير ، ويُمهد الطريق نحو إصلاح قانوني أشمل عبر لائحة تُراعي المعايير والاجراءات الدولية وتستجيب لخصوصية الوضع السوداني في مرحلة ما بعد الحرب.
تابعنا على الواتساب لمزيد من الاخبار
azzapress.com