حجب أجنحة إسرائيلية في معرض باريس للطيران يثير خلافا مع تل أبيب

انطلقت، صباح الاثنين، في مدينة لوبورجيه، القائمة على مدخل باريس الشمالي، فعاليات «معرض باريس للطيران والفضاء» وهو يعد أحد أهم 4 معارض من نوعه في العالم، حيث تتدافع الشركات الكبرى لحجز مكانها فيه، كما يشكل قطباً جاذباً لكبار المسؤولين وقادة الشركات عبر العالم ووسيلة للتواصل وتحضير العقود التجارية الرئيسية.
ويدور معرض العام الحالي على خلفية 3 حروب: الحرب الأوكرانية وحرب إسرائيل في غزة والحرب الإسرائيلية ــ الإيرانية التي يضاف إليها تواصل الضربات الجوية الإسرائيلية في لبنان وسوريا واليمن. وبالنظر للدور المتعاظم الذي تلعبه المسيّرات والأنظمة الصاروخية الدفاعية والهجومية في الحروب في صيغتها الجديدة، وبالنظر لانخراط إسرائيل، فإن الأنظار كانت موجهة، منذ ما قبل افتتاح المعرض، لمعرفة حجم ونوعية الحضور الإسرائيلي. وبالفعل، فإن 8 شركات إسرائيلية جاءت إلى «لوبورجيه» للمشاركة وهي: «الصناعات الفضائية الإسرائيلية»، و«إلبيت سيستمز»، و«رافاييل سيستمز»، و«أيرونوتيكس غروب»، و«أشوت أشكيلون»، و«بي إس إي إل غروب»، و«أوديسايت للذكاء الاصطناعي» و«يوفيجن إير». تضاف إليها إدارة التعاون الدولي في وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وبحسب القاضي الفرنسي غيزلين بواسونيه، في مقال للرأي صدر في صحيفة «لو موند»، الاثنين، فإن مشاركة إسرائيل وعرضها للأسلحة التي أسهمت في تدمير غزة والقضاء على 55 ألف شخص بينهم 15 ألف طفل وإصابة ما لا يقل عن مائة ألف آخرين، تعد «منافية للأخلاق» وتقع تحت طائلة القانون لأنها تتيح الاستمرار في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة بحق الفلسطينيين وكلها يدينها القانون الدولي.
فشل منع المشاركة الإسرائيلية
قبل انطلاق المعرض، سعت جمعيات فرنسية ناشطة لمنع الشركات الإسرائيلية من المشاركة. بيد أن حكماً صدر يوم الجمعة عن محكمة استئناف فرنسية أجاز الحضور الإسرائيلي في معرض يجمع الأنشطة الجوية المدنية والعسكرية على السواء. وكان جدل جرى العام الماضي بمناسبة معرض متخصص بالأسلحة الأرضية، حيث منعت السلطات الحكومية المشاركة الإسرائيلية. إلا أن حكماً صدر لاحقاً نقض القرار الحكومي وأجاز الحضور الإسرائيلي.
ويبدو أن باريس لم ترغب، هذا العام، في إثارة أزمة جديدة مع إسرائيل، خصوصاً في ظل العلاقات المتوترة بين الطرفين والانتقادات الإسرائيلية للرئيس إيمانويل ماكرون بسبب تصريحاته المتكررة عن غزة ووصف تجويع سكان القطاع بـ«العار»، فضلاً عن الإعلان عن عزمه على الاعتراف بالدولة الفلسطينية في المؤتمر الدولي في نيويورك الذي كان مفترضاً أن ينطلق الثلاثاء. لكن ماكرون أعلن تأجيله بسبب الحرب الإسرائيلية ــ الإيرانية.
غير أن الخلاف الفرنسي ــ الإسرائيلي خفتت حدته بعد أن انطلقت الهجمات الإسرائيلية الجوية على المواقع النووية والعسكرية الإيرانية ليل الخميس ــ الجمعة الماضي. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده مساء اليوم نفسه، لم ينتقد ماكرون العملية الإسرائيلية بل ذهب إلى الإعلان عن استعداد باريس للمشاركة في رد الهجمات الإيرانية المعاكسة التي تستهدف إسرائيل بالصواريخ أو بالمسيرات، كما فعلت في الخريف الماضي. كذلك سارع ماكرون للاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتشاور معه ولإعلامه بحق إسرائيل المشروع في الدفاع عن النفس، ولكن مع الإشارة إلى أن الحل «يجب أن يكون دبلوماسياً» وإلى أن بلاده «لن تشارك» في الهجمات ضد إيران.
كان من المتوقع أن «تستكين» العلاقات بين الطرفين. بيد أنه تأججت من جديد عندما رفض عدد من العارضين الإسرائيليين طلباً من الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني سحب الأسلحة الهجومية من الأجنحة التي يشغلونها في «لوبورجيه». لكنهم فوجئوا صباح الاثنين، عند وصولهم إلى مقر المعرض، بأن 5 من الأجنحة الثمانية تم عزلها بصرياً من خلال نشر عارضات خشبية مغطاة بأغطية سوداء اللون.
ونقلت «رويترز» عن مصدر فرنسي معني بالمعرض أن الإسرائيليين أُبلغوا قبل أسابيع بعدم السماح لهم بعرض أنواع معينة من المعدات، لكنهم لم يعيروها انتباهاً، وأن العزل جاء كحل أخير. وأوضحت مصادر فرنسية أن هذه الشركات التي حُجبت جزئياً كانت تعرض أسلحة هجومية، من ضمنها أسلحة يمكن استخدامها في غزة، وهو ما يشكّل انتهاكاً للإطار الذي تم الاتفاق عليه مع السلطات الإسرائيلية. والشركات التي حُجبت هي: «الصناعات الجوية الإسرائيلية» و«رافاييل» و«يوفيجن» و«إلبيت» و«أيرونوتيكس».
ولاحقاً قال بايرو إن «موقف الحكومة واضح وهو أن لا مكان للأسلحة الهجومية في المعرض بالنظر للوضع في المنطقة وللخيارات الدبلوماسية لفرنسا وللقلق بشأن ما يجري في غزة. لذا ليس من سبيل لعرض أسلحة هجومية (يمكن أن تستخدم في غزة)، بينما عرض الأسلحة الدفاعية متاح». وكشف بايرو عن «وجود تواصل مع السفارة الإسرائيلية لتكون الأمور واضحة لكن كل الشركات لم تعمل بالتوجيهات».
العودة إلى التصعيد
كانت ردة الفعل الإسرائيلية منتظرة إذ سارعت وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى التنديد بالقرار الفرنسي وطالبت بالتراجع عنه «فوراً». وجاء في البيان الإسرائيلي أن «الفرنسيين يختبئون وراء ذرائع سياسية مزعومة لاستبعاد الأسلحة الهجومية الإسرائيلية من معرض دولي – وهي أسلحة تنافس الصناعات الفرنسية». ووصف البيان القرار بأنه «شائن وقبيح وغير مسبوق وهو ينمّ عن اعتبارات سياسية وتجارية».
ونقلت «رويترز» عن بوعاز ليفي، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، إن شركته تشارك في معرض باريس للطيران منذ عقود وقد حصلت على التصاريح اللازمة لعرض معداتها. وقال الأخير، في بيان أصدره الاثنين: «في الليلة الماضية، وبعد أن أنهينا إعداد جناحنا، طُلب منا إزالة بعض أنظمتنا من المعرض. حاولنا التفاوض معهم، لكن يبدو أن هذه الأوامر جاءت من أعلى المستويات في باريس. وعندما وصلنا صباحاً إلى جناحنا، صُدمنا لرؤية جدران سوداء تعزلنا وقد تم نصبها خلال الليل».
واعتبر ليفي أن ما حصل «يذكرنا بالأيام المظلمة التي شهدت فصل اليهود عن المجتمع الأوروبي». وسارعت اللجنة المنظمة إلى نزع أي مسؤولية عنها بالتأكيد على أن القرار النهائي يعود للحكومة الفرنسية التي تتيح أو تمنع أي شركات من الحضور. ونقل عن سارة هاكابي ساندرز، حاكمة ولاية أركنسو الأميركية، التي كانت حاضرة عند انطلاق المعرض، انتقادها القرار الفرنسي، بقولها إنه «من الغريب أن يكون الكيان (الإسرائيلي) هو الوحيد الذي لم يسمح له بالاستمرار في العرض الذي كان من المفترض أن يكون قد حصل على الموافقات على مدار الأسابيع والأشهر الماضية». بدورها، انتقدت السيناتورة الجمهورية كاتي بريت الخطوة الفرنسية ووصفتها بأنها «قصيرة النظر».
لم تتوقف ردود الفعل عند هذا الحد؛ إذ سارع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى الدخول على الخط، فوصف، في مقابلة مع القناة الإخبارية «إل سي آي»، الاثنين، الإجراء الفرنسي بأنه «فضيحة». وقال ما حرفيته: «لقد صُدمنا هذا الصباح عندما اكتشفنا أن الأجنحة الإسرائيلية أُغلِقت وأُقفلت، مما حال دون الوصول إليها خلال المعرض. لقد وقّعت شركات إسرائيلية عقوداً مع المنظمين، وقد دفعوا الأموال للمشاركة. هذا يشبه إنشاء (غيتو) إسرائيلي. وأعتبر ذلك أمراً فاضحاً ويجب تصحيحه فوراً».
وانضمت الحكومة الإسرائيلية إلى مجموعة المنددين باعتبار ما حصل «فضيحة وغير مسبوق» وأنه يكرس «نوعاً من التمييز» ضد العارضين الإسرائيليين. ووصف مدير إحدى الشركات الإسرائيلية العارضة القرار بأنه «مدهش من حيث صدوره عن الحكومة الفرنسية، في وقت تقاتل فيه إسرائيل حالياً لإنقاذ رهائنها ومواجهة تهديد نووي».
من الواضح أن هذه المسألة لن تتوقف عند هذا الحد وهي تعيد، بلا شك، خلط الأوراق، خصوصاً أن أصواتاً من الداخل الفرنسي ومن الجهات الداعمة تقليدياً لإسرائيل، بدأت انتقاد سياسة الحكومة، كما اعتادت ذلك لدى كل إجراء أو تصريح تراه معادياً للمصالح الإسرائيلية، بغض النظر عن صحته أو خلفياته.
aawsat.com