. ماذا تعرف عن 128 مليون قطعة من النفايات الفضائية السابحة فوق رؤوسنا؟ الصاروخ الصيني آخرها.
وكالات:
اخذ الحديث عن الصاروخ الصيني حيز كبير لدى الناس حتى أنهم اصبحو يحملون هاجسا خوفا من سقوطه بمكان يكتظ بالسكان وللحديث عن ذلك لابد لنا اولا من معرفة الكثير عن تلك الصواريخ التي تطلق ففي الثاني عشر من يناير 2001، أبلغ مواطن سعودي الشرطة أنه بينما كان يسافر في الصحراء على مسافة حوالي 270 كيلومترا خارج العاصمة الرياض وجد جسما معدنيا أسود كرويا غريب الشكل ثقيل الوزن غير محاط بأي آثار أقدام، فورا انتقلت السلطات السعودية لتجد ما عرفنا فيما بعد أنه موتور خاص بقطعة صاروخية تابعة لوكالة الفضاء والطيران الأمريكية ناسا.
هذه القطعة تسمى "وحدة مساعدة الحمولة (payload assist module)"، وهي تستخدم في دفع الأقمار الصناعية إلى مداراتها حول الكوكب، ثم كان من المفترض بعد ذلك أن ترجع مرة أخرى لتسقط إلى الأرض، حيث يتم توجيهها إلى أحد المحيطات، لكنها في هذه المرة دخلت إلى الغلاف الجوي بشكل كارثي، والنتيجة أن جزءا من حمولتها لم يحترق ومضى قدما ليسقط في المملكة، ولحسن الحظ سقط في منطقة نائية ليس بها سكان.
بالطبع نتذكر هذه الحادثة، التي لاقت شهرة واسعة وقتها، بسبب "الترند" العالمي الحالي حول الصاروخ الصيني"لونغ مارش 5ب (Long March 5B)"، والذي يسبح جزء من بقاياه -بينما تكتب هذه الكلمات- على ارتفاع حوالي 170-273 كيلومترا أعلى سطح الأرض في خط يمتد من نيويورك إلى مدريد إلى بكين ثم جنوب تشيلي ونيوزيلندا، وخلال هذا المسار فإنه يمر فوق عدد من دول الوطن العربي.
يعتقد أن هذه القطعة ستدخل إلى الغلاف الجوي بشكل غير مُتحكّم به خلال أقل من يوم، وفي حين أن وزنها يبلغ حوالي 21 طنا، فإنها تعد الأثقل من بين النفايات الفضائية التي اقتحمت غلافنا الجوي منذ عدة عقود، وتلك هي النقطة التي استدعت اهتمام بعض المتخصصين في هذا النطاق، حيث كانت هناك مخاوف من أن تنجو الأجزاء الأكثر كثافة من المحركين الرئيسيين للصاروخ وتتجه إلى سطح الأرض. في الحالة العادية، عادةً ما تحترق كل كتلة البقايا بسبب احتكاكها مع الغلاف الجوي، ونادرا ما تسقط على الأرض.
مشكلة هذه النوعية من الحوادث هو أنه لا يمكن لنا أن نتوقع توقيت سقوط هذه البقايا الفضائية وموضعها، على سبيل المثال، في حالة الصاروخ الصيني، لكن يمكن تعميمها على كل الحالات الشبيهة، فإنه كان من المتوقع سقوطه فجر يوم 9 مايو بهامش خطأ مقداره حوالي 8 ساعات كاملة، وفي حين أن الصاروخ نفسه يدور مرة حول كامل جسم الأرض كل ساعة ونصف فقط، يعني ذلك ببساطة أنه قد يسقط في أي مكان، ولا نمتلك الوقت الكافي للتحكم في الأمر.
لكن لا شك أن الحدث الأكثر خطورة في هذا النطاق كان سنة 1978، بينما كانت محطة الولايات المتحدة الأمريكية الفضائية "سكاي لاب" تسبح في مدار حول الأرض أغفل علماء وكالة ناسا حساب تأثير الإشعاع الشمسي على الغلاف الجوي الذي يدفعه للتضخم، وهو ما أثّر على "سكاي لاب" لتبدأ شيئا فشيئا في الهبوط إلى الأرض، ولم يكن بيد علماء ناسا أي شيء سوى انتظار الكارثة.
بالفعل احترقت أجزاء المركبة الرئيسية في الغلاف الجوي، لكن بقيت أجزاء أخرى سقطت في المحيط الهندي وغرب أستراليا، لم تسجل أي حالات وفاة أو إصابة، لكن إدارة مدينة بيرث الأسترالية أرسلت إلى وكالة ناسا الفضائية فاتورة بقيمة 400 دولار غرامةً لإلقاء القمامة في غير مكانها!
بالطبع قد ترى أنها نكتة لذيذة تستحق أن تحكيها لصديق يحب علوم الفضاء، لكن تلك الأجزاء الساقطة إلى الأرض تسمى بالفعل "قمامة الفضاء"، وما يحدث الآن بالنسبة لبقايا الصاروخ الصيني، أو ما حدث لوحدة مساعدة الحمولة أو "سكاي لاب" ليس إلا فيض من غيض، في الواقع فإن عمليات الدخول غير المأمونة إلى الغلاف الجوي والوصول إلى الأرض شائعة أكثر مما تتصور، آخرها كان في أبريل/نيسان الماضي حينما سقطت قطع صغيرة من بقايا أحد صواريخ "سبيس إكس" في مزرعة بواشنطن.
وبحسب دراسة أجراها باحثون من "أيروسبيس كوربوريشن"، وهي مؤسسة أمريكية غير ربحية تقدم التوجيه الفني بشأن مهمات الفضاء للعملاء العسكريين والمدنيين والتجاريين، فإن أكثر من 40 قطعة فضائية بكتلة حوالي طن واحد تسقط سنويا إلى كوكب الأرض، لكن الأمر يتخطى ذلك إلى ما هو أعمق.
في تلك النقطة دعنا نتأمل تصريحا لرئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي"، في مارس 2019 قال فيه بكل فخر إن الهند قد نجحت في إطلاق أول صاروخ مضاد للأقمار الصناعية، أُطلق من شمالي شرق الهند ليسافر مسافة حوالي 280 كيلومترا إلى الفضاء فيلتقي مع مسار قمر صناعي هندي يسمى "مايكروسات ر"، ليحطمه إلى قطع صغيرة.
هذا النوع من العمليات يحتاج درجات من الدقة الشديدة لإجرائه، وما فعلته الهند كان بالفعل إضافة كبيرة لقدراتها في نطاق تحاول أن تتسيّده وتستعرض قدراتها فيه، وهو تصميم الأقمار الصناعية وإطلاقها وتشغيلها بأفضل أسعار ممكنة في العالم، ضمن تجارة بلغ حجمها حتى الآن حوالي 270 مليار دولار!
على الرغم من ذلك، فإن هذه العملية أثارت انتباه الباحثين في نطاق الفضاء، وكذلك السياسيون في عدة دول، إلى مشكلة كبيرة، وهي أن حطام هذا القمر الصناعي، الذي يبلغ وزنه حوالي طن، ستنتشر في الفضاء وقد تصطدم بأحد الأقمار الصناعية العاملة لدولة ما وتحطمه تماما، ما قد يتسبب في مشكلات أرضية وخيمة.
في تلك النقطة دعنا نضع في حسباننا أن هذه القطع المتبقية من حطام الأقمار الصناعية، مهما كانت صغيرة جدا، فإنها تدور حول الأرض بسرعة حوالي 7 كيلومترات في كل ثانية، إنها سرعة هائلة تعطي قطعة من الرصاص قطرها أكبر قليلا من سنتيمتر واحد زخما كبيرا كفاية لتسافر مسافة سبعة إلى ثمانية سنتيمترات داخل لوح من الرصاص.
في الواقع فإن هناك أكثر من 20 ألف "آلة" تتبعها المراصد الأرضية بشكل دائم في الفضاء المحيط بالأرض، منها فقط حوالي 2500 قمر صناعي عامل، والبقية عبارة عن نفايات فضائية: أقمار صناعية لا تعمل أو بقايا صواريخ انطلقت إلى الفضاء، وقد تسببت بعضها في حوادث بالفعل أشهرها هو ما حدث للقمر الصناعي الأمريكي "إيريديوم 33" حينما اصطدم سنة 2009 بقمر صناعي روسي غير عامل يسمى "كوسموس 2251" على ارتفاع حوالي 500 كيلومتر أعلى سهول سيبيريا، وتحطما في لحظة واحدة! أطلق هذا التحطم حطاما قدره حوالي طن ونصف، وهذه ليست الحالة الوحيدة.
لكن الأقمار الصناعية غير العاملة هي أشياء كبيرة في الحجم بما يكفي لتعقبها، حيث يمكن للأقمار الصناعية مع الزمن تطوير تقنيات لتجنب الاصطدام، وهناك بالفعل حالات ناجحة في هذا الصدد، حيث تمكن فريق القمر الصناعي الأمريكي "فيرمي" قبل عدة سنوات من إبعاده لمسافة قصيرة عن مسار اصطدام بقمر صناعي آخر غير عامل، وذلك عبر دفعة صاروخية خفيفة صُمِّمت لهذا الغرض.
نجاح هذه المناورة حافَظَ للأمريكيين على عشرات الملايين من الدولارات، إلا أنها لا يمكن أن تنجح في كل مرة. لكن المشكلة الأكبر كانت دائما في القطع الصغيرة التي لا يمكن تعقبها، والتي يمكن أن تتلف أجزاء هشة، مثل: الألواح الشمسية أو الأجهزة البصرية أو الزجاج في النوافذ، والأهم من ذلك هو رواد الفضاء. في الواقع، لو كنت رائد فضاء في المحطة الفضائية الدولية وقررت أن تصمت قليلا وترهف السمع إلى محيطك فستسمع أصوات ارتطام -بين الحين والآخر- بجسم المحطة لأجسام صغيرة تصطدم بها.
وبحسب وكالة الفضاء الأوروبية، قدّر وجود أكثر من 128 مليون قطعة من القمامة الفضائية بقطر أصغر من 1 سم، وحوالي 90 ألف قطعة بقطر 1-10 سم، وحوالي 34 ألف قطعة بقطر أكبر من 10 سم، في المدار حول الأرض اعتبارا من يناير 2019، يجعل ذلك من احتمال أن يصطدم قمر صناعي ما بأي قطعة من قمامة الفضاء حوالي 70%، لكن الكثير من تلك القطع صغيرة جدا بحيث لا تتلف القمر الصناعي.
إلا أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد. على سبيل المثال، فإن هناك احتمال ضئيل أن تصيب إحدى القطع الفضائية الساقطة إلى الأرض، مثل بقايا الصاروخ الصيني، إنسانا بالأسفل، ذلك لأن مساحة اليابس على الكرة الأرضية هو فقط حوالي 29%، بينما يمثل الماء أكثر من ثلثي سطح كوكبنا، إلى جانب ذلك فإن معظم مدننا تتكدس في نقاط دقيقة على سطح هذا اليابس، لذلك فإن كل حوادث الدخول غير الآمن إلى الغلاف الجوي -إلى الآن- لم تسجل حالات وفاة أو إصابات.
لكن في المستقبل قد يتغير ذلك، نشهد حاليا ثورة هائلة في نطاق علوم الفضاء، عشرات الصواريخ تُطلَق سنويا، وهناك عدد أكبر من الأقمار الاصطناعية. دعنا فقط نلاحظ الحالة العربية، فقد انطلق إلى الفضاء في تاريخنا حوالي 15 قمرا صناعيا عربيا حتى عام 2010، لكن عدد الأقمار الاصطناعية العربية التي انطلقت للفضاء من هذا العام إلى الآن قارب الـ40.
ذلك الآن، الأقمار الاصطناعية تمتلك الآن أهمية قصوى، ليس فقط في الاتصالات ومراقبة الأرض لإجراء مسوح جغرافية وسكانية وزراعية مهمة، ولكن أيضا لأغراض عسكرية، يعني ذلك تصاعدا أُسّيّا لاحتمالات الخطر، خاصة أننا لا نمتلك بعدُ القدرات الكاملة للتحكم في إسقاط بقايا هذه العمليات إلى كوكب الأرض، أضف لذلك أن اعتمادنا اليومي على الأقمار الاصطناعية بات ضروريا في حياتنا، يعني ذلك أن فقدان الاتصال بإحدى تلك الآلات الموجودة في الأعلى، بسبب قمامة الفضاء، قد يكون مشكلة حرجة جدا لبعض الدول على الأرض.
لهذا السبب فإن مشكلة الصاروخ الصيني، وإن استخدمت من قبل الإدارة الأمريكية لأغراض سياسية تتضمن الهجوم على مشروع الفضاء الصيني (الواعد حقا)، إلا أنها مجرد إشارة إلى مشكلة أكبر طالما عرف المختصون في هذا النطاق أنها تتجه إلى لحظة انفجار ويأملون ألا تتسبب بكارثة، يوما بعد يوم تتصاعد أصوات سياسية وعلمية تنادي بإيجاد حلول جذرية لها،