الحرب الباردة والذكاء الاصطناعي
كتب: عبدالعزيز آل اسحاق
الحرب الباردة كانت فترة من التوتر السياسي والعسكري بين الاتحاد السوفييتي وحلفائه في الشرق الشيوعي، والولايات المتحدة وحلفائها في الغرب الديمقراطي بدءًا من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991. هذه الفترة لم تشمل صدامات مباشرة بين الجيوش الكبرى، بل كانت تتميز بالتنافس السياسي والاقتصادي والعسكري غير المباشر، مما أدى إلى تدخلات في الشؤون الداخلية للدول ودعم الأطراف الموالية لكل من الطرفين في النزاعات المحلية حول العالم.
هذه الحرب الباردة كان يشاهدها العالم كتهديد مستمر على أن حرباً ستقع، فكان يجلس على كرسي المتفرج المنتظر لبداية الحرب، غير أن كلتا الدولتين وحلفاءها عملوا في الخفاء على أشياء أخرى من أهمها التسارع في سباق التسلح النووي مما زاد من التوترات وخطر اندلاع حرب نووية، كما استهلكت الحرب الباردة موارد ضخمة من الاقتصادات العالمية للتسلح والتنافس الاقتصادي، مما أثر على التنمية الاقتصادية في العديد من الدول.
الحرب الباردة أيضا دفعت الدول للتدخل في الصراعات المحلية ودعمت أطرافًا محلية في النزاعات المستمرة، مما أدى إلى استمرار الصراعات وتعقيدها.
اليوم نشهد في أوكرانيا نموذجاً أكثر تطوراً، فسباق التسلح النووي استبدل بسباق التسلح بالذكاء الاصطناعي، وهي تقنيات تحاول الولايات المتحدة منع وصولها لروسيا وحلفائها عبر إشغالهم بالحرب، حرب أوكرانيا تشغل روسيا، إيقاف الشركات الصينية ومحاربتها تشغل الصين، الاعتداء على لبنان قد يشغل إيران، وهكذا ينشغل كل الحلفاء وتطور الولايات المتحدة ما تريد.
وفي المقابل تكرر حرب أوكرانيا استهلاك الموارد العالمية والتأثير على التنمية الاقتصادية للدول وتدعم صراعات بين الدول المختلفة، ولعل التهديدات الأخيرة الصادرة من سيئول بأنها ستدعم أوكرانيا في حال زودت روسيا كوريا الشمالية بأسلحة متطورة وهو استمرار لنموذج الحرب الباردة في تغذية الصراع بين الدول.
أوكرانيا اليوم هي أفغانستان الماضي، حيث استخدمت الولايات المتحدة أفغانستان في إرهاق روسيا، والعرب في تمويل هذا المشروع، اليوم تستخدم أوروبا في تمويل مشروعها في أوكرانيا، لكن عالم الإعلام السريع اليوم يفضح المخططات الأمريكية، ولعل تصريح مندوب الصين خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي الذي طالب فيه الولايات المتحدة بوقف تصعيد الصراع في أوكرانيا والعمل على إيجاد حلول للأزمة بدلا من تصعيدها يؤكد أن الخطة مكشوفة وواضحة.
ورغم الحرب الباردة إلا أن السوفييت والأمريكان تعاونا في إطار برنامج أبولو الأمريكي للوصول إلى القمر. استخدمت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) محركات الصواريخ السوفييتية للمساعدة في إطلاق مركبات الفضاء الأمريكية، لكن الولايات المتحدة تعلم أن تحدي الذكاء الاصطناعي مختلف اليوم، وتسعى بكل ما أوتيت من قوة للسيطرة عليه لمصلحتها، لهذا هي تستثمر بشكل كبير في البحث من خلال وكالات مثل وكالة دفاع الأبحاث المتقدمة (DARPA) وناسا ووزارة الدفاع الأمريكية (DoD). ويركز البحث على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن توفر فوائد استراتيجية وتكنولوجية للبلاد.
نحن اليوم نشهد حرباً باردة هدفها استنزاف موارد العالم الاقتصادية من أوكرانيا مرورا بتايوان وغزة والسودان وغيرها، هدفها الرئيس إبقاء اقتصادات العالم في وضع سيئ مع استثمار أمريكي ضخم في الذكاء الاصطناعي تسيطر به على العالم مستقبلاً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً… واجتماعياً.
kushnews.net