خبر ⁄تقني

عوالم متوازية.. هذا ما قد يحدث لك إذا سقطت في ثقب أسود

عوالم متوازية.. هذا ما قد يحدث لك إذا سقطت في ثقب أسود

مقدمة للترجمة

مع نشر أول صورة على الإطلاق لثقب أسود في أبريل/نيسان 2019، تَبدَدتْ أي شكوك متبقية تحوم حول وجود مثل هذه الوحوش التي تسكن الزمكان. ومع ذلك، يبقى ما يحدث داخل الثقب الأسود موضوعا مثيرا للجدل بين علماء الفيزياء، غير أن السؤال الأهم هنا هو: ما الذي يمكن أن يحدث لك إذا كنت سيئ الحظ إلى الحد الذي يجعلك تقترب من ثقب أسود؟! تشيلسي وايت من نيوساينتست تفتح الباب للإجابة عن هذا السؤال في هذه المادة، من خلال استطلاع وجهات نظر العلماء في هذا النطاق، والتي تعرضها بسلاسة ويسر.

نص الترجمة

تخيل أنك تطفو في الفضاء، حيث يعم الهدوء والبرودة المكان، ومع ذلك ثمة ما يُشعِرك بالرهبة. وبينما أنت على هذه الحالة، يراودك فجأة شعور بقوة جذب واهية في البداية، لكنها تزداد شدة تدريجيا، لتسحبك نحو منطقة فارغة في السماء. وقبل أن تُدرك أنك على شفير الهاوية، ستكتشف أنك أخذت تشق سبيلك إلى داخل ثقب أسود.

عن ذلك تقول "بريامفادا ناتاراجان" من جامعة ييل: "هنا يبدأ الكون في التصرف بطريقة غريبة عصية على إدراكك". مع نشر أول صورة على الإطلاق لثقب أسود في أبريل/نيسان 2019، تَبدَدتْ أي شكوك متبقية تحوم حول وجود مثل هذه الوحوش التي تسكن الزمكان. ومع ذلك، يبقى ما يحدث داخل الثقب الأسود موضوعا مثيرا للجدل بين علماء الفيزياء، غير أن السؤال الأهم هنا هو: ما الذي يمكن أن يحدث لك إذا كنت سيئ الحظ إلى الحد الذي يجعلك تقترب من ثقب أسود؟!

إعلان

تمارس جميع الأجسام قوة جذب على بعضها بعضا، وعادة ما تكون ضعيفة للغاية وغير ملحوظة، لكن في حالة الثقوب السوداء، تكون قوة الجذب هائلة للغاية لدرجة أن لا شيء -حتى الضوء- يمكنه التملص من قبضتها.

وبسبب كتلتها الهائلة، فإن الثقوب السوداء تؤثر على نسيج الزمكان لدرجة أن الزمن نفسه يبدأ في الانحناء أو التشوه بالقرب منها. والمفاجأة أنك لن تشعر بأن خطواتك لم تعد تعرف موطئها معرفة جيدة أو تشعر بأي تغيير غريب أثناء سقوطك فيه، ولكن بالنسبة لأي شخص يراقبك من بعيد، ستبدو كأنك تتباطأ تدريجيا مع اقترابك من الثقب الأسود.

أثناء سقوطك نحو الثقب الأسود (مثلما يدور الماء في مجرى الصرف)، فإن جميع الفوتونات (جزيئات الضوء) التي تُسحب معك ستشكل تيارا من الضوء الساطع يدور حول ثقب يموج بالظلام الدامس، وهو ما أظهرته الصورة الشهيرة لفريق "تلسكوب أفق الحدث".

وسيظهر تأثيران غريبان عند اقترابك النهائي من الثقب الأسود، سيغطي الظلام المتزايد مجال رؤيتك تدريجيا، وسيمضي الثقب الأسود موغلا في الاتساع بسرعة هائلة على نحو غير متوقع، في حين ستبدأ النجوم المحيطة بالظهور مشوهة ومنحنية.

إنها فرصتك الأخيرة إذن للفرار، لأنك إذا تقدمت أكثر فستعبر أفق الحدث، وهو النقطة التي تصبح فيها جاذبية الثقب الأسود هائلة لدرجة أنه لا يمكن لأي شيء الفرار من قبضتها. في السياق ذاته، تقول ناتاراجان: "ما إن تبلغ النقطة التي يمكنك فيها رؤية أفق الحدث، حتى تلاحظ كيف ينحني ضوء النجوم حول الثقب الأسود".

عند هذه المرحلة، ستلتف الخطوط المنحنية للضوء حول الثقب الأسود، ولكن مع تسارعك نحو نقطة اللاعودة (أفق الحدث)، ستؤثر شدة المجال الجاذبي على طبيعة الضوء الذي يتراءى لك. وإذا كان لديك القوة الكافية في عضلات رقبتك لتلتفت بنظرة أخيرة خلفك، فسترى ضوء النجوم يتجمع معا ليشكل نقطة حمراء واحدة. أنت الآن في المكان الأشد عمقا وظلمة حيث يتسنى للمرء أن يرتحل إليه. يشبه الأمر كما لو أنك تسقط إلى الهاوية، لكن الفرق هنا هو أن "الهاوية لا نهاية لها" كما تقول ناتاراجان.

الثقب الأسود في مركز مجرتنا درب التبانة (مرصد أفق الحدث)

انطلاقا من هذه اللحظة، سيشهد جسدك صنوفا من العذابات المروّعة التي ستعجز عن أن تبرأ منها. فالجاذبية الهائلة والمتزايدة بسرعة مهولة داخل الثقب الأسود لن تسحقك فحسب، بل ستفصل كل جزء من جسدك لتحويله إلى ما يشبه خيوط المعكرونة. فإذا سقطت على قدميك أولا، ستُسحَب كاحلاك بعيدا عن ركبتيك ثم سيتمدد عنقك ليصبح مثل خيط المعكرونة، إلا أن الفارق الزمني بين تأثر أجزاء جسدك صغير جدا لدرجة أنك ربما لن تلحظ ذلك. ومن جانبها، تُضيف ناتاراجان: "سيحدث هذا في طرفة عين، ولعل هذا ليس التعبير الأفضل عن حالتك بما أن مقلتَي عينيك ستبرزان إلى الخارج".

إعلان

ما مصيرك النهائي إذن وأنت تواصل السقوط والتسارع نحو مركز الثقب الأسود بجسد ممتد مثل المعكرونة و بلا عينين؟! لمعرفة مصيرك، سيكون أمامك 4 خيارات:

الخيار الأول: ابقَ كما أنت

إن قوانين الديناميكا الحرارية صارمة، حتى الثقب الأسود يتعذر عليه الإفلات من حكمها. ووفقا للقانون الثاني، فإن مقدار الإنتروبيا أو الفوضى في الكون لا يمكن أن يتناقص أبدا.

لذا، عندما يسقط جسمك المضطرب في الثقب الأسود لا يمكن ببساطة محو الإنتروبيا التي يحتوي عليها جسدك، وبدلا من ذلك لا بد لهذه الإنتروبيا أن تُحسَب عن طريق زيادة في إنتروبيا الثقب الأسود نفسه. ولكن إذا كان للثقب الأسود إنتروبيا خاصة به، فلا بد أن تكون له درجة حرارة أيضا، وبما أن أي جسم يمتلك درجة حرارة، فلا بد له أن يشع هذه الحرارة، وهو ما يعني أن الثقب الأسود نفسه يجب أن يُشِع حرارة (وهذا يتناقض مع الفكرة التقليدية التي تفترض أن الثقوب السوداء لا يمكنها أن "تُشع" أي شيء بسبب جاذبيتها القوية التي تمنع الضوء والمواد من الهروب منها*)، ومن ثم، كيف يمكن للإشعاع الهروب من جسم لا يمكن التملص من قبضته؟! في عام 1974، ابتكر ستيفن هوكينج حلا لهذه المعضلة، فاخترع نوعا من الإشعاع يحمل اسمه الآن.

فبدلا من أن ينطلق الإشعاع من قلب الثقب الأسود، يتكون إشعاع هوكينج من جسيمات وأزواجها المضادة التي تظهر فجأة بالقرب من أفق الحدث. تتمتع هذه الجسيمات وأضدادها بالقدرة على الظهور في أي مكان في الكون عشوائيا، وترتبط هذه الجسيمات ببعضها ارتباطا جوهريا، أي أن أي تغيير في أحد الجسيمات يؤثر مباشرة على الجسيم الآخر، حتى لو كانت تفصل بينهما مسافة كبيرة. وفي لغة ميكانيكا الكم، يُطلَق عليها صفة "التشابك".

عندما تظهر أزواج الجسيمات والجسيمات المضادة بالقرب من أفق الحدث للثقب الأسود، قد يسقط أحدها، فيما ينجو الآخر مبتعدا في الفضاء على شكل إشعاع هوكينج، ومن ثم يتسبب هذا الإشعاع في فقدان الثقب الأسود لجزء من طاقته.

إعلان

ومع مرور الوقت، يؤدي هذا الفقدان المستمر للطاقة إلى تقليل كتلة الثقب الأسود تدريجيا. لكن هناك نتيجة مقلقة، إذا استمر هذا الإشعاع لفترة كافية فإن الثقب الأسود سيشع كل طاقته ويختفي تماما في النهاية، أي "يتبخر"، وهذا يعني أنه عندما يتلاشى الثقب الأسود فإن كل ما ابتلعه، بما في ذلك أي شخص أو مادة سقطت بداخله، سيختفي معه أيضا.

إن اختفاء الثقب الأسود بالكامل يُعتبر انتهاكا لمبدأ أساسي في الفيزياء، وهو أن المعلومات لا يمكن أن تختفي فجأة. وفقا لهذا المبدأ، حتى لو دُمرتْ المعلومات في شكل معين (مثل حرق كتاب)، فإن المعلومات لا تختفي تماما، بل تتحول إلى شكل آخر، مثل الجسيمات الناتجة عن الدخان والرماد. ورغم أن المعلومات تُصبح أصعب في قراءتها أو إعادة ترتيبها، فإنها تظل موجودة بطريقة ما. ويعتمد الفيزيائيون على هذه الفكرة لضمان استمرار الوصول إلى المعلومات حول الماضي والتنبؤ بالمستقبل. إذا كان من الممكن للمعلومات أن "تختفي" أو "تُستحدث من العدم"، فإن كل قوانين الفيزياء التي نعرفها ستفقد معناها. فإذا كان الثقب الأسود قادرا على تدمير المعلومات، فإنه قادر على محو أثرك تماما.

الخيار الثاني: انتظر حتى يتجشأ الثقب الأسود

اقترح بعض علماء الفيزياء احتمالا نظريا يشير إلى أن المعلومات المتعلِّقة بك قد تبقى عالقة داخل الثقب الأسود لفترة طويلة، بينما يستمر الثقب الأسود في التبخر ببطء عبر إشعاع هوكينج.

في هذه الحالة، لن تُفقد المعلومات بالكامل أو تُدمر نهائيا، لكنها ستظل "محبوسة" داخل الثقب الأسود لفترة زمنية هائلة، قد تمتد لملايين أو مليارات السنين. ثم في اللحظات الأخيرة من حياة الثقب الأسود، عندما يقترب من التبخر التام، تُقذَف المعلومات إلى الخارج (أو يتجشأها الثقب الأسود) مع الانبعاث الأخير لإشعاع هوكينج. وهكذا، فإن بعض المعلومات الخاصة بك أو بالأجسام الأخرى التي ابتلعها الثقب الأسود قد تُستعاد في النهاية، بدلا من أن تضيع إلى الأبد.

مع مرور الوقت، ومع استمرار الثقب الأسود في فقدان طاقته تدريجيا، فإن أفق الحدث سيصبح صغيرا جدا لدرجة أنه حتى أصغر طول موجي للضوء لن يتمكن من التسلل إلى داخل الثقب الأسود. في هذه المرحلة النهائية، ستنطلق الإشعاعات المتبقية المرتبطة بـ"بقاياك" (أو بالمعلومات الخاصة بك) إلى الفضاء. ومع انتهاء هذه العملية، لن يتبقى أي شيء من الثقب الأسود سوى المساحة الفارغة التي كان يقطنها.

غير أن ثمة خللا جوهريا في هذه النظرية، فسرعة فقدان الثقب الأسود للطاقة عبر إشعاع هوكينج لا يتحكم بها الثقب الأسود، بل تحددها قوانين الديناميكا الحرارية. وفقا لهذه القوانين، كلما زاد انبعاث الإشعاع من جسم ما، قل حجمه تدريجيا. ومع انخفاض حجم الثقب الأسود، تقل قدرته على إصدار المزيد من الإشعاع. وعند اقتراب الثقب الأسود من نهايته، يغدو في غاية الصغر لدرجة أن ما تبقى من طاقته لن يكون كافيا لإخراج أي شيء يُذكر.

إعلان

في هذه الحالة، لن يكون هناك "انفجار" أخير أو انبعاث كبير للمعلومات المتبقية، بل سيختفي الثقب الأسود بهدوء تام ("بهمس" وليس "بانفجار")، وستتلاشى أي آثار متبقية لوجودك.

الثقب الأبيض هو جسم كوني نظري غريب شديد السطوع يعمل في الاتجاه المعاكس للثقب الأسود (وسائل التواصل الاجتماعي)

الخيار الثالث: ابحث عن مخرج من خلال الثقب الأبيض

وعلى عكس الثقوب السوداء التي لا تسمح لأي جسم بالهروب من جاذبيتها، فإن الأجسام الافتراضية المعروفة بالثقوب البيضاء لا تستطيع الاحتفاظ بأي شيء بداخلها. وتتلخص إحدى النظريات في أن كل ثقب أسود قد يكون متصلا بثقب أبيض عبر نفق بين الأبعاد يُعرف باسم الثقب الدودي. فإذا سقطت في الثقب الأسود، فقد تُنقل عبر هذا النفق وتُقذف خارجا من الثقب الأبيض بدلا من أن تفنى تماما.

ولكن بالنسبة لكارلو روفيلي من جامعة إيكس مرسيليا في فرنسا، فثمة طريقة لتحقيق ذلك دون الحاجة حتى إلى ثقب دودي. بحسب روفيلي، فإن كل ثقب أبيض كان في الماضي ثقبا أسود، وهو ما يعني أنه في مرحلة ما في المستقبل البعيد قد تُقذَف بقاياك أو المعلومات التي ابتلعها الثقب الأسود عندما يتحول هذا الأخير إلى ثقب أبيض. ولكن كيف لتحوُّل كهذا أن يحدث؟

عندما ينهار نجم ليشكِّل ثقبا أسود، تقترب ذراته من بعضها بعضا إلى الحد الذي يجعلها تخضع لقوانين فيزياء الكم. ويمكن لهذه القوانين أن تُفضي إلى ظواهر غريبة يعوزها المنطق، وأهمها ما يسمى بالنفق الكمومي، وهو ظاهرة في فيزياء الكم تنص على أن الجسيمات قد يكون لديها فرصة ضئيلة، لكنها غير صفرية، للمرور عبر حاجز يستحيل اختراقه في العادة.

ومن جانبه، يشير روفيلي إلى أن الجسيمات التي تسقط في الثقب الأسود يمكنها أن تمر عبر نقطة التفرد أو ما يعرف بالمتفردة (وهي النقطة ذات الكثافة اللانهائية في مركز الثقب الأسود) ثم ترتد مرة أخرى خارجها. وفقا لنظرية أينشتاين، فإن أي شيء يدخل الثقب الأسود لا يمكنه العودة. ومع ذلك، تتيح نظرية الكم للجسيمات المرور عبر النفق الكمي والظهور مجددا خارج الثقب الأسود بعد عبورها له، ما يعني أن الجسيمات قد "تتسلل" عبر النفق وتعيد الظهور في مكان آخر.

إعلان

عندما تسقط المادة أو الجسيمات في الثقب الأسود، يمكن أن تمر عبر نقطة التفرد وتعود للخروج من الطرف الآخر، ما يؤدي إلى انبعاث المادة على شكل ثقب أبيض.

بالنسبة للمراقب الخارجي، قد تستغرق هذه العملية مليارات السنين لكي يحدث هذا التحول، في حين أن الزمن يتسارع داخل الثقب الأسود جراء الجاذبية الهائلة له. وعن ذلك يقول روفيلي: "الوقت الذي يستغرقه سقوطك إلى المركز، والمرور عبره، والعودة من الجهة الأخرى؛ سيكون أشبه بملي ثانية فحسب".

ويُضيف روفيلي أن المراقب الخارجي إذا نظر إلى داخل الثقب الأسود، سيبدو الشخص أو الجسيمات كأنها مجمدة، بسبب السرعة التي يمر بها الزمن من وجهة نظرهم. وهناك احتمال أن هذا الشخص المجمد (أو الجسيمات المجمدة التي كانت تمثل الشخص) قد تنجح في الخروج عبر الثقب الأبيض في النهاية.

في عام 1974، ابتكر ستيفن هوكينج حلا لمعضلة الثقب الأسود، فاخترع نوعا من الإشعاع يحمل اسمه الآن (الأوروبية)

الخيار الرابع: أن تتسرب هويتك على هيئة إشعاع

أشار ستيفن هوكينج إلى أن الثقوب السوداء تُصدِر إشعاعات باستمرار، فماذا لو كانت هويتك ت