كيف تعمل شبكة الإنترنت رحلة إلى قلب الشبكة التي تربط العالم

لا شك في أن شبكة الإنترنت ليست مجرد وسيلة للتواصل أو الوصول إلى المعلومات؛ بل هي بنية تقنية معقدة تجمع بين ملايين الشبكات والمكونات التقنية التي تعمل بتناغم لتوفير تجربة المستخدم التي نعيشها يوميًا.
ومن أجل فهم كيفية عمل شبكة الإنترنت، يجب أن نستكشف الجوانب التقنية التي تشكل أساس تشغيلها، بدءًا من شبكات الحواسيب الهرمية وحتى البروتوكولات التي تدير حركة البيانات.
وإذا أردنا تبسيط الموضوع، فإن شبكة الإنترنت تتألف من مجموعة من الطبقات المتسلسلة التي تبدأ بالمستخدم وتنتهي عند العمود الفقري للإنترنت، الذي يتضمن الكابلات البحرية ومراكز البيانات الضخمة.
ويجري نقل البيانات من خلال أجهزة توجيه الإنترنت، التي تعمل كالعقد الرئيسية لتنظيم حركة المرور وتوجيه الحزم إلى وجهاتها.
ويلعب "بروتوكول الإنترنت" (IP) دورًا رئيسيًا هنا، حيث يعتمد على عناوين فريدة لتحديد كل جهاز متصل بالشبكة، بينما يترجم "نظام أسماء النطاقات" (DNS) أسماء المواقع إلى عناوين "بروتوكول الإنترنت" (IP) المفهومة للشبكة.
وعلى المستوى التطبيقي، تتعامل خوادم الإنترنت مع طلبات العملاء، حيث يجري إرسال الطلبات باستخدام بروتوكولات، مثل "HTTP"، عبر المنافذ المناسبة.
إعلانويحدد محدد موقع الموارد الموحد (URL) الموارد المطلوبة، مثل صفحات الويب، بينما يعمل "نظام أسماء النطاقات" (DNS) خلف الكواليس لضمان وصولك إلى الموقع الصحيح.
وفي هذا المقال، نتعرف بالتفصيل على هذه المكونات من أجل فهم كيفية تعاونها معًا لتكوين شبكة الإنترنت التي أصبحت العمود الفقري للعصر الرقمي.
شبكات الحواسيب
قبل الغوص في تفاصيل شبكة الإنترنت، يجب أن نحدد ما الشبكة؟ وإذا أردنا تعريف الشبكة بطريقة مبسطة، فإنها مجموعة من أجهزة الحواسيب المتصلة القادرة على إرسال البيانات من بعضها إلى بعض.
وتشبه شبكة الحواسيب إلى حد كبير مجموعة من الأشخاص الذين يعرف بعضهم بعضًا ويتبادلون المعلومات بانتظام. ويُعد كل جهاز متصل بالإنترنت جزءًا من شبكة، بما في ذلك الأجهزة الموجودة في منزلك.
وعلى سبيل المثال، قد يستخدم حاسوبك مودم كابلات أو ألياف ضوئية للاتصال بمزود خدمة الإنترنت (ISP).
أما في مكان العمل، فقد يكون جهازك جزءًا من شبكة محلية (LAN)، بينما يتولى مزود خدمة الإنترنت الخاص بالشركة توفير الاتصال بالشبكة العالمية.
وبمجرد اتصال جهازك، يصبح جزءًا من شبكة الشركة. بدوره، يتصل مزود الخدمة بشبكة أكبر، إذ إن الإنترنت في جوهرها هي شبكة تتألف من شبكات مترابطة.
وتمتلك شركات الاتصالات الكبرى شبكات أساسية مخصصة تسمى "العمود الفقري" (Backbones)، وهي اتصالات دائمة بالإنترنت تمتلك سعة نطاق كبيرة تتيح لعدد كبير من الأشخاص استخدامها في الوقت نفسه.
وفي كل منطقة، تمتلك الشركة مكتبًا يربط المنازل والشركات بشبكتها الرئيسية. ويغيب عن هذا المشهد مركزية التحكم، حيث تنتقل البيانات من نقطة إلى أخرى.
وفي حال تعطل أي جهاز في الشبكة، تعيد الحزم الرقمية التي تشكل الملفات توجيه نفسها عبر أجهزة أخرى، وهكذا تصل الملفات إلى وجهتها النهائية كما هو متوقع دون أن يشعر المستخدم بأي تغيير في مسار البيانات.
إعلانومن أجل تبسيط الفكرة، تخيل أن الشركة "أ" هي شركة صغيرة تمتلك شبكة مكتبية تتضمن خادمًا وطابعة متصلة بالشبكة، في حين تخيل أن الشركة "ب" هي مزود خدمة إنترنت (ISP) كبير يمتلك مكاتب في المدن الكبرى لتخزين خوادمه ومعدات التوجيه.
وتُعد الشركة "ب" شركة كبيرة الحجم، مما يسمح لها بتشغيل خطوط ألياف ضوئية تربط بين مبانيها، الأمر الذي يضمن تواصلها الداخلي.
وفي هذا السياق، يمكن لجميع عملاء الشركة "أ" التواصل فيما بينهم، ويمكن لجميع عملاء الشركة "ب" فعل الشيء ذاته، ولكن شبكتي الشركتين ليستا متصلتين ببعضهما.
وتعمل كل شركة ضمن نظام داخلي مستقل، لكنها لا تستطيع التواصل مع الأخرى. لهذا السبب، توافق الطرفان على الاتصال عبر "نقاط الوصول إلى الإنترنت" (IXPs) في مدن مختلفة.
ومن خلال هذه النقاط، يمكن لشبكتي الشركتين الاتصال فيما بينهما وبشبكات أخرى تستخدم الإنترنت.
ويوضح هذا المثال كيف يمكن لشبكتين مستقلتين التواصل عبر الإنترنت، مع أن هذه الحالة ليست سوى نموذج مصغر لما يحدث على نطاق أوسع.
جهاز توجيه الإنترنت
تعتمد جميع شبكات الإنترنت على "نقاط الوصول إلى الإنترنت" (IXPs) و "العمود الفقري" (Backbones) و "أجهزة التوجيه" (Routers) للتواصل فيما بينها.
وتغادر الرسالة جهاز الحاسوب وتنتقل عبر نصف الكرة الأرضية مرورًا بعدة شبكات مختلفة لتصل إلى جهاز حاسوب آخر خلال جزء من الثانية.
وتحدد أجهزة التوجيه مسار المعلومات بين الأجهزة، وهي أجهزة متخصصة ترسل رسائلك ورسائل جميع مستخدمي الإنترنت إلى وجهاتها عبر آلاف المسارات المختلفة.
وتؤدي أجهزة التوجيه وظيفتين أساسيتين:
- منع انتقال المعلومات إلى وجهات غير ضرورية: وهي وظيفة ضرورية لتجنب ازدحام البيانات في الشبكة ومنع التأثير في المستخدمين الآخرين.
- ضمان وصول المعلومات إلى وجهتها المحددة: وهي الوظيفة الأساسية لضمان دقة وكفاءة نقل البيانات.
وعبر أداء هاتين الوظيفتين، تلعب أجهزة التوجيه دورًا محوريًا في التعامل مع شبكتين منفصلتين.
وتربط أجهزة التوجيه الشبكتين وتنقل المعلومات بينهما، وفي الوقت نفسه تحمي كل شبكة من الأخرى من خلال منع التدفق غير الضروري للبيانات.
وبغض النظر عن عدد الشبكات المتصلة بجهاز التوجيه، تبقى عملياته الأساسية ثابتة. ونظرًا إلى أن شبكة الإنترنت هي شبكة ضخمة تتألف من عدد كبير من الشبكات الأصغر، فإن وجود أجهزة التوجيه يعتبر عنصرًا حيويًا لا غنى عنه.
العمود الفقري للإنترنت
في عام 1986، أنشأت مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية "إن إس إف" (NSF) أول عمود فقري عالي السرعة للإنترنت كان يسمى "إن إس إف نيت" (NSFNET)، وهو عبارة عن خط "تي1" (T1) يربط 170 شبكة صغرى معًا ويعمل بسرعة قدرها 1.5 ميغابايت في الثانية.
وبالتعاون مع شركات، مثل "آي بي إم" (IBM) و "إم سي آي" (MCI) و "ميريت" (Merit)، طورت مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية (NSF) في العام التالي عمودًا فقريًا جديدًا يعمل بخط "تي3" (T3) وبسرعة قدرها 45 ميغابايت في الثانية.
ويعد العمود الفقري للإنترنت بمنزلة بنية تحتية توفر اتصالات ذات سعة عالية جدًا مقارنةً بالاتصالات التي تصل المنازل بالمكاتب المركزية القريبة.
وفي بدايات الإنترنت، كانت شركات الاتصالات الكبرى فقط قادرة على إدارة هذا النوع من النطاق الترددي العالي.
أما اليوم، فإن العديد من الشركات قادرة على تشغيل هذا النوع من النطاق الترددي العالي، وتتصل جميعها بعضها ببعض من خلال "نقاط الوصول إلى الإنترنت" (IXPs) المختلفة في جميع أنحاء العالم.
وبهذه الطريقة، يستطيع أي شخص عبر شبكة الإنترنت، بغض النظر عن موقعه الجغرافي أو مزود الخدمة الذي يستخدمه، التواصل مع أي شخص آخر على هذا الكوكب.
عناوين بروتوكول الإنترنت
يمتلك كل جهاز عبر الإنترنت رقم تعريف فريدا يسمى عنوان "بروتوكول الإنترنت" (IP)، وهو أحد بروتوكولين أساسيين يُستخدمان لتواصل الأجهزة عبر الإنترنت، في حين يسمى البروتوكول الآخر "بروتوكول التحكم في الإرسال" (TCP).
إعلانويعرف البروتوكول بأنه طريقة محددة مسبقًا تسمح لمستخدم الخدمة -سواء كان إنسانًا أو برنامجًا مثل متصفح الإنترنت- بالتواصل مع الخدمة.
ويأخذ عنوان "بروتوكول الإنترنت" وفق الإصدار الرابع (IPv4) الشكل التالي: 216.27.61.137.
ومن أجل تسهيل حفظ العناوين بالنسبة للبشر، تُكتب هذه العناوين بصيغة عشرية مفصولة بنقاط، مثل المثال السابق.
ومع ذلك، فإن الأجهزة الحاسوبية تتواصل باستخدام الصيغة الثنائية، حيث يصبح العنوان السابق نفسه بصيغته الثنائية: 11011000.00011011.00111101.10001001.
وفي عنوان (IPv4)، تسمى كل مجموعة أرقام "أوكتت" (Octet) أو البتات الثمانية، لأنها تتألف من 8 مواقع عند عرضها بالصيغة الثنائية.
وعندما تُجمع جميع المواقع، نحصل على 32 موقعًا، مما يجعل عناوين (IPv4) أرقامًا بطول 32 بتا.
ونظرًا إلى أن كل موضع من المواضع الثمانية قد يكون له حالتان مختلفتان (1 أو 0)، فإن العدد الإجمالي للتركيبات الممكنة لكل 8 بتات هو 2 مرفوعة للأس 8 أو 256.
لذا، يمكن لكل 8 بتات أن تحتوي أي قيمة بين 0 و255، بحيث إذا جمعت بين الثمانيات الأربع فإنك تحصل على 2 مرفوعة للأس 32 أو ما يصل إلى 4294967296 قيمة فريدة ممكنة.
ومن بين ما يقرب من 4.3 مليارات تركيبة ممكنة في عناوين (IPv4)، فإن هناك عناوين محددة محجوزة لاستخدامات خاصة.
وعلى سبيل المثال، فإن العنوان 0.0.0.0 مخصص للأجهزة ضمن الشبكة المحلية، بينما يستخدم العنوان 255.255.255.255 للبث.
ورغم أن 4.3 مليارات يبدو رقمًا كبيرًا، فإن النمو السريع للإنترنت تطلب نظام عناوين جديدًا.
لذا، بدأ الخبراء في "مجموعة مهندسي شبكة الإنترنت" (IETF) بالعمل على نظام جديد مكون من 128 بتا في أواخر عام 1998.
ويحتوي عنوان "بروتوكول الإنترنت" وفق الإصدار السادس (IPv6)، الذي صدر رسميًا في 6 يونيو/حزيران 2012، ما يكفي لما يصل إلى 340 تريليونا مرفوعا للأس 3 عناوين.
إعلانوتبدو عناوين (IPv6) مختلفة قليلا عن عناوين (IPv4) التي ظهرت في سبعينيات القرن العشرين.
ويحتوي كل مقطع في عنوان (IPv6) على 4 أرقام مفصولة بنقطتين، على النحو التالي، ba5a:9a72:4aa5:522e:b893:78dd:a6c4:f033.
وبما أن (IPv6) يستخدم الصيغة السداسية العشرية، فإن الترقيم يشمل 16 رمزًا، مما يتطلب استخدام الحروف من "إيه" (A) إلى "إف" (F) لتمثيل الأرقام المزدوجة.
وفي ظل استخدام الإصدار الرابع من بروتوكول الإنترنت في الوقت الحالي، فإن البتات الثمانية تُستخدم لإنشاء فئات من عناوين بروتوكول الإنترنت قابلة للتخصيص لشركة معينة أو حكومة أو كيان ما بناء على الحجم والحاجة.
وتخدم البتات الثمانية في عناوين (IPv4) غرضًا آخر، إلى جانب تقسيم الأرقام، إذ إنها تستخدم لتحديد فئات عناوين "بروتوكول الإنترنت" (IP) التي تُخصص بناءً على حجم واحتياجات الأعمال أو الحكومات أو الكيانات الأخرى.
وتُقسم البتات الثمانية إلى قسمين، هما الشبكة والمضيف. وتستخدم البتات الثمانية الأولى من أجل تحديد الشبكة التي ينتمي إليها الحاسوب.
في حين يُستخدم الجزء الأخير لتحديد الجهاز المضيف أو العقدة داخل الشبكة، ويوجد 5 فئات من "بروتوكول الإنترنت" (IP)، بالإضافة إلى عناوين خاصة معينة.
نظام أسماء النطاقات
في بدايات الإنترنت، كانت الشبكة تتكون من عدد قليل من أجهزة الحواسيب المتصلة بعضها ببعض عبر أجهزة المودم وخطوط الهاتف.
ومن أجل إجراء الاتصال بين جهازين، كان من الضروري إدخال عنوان "بروتوكول الإنترنت" (IP) للجهاز المستهدف يدويًا.
وعلى سبيل المثال، قد يكون عنوان "بروتوكول الإنترنت" (IP) نموذجيًا مثل: 216.27.22.162.
وكان هذا الإجراء مناسبًا في البداية عندما كان عدد الأجهزة المتصلة قليلًا، لكنه أصبح معقدًا وغير عملي مع انضمام المزيد من الأنظمة إلى الشبكة.
إعلانومن أجل حل هذه المشكلة، ظهر أول حل بسيط تمثل في ملف نصي يسمى "جدول المضيفين" (Host Table) يحتفظ به "مركز معلومات الشبكة" (NIC).
ويربط هذا الملف أسماء الأجهزة بعناوين "بروتوكول الإنترنت" (IP)، ولكن سرعان ما أصبح حجم هذا الملف ضخمًا جدًا لدرجة أنه كان من الصعب إدارته.
وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1983، قدم "بول موكابيتريس" (Paul Mockapetris) مقترحين لمجموعة عمل الشبكة الدولية (INWG).
وحدد المقترح الأول مفاهيم "نظام أسماء النطاقات" (DNS) الذي يربط أسماء النصوص بعناوين "بروتوكول الإنترنت" (IP) تلقائيًا، في حين يحدد المقترح الثاني طرقًا لتنفيذ النظام.
وبفضل جهود موكابيتريس وآخرين، أصبح بإمكان المستخدمين الآن تذكر أسماء نصية سهلة مثل بدلًا من الأرقام والنقاط التي تُشكل عنوان "بروتوكول الإنترنت" (IP).
وشكل هذا الابتكار نقطة تحول كبيرة في تسهيل استخدام شبكة الإنترنت وتعزيز انتشارها عالميًا.
محدد مواقع الموارد الموحد
عند تصفح الإنترنت أو إرسال بريد إلكتروني، تعتمد على استخدام أسماء المجالات.
وفي كل مرة تستخدم فيها اسم مجال، فإن خوادم "نظام أسماء المجالات" (DNS) تترجم اسم المجال الذي يمكن للبشر قراءته إلى عنوان "بروتوكول الإنترنت" (IP) الذي يمكن للأجهزة قراءته.
وتشمل أسماء المجالات ذات المستوى الأعلى، التي تسمى أيضًا بأسماء المجالات ذات المستوى الأول، (.COM) و (.ORG) و (.NET) و (.EDU) و (.GOV).
وتوجد داخل كل مجال من المستوى الأول قائمة ضخمة من مجالات المستوى الثاني.
وعلى سبيل المثال، يوجد في نطاق المستوى الأول (.NET) موقع شبكة الجزيرة الإعلامية (www.aljazeera.net)، في حين أن الجزء الموجود في أقصى اليسار، مثل "www"، يُعرف باسم المضيف، وهو يشير إلى اسم دليل ضمن جهاز معين ذي عنوان "بروتوكول إنترنت" (IP) محدد ضمن مجال معين.
إعلانويمكن لأي مجال أن يحتوي على مل