خبر ⁄تقني

كيف يعيد الذكاء الاصطناعي صياغة مفهوم السلامة الحضرية للمدن

كيف يعيد الذكاء الاصطناعي صياغة مفهوم السلامة الحضرية للمدن

أصبحت السلامة الحضرية، وهي مفهوم شامل يشمل مجموعة من الإجراءات والسياسات، من الركائز الأساسية لضمان استدامة المدن ورفاهية سكانها. ومع تطور التكنولوجيا، يبرز الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة حاسمة في تعزيز الأمن العام وتحسين الاستجابة للطوارئ ورفع كفاءة إنفاذ القانون. فكيف يمكن لهذه التقنيات أن تسهم في بناء مدن أكثر أماناً وصولاً لسلامة حضرية فعالة؟

الدور الوقائي للذكاء الاصطناعي

لم تعد تقنيات المراقبة التقليدية كافية لمواكبة التحديات الأمنية المعقدة في المدن الكبرى. يوضح وسام عبد الصمد، شريك في «استراتيجي آند الشرق الأوسط» خلال حديث خاص مع «الشرق الأوسط» أن «الذكاء الاصطناعي يستطيع دعم عمليات المراقبة من خلال خوارزميات قادرة على كشف العناصر الشاذة آنياً وإطلاق الاستجابات المناسبة لها بشكل تلقائي». في السعودية، مع الأحداث الكبرى مثل موسمي الحج والعمرة والفعاليات الدولية الحالية والمقبلة، تزداد الحاجة لمثل هذه التقنيات. يضيف عبد الصمد: «مع النمو الهائل في عدد الزوار والفعاليات الكبرى، أصبح تبني حلول الذكاء الاصطناعي ليس فقط ميزة بل ضرورة لضمان أمن وسلامة الجميع».

تشمل الحلول الأمنية المدعومة بالذكاء الاصطناعي مراقبة حركة المرور عبر كاميرات ذكية تكشف المخالفات وتقلل الحوادث. أيضاً «الشرطة التنبؤية» التي تحلل أنماط الجرائم لتوقعها ومنعها قبل وقوعها. وكذا أنظمة كشف إطلاق النار التي تخفض زمن الاستجابة للطوارئ وإدارة الكوارث من خلال تحليل البيانات في الوقت الفعلي.

وسام عبد الصمد شريك في «استراتيجي آند الشرق الأوسط» متحدثاً إلى «الشرق الأوسط» (استراتيجي آند الشرق الأوسط)

مفهوم «الشرطة التنبؤية»

يشير عبد الصمد إلى أن «الشرطة التنبؤية» يمكن أن تكون قائمة على المكان أو الأفراد، مما يساعد في تحديد نقاط الجريمة المحتملة أو الأشخاص المعرضين للخطر.

وتحتوي «الشرطة التنبؤية» على استخدام الخوارزميات لتحليل كميات هائلة من المعلومات للتنبؤ بالجرائم المستقبلية والمساعدة في منعها.

تستخدم «الشرطة التنبؤية» القائمة على المكان عادة بيانات الجرائم السابقة لتحديد الأماكن والأوقات التي تكثر بها مخاطر ارتكاب الجرائم؛ بينما تلك القائمة على الأفراد تحاول تحديد الأفراد أو المجموعات المرجح ارتكابها لجرائم أو تكون ضحية لها.

وفي غضون الأسابيع العشرة الأولى من نشر نموذج «الشرطة التنبؤية»، سجلت مدينة مانشستر بولاية نيو هامبشاير في الولايات المتحدة الأميركية، انخفاضاً في معدل الجريمة بنسبة 24 في المائة للسرقات، و13 في المائة للسطو، و34 في المائة للسرقات من السيارات، بحسب الإحصائيات. وخلال دورة الألعاب الأولمبية في البرازيل عام 2016، انخفضت الوفيات في مدينة ريو دي جانيرو بنسبة 10 في المائة، وانخفض وقت الاستجابة بنسبة 40 في المائة باستخدام تقنيات مماثلة.

كما تضيف تقنيات التحليل الجنائي للفيديو والصوت، مثل أنظمة كشف إطلاق النار، طبقة أخرى من الحماية. ففي مدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا الأميركية، ساهم الذكاء الاصطناعي في خفض جرائم القتل بنسبة 36 في المائة بعد تطبيق هذه الأنظمة.

تبرز إدارة حركة المرور بوصفها مجالاً رئيسياً يستفيد من إمكانيات الذكاء الاصطناعي في تحقيق التحسينات والكفاءة (أدوبي)

نحو مدن أكثر ذكاءً

تعد إدارة حركة المرور أحد أبرز المجالات التي يستطيع الذكاء الاصطناعي إحداث فرق فيها. فمن خلال كاميرات المراقبة الذكية، يمكن اكتشاف الحوادث فور وقوعها، وإعادة توجيه حركة السير، وحتى التنبؤ بأعطال الطرق قبل حدوثها. كما تُسهم كاميرات المراقبة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على الطرق في اكتشاف ومعالجة مخالفات المرور، بما في ذلك السرعة، وتجاوز الإشارة الحمراء، وعدم ربط أحزمة الأمان، والتحدث على الهواتف المحمولة أثناء القيادة، وغيرها من المخالفات من خلال كاميرات الشوارع نفسها.

وقد كانت المملكة العربية السعودية رائدة في تطبيق العديد من هذه الحلول المرورية على مدى السنوات الماضية. بالإضافة إلى تأثيرها الاجتماعي والاقتصادي غير المباشر، فإن الفوائد المباشرة وحدها جديرة بالإشادة، حيث ساهمت هذه الحلول في خفض حوادث الطرق الخطرة بنسبة 7 في المائة في عام 2022 مقارنة بعام 2021، وخفض الوفيات بنسبة 3 في المائة بحسب عدة مصادر.

كيف يمكن تحقيق التوازن؟

رغم الفوائد الكبيرة للذكاء الاصطناعي في السلامة الحضرية، فإن التحدي الأكبر يكمن في التكاليف الباهظة للبنية التحتية. ويعد عبد الصمد أن المدن الذكية تتطلب نشر كاميرات وأجهزة استشعار وشبكات اتصال متطورة، مما يستدعي نماذج تمويل مبتكرة. ومن بين الحلول المقترحة أن تتوفر الشراكات بين القطاعين العام والخاص، حيث يستثمر القطاع الخاص في البنية التحتية مقابل تقاسم الإيرادات. كذلك نماذج البناء والتشغيل ونقل الملكية التي تضمن استدامة المشاريع على المدى الطويل.

تحديات لا يمكن تجاهلها

مع الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي، تبرز مخاوف تتعلق بخصوصية البيانات والأمن السيبراني وتختلف على نطاق واسع حسب السوق. ويؤكد عبد الصمد خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» على أن «السلطات تحتاج إلى الامتثال للوائح حماية البيانات وتعزيز دفاعاتها ضد الهجمات الإلكترونية، خاصة مع الكم الهائل من المعلومات التي يتم جمعها».

مستقبل واعد

تتماشى تقنيات الذكاء الاصطناعي مع أهداف «رؤية السعودية 2030»، ويقول عبد الصمد إن المكاسب المحتملة من تنفيذ مبادرات الذكاء الاصطناعي كبيرة جداً. وإذا تم النظر إلى المشاريع المماثلة وتأثيراتها على المقاييس الاقتصادية في البلدان الأخرى، يمكن أن تؤدي استراتيجية المدينة الآمنة الشاملة إلى انخفاض ملحوظ في الخسائر البشرية والمادية وانخفاض معدلات الجريمة وتقليل الازدحام وانخفاض الانبعاثات من النقل، وتحسين استخدام الموارد.

وتشير دراسات شركة «استراتيجي آند الشرق الأوسط» حول المكاسب المحتملة التي قد تحققها السعودية على مدى السنوات العشر المقبلة إلى وجود فرصة لخفض الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق وغيرها من الحوادث بنسبة تصل إلى 20 في المائة، وتقليص أوقات السفر بنسبة 40 في المائة، وخفض الانبعاثات من المركبات بنسبة 10 في المائة، وتقليل تكاليف الرعاية الصحية والتأمين بنسبة 25 في المائة. ومع كل هذه الفرص، فإن الفوائد الاقتصادية الإجمالية قد تتجاوز 200 مليار ريال سعودي على مدار عشرة أعوام.

يُعد الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية في بناء مدن أكثر أماناً واستدامة، خاصة في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة. ورغم التحديات التمويلية والتقنية، فإن الفرص التي توفرها هذه التقنيات هائلة، سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي. ومع تبني نماذج عمل مبتكرة وضمان حوكمة رشيدة للبيانات، يمكن للمملكة أن تصبح نموذجاً عالمياً في تطبيق الذكاء الاصطناعي لتعزيز السلامة الحضرية.

aawsat.com