تراجع البحث في سفاري يكشف عن تحول عالمي في سلوك المستخدمين

منذ أن وُلد الإنترنت، لم تكن هناك أداة أكثر تأثيراً في حياة المستخدم من «محرك البحث». سنوات طويلة ظلّت فيها «غوغل» المتصدر بلا منازع، تنظم لنا فوضى المعلومات وتقدمها على طبق من روابط زرقاء. لكن، يبدو أن هذا المشهد على وشك أن يتغير، وربما إلى الأبد.
مؤخراً، كشفت شهادة مسؤول في شركة «أبل» عن تراجع عمليات البحث داخل متصفح «سفاري»، لأول مرة منذ 22 عاماً. التفسير لم يكن تقنياً ولا بسبب ضعف في محرك البحث، بل ببساطة: المستخدمون لم يعودوا يبحثون كما اعتادوا، بل يسألون الذكاء الاصطناعي.
تطبيقات مثل «تشات جي بي تي» (ChatGPT) ومحرك البحث «بيربلكسي» (Perplexity) تقدم تجربة بحث مختلفة تماماً: لا روابط، لا إعلانات، بل إجابة مباشرة. هذا التحول يبدو بسيطاً ظاهرياً، لكنه يُهدد واحدة من أعمدة الإنترنت الحديثة: نموذج البحث القائم على الإعلانات.
وبحسب تقارير حديثة، يعالج «ChatGPT» أكثر من مليار عملية بحث أسبوعياً، بينما سجّل أكثر من 400 مليون مستخدم نشط أسبوعياً في فبراير (شباط) الماضي، وهو رقم يتجاوز عدد مستخدمي محركات بحث تقليدية في بعض الدول. أما «Perplexity»، فقد حصد تمويلات بمئات الملايين من الدولارات في وقت قياسي، مع أكثر من 50 مليون زيارة شهرية حتى مطلع 2025.
«غوغل» التي تدفع ما يقارب 20 مليار دولار سنوياً لـ«أبل» لتكون محرك البحث الافتراضي، تواجه الآن معركة مزدوجة: ضغوط تنظيمية تتهمها بالاحتكار، وتحول في سلوك المستخدمين قد يُضعف من قيمتها الجوهرية بصفتها شركة تهيمن على المعلومات. وقد تسببت أخبار هذا التحول في انخفاض سهم «Alphabet» بنسبة 7.3 في المائة خلال يوم واحد، ما أدى إلى خسارة سوقية تقارب 150 مليار دولار.
ورغم استثمارات «غوغل» السريعة في تطوير أدوات مثل «جيميني» (Gemini)، إلى جانب ميزة «ملخصات الذكاء الاصطناعي» (AI Overviews) التي توسعت إلى أكثر من 100 دولة، فإن المعركة الحقيقية ليست تقنية، بل تتعلق بعادات الناس. حين يعتاد المستخدم على أن يسأل ويحصل على إجابة مباشرة بلا إعلان، من الصعب أن يعود لنمط البحث التقليدي.
حتى المعلنين بدأوا يعيدون حساباتهم. فإذا بدأت ملايين المستخدمين في الاعتماد على أدوات لا تُظهر إعلانات، فإلى أين ستذهب ميزانيات الإعلانات؟ هذا السؤال بات يؤرق وادي السيليكون.
ربما لا نعيش الآن نهاية «غوغل»، لكنها بالتأكيد بداية نهاية «محركات البحث» كما نعرفها. والذكاء الاصطناعي، كما يبدو، لن يكون فقط أداة مساعدة... بل بديلاً.
aawsat.com