مقال ⁄اجتماعي

السفير الدكتور عبد المحمود عبد الحليم

السفير الدكتور عبد المحمود عبد الحليم

اجريت لي عملية جراحية خطيرة ومعقدة للغاية ودقيقة جدا بمصر في مستشفي الميري لاند بمصر الجديدة علي يد الجراح المصري العالمي البروفيسور ابراهيم جمعان لازلة غدة درقية متضخمة داخل تجويف الصدر وضاغطة علي شرايين القلب وفي حالة انفجار بعد ايام معدودة..في العام ٢٠١٥..قبل العملية ذهبت لاشهر جراح مصري مسيحي الديانة وصفه لي اشهر الاطباء في القصر العيني ومعظم السودانيين والمصريين..

اجري لي التحاليل الطبية اللازمة ..ونظر الي مليا وكان صادقا معي..قال ..

هذه العملية دقيقة جدا..ونسبة نجاحها لايتعدي خمسة بالمائة..توكل علي الله..رايت في عيونه..انه ينعيني..وانا حي يرزق فخفق قلبي خوفا ورعبا..ولم لا..انها الحياة..ما ان يجيء ذكر الموت علي حين غرة حتي نتشبث بها اكثر ..واكثر ونظن اننا سنعيش الي الابد في هذه الدنيا الفانية مابين غمصة عين وانتباهتها نفارق دون سابق موعد..واصابني هم عظيم واعتراني القلق..واتصلت بصديقي الشاعر الراحل عز الدين هلالي الذي يعرف الاطباء في مصر بحكم تواجده كثيرا في القاهرة..وذكرت له ماينتظرني..فقال لي..هذا الجراح جراح عالمي بمعني الكلمة وانه صادق جدا في كل حرف يقوله..فازداد خوفي وهلعي..واردف قائلا..انا نفسي ذهبت اليه لاجراء عملية خطيرة ..ومن كلامه شعرت باني لن اري الشمس بعدها..

هنا قررت الرجوع للسودان..وعدم اجراء العملية..والشيء بالشيء يذكر فقد كنت حينها مستشار اعلامي لوزارة الصحة الاتحادية ..لاكثر من عشرين عاما..وذهبت للقمسيون الطبي بالخرطوم بحري قبل ان اسافر لمصر.

وقرر القمسيون الطبي ان هذه العملية يمكنني ان اجريها بالسودان وتم تحديد ثلاثة مستشفيات من بينها مستشفي كير في مدخل الشجرة بالخرطوم ..ازعجني قرار القمسيون الطبي لاني وبحكم عملي كمستشار اعلامي بالوزارة علي علاقة طيبة بكبار الاطباء والاختصاصيين خاصة وان بعضهم من الذين يحملون الجنسية البريطانية قد جاءوا للعمل بالسودان واذكر من بينهم صديقنا العزيز الانسان الاحتصاصي العالمي كمال عبد القادر فاشاروا لي جميعا بان العملية تحتاج لمعدات حديثة لاتتوفر في السودان ..

لذلك راجعت قرار القمسيون الطبي لمعرفة الطبيب الذي قرر عدم الموافقة لذهابي لمصر لاجراء العملية هناك خاصة ومعي ابنتي الطبيبة د.نسمة عبد العظيم اكول وكانت خريجة حديثة من طب جامعة العلوم والتقانة وتعرف الاطباء بحكم تدريبها علي ايديهم..فعرفته وقررت ان اذهب اليه في عيادته لانه جراح معروف واساله عن قراره وانه طالما قرر ذلك وهو الجراح المخضرم ان اطلب منه شخصيا اجراء العملية لي بنفسه في السودان..وبالفعل ذهبنا اليه..وقلت له انا موافق بشرط ان تجري لي العملية بنفسك وكانت الابنة قد تدربت عليه في الجراحة لانها تتجه لهذا المجال الذي تجد فيه نفسها..يذكر ان الباشمهندس سليل ال البرير نزار عثمان مصطفي وكان حينها من قيادات جامعة العلوم والتقانة التي اتشرف بالانتماء اليها منذ تاسيسها عام ١٩٩٥م

بواسطة مؤسسها ومديرها اخي العزيز المعتز محمد احمد البرير يعتبرني من ابناء التقانة وانا من كتب شعارها..

يلا ويلا يلا

ياعلوم التقانة

وغني الشعار اولا المطربة حنان النيل ثم الشعار الرسمي الذي لحنه شمت محمد نور وتغني به كورال التقانة والاخر تغنت به حنان النيل لحنه الموسيقار الدكتور اخي الصديق كمال يوسف الاستاذ بكلية الدراما والموسيقي بجامعة السودان والاخير لحنه الموسيقار سر الختم علي وتغني به ابن التقانة مامون سوار الدهب وكورال التقانة..فقد وجدت دعما معنويا وماديا من الباشمهندس نزار عثمان مصطفي ومن مدير جامعة ام درمان الاسلامية الراحل حسن عباس حسن ومن الفريق اول شرطة صديقي العزيز محمد نجيب الطيب ومن زوجته الاستاذة هند مصطفي والاصدقاء الاعزاء داخل وخارج السودان..سياتي ذكرهم في مقال منفصل. 

ذهبت مع ابنتي للجراح السوداني في عيادته..قلت له طالما انت الذي قرر ان اجري العملية الخطيرة بالسودان برغم علمك بعدم وجود معدات العملية فانا موافق ان اجريها بشرط ان تجريها لي انت بنفسك لانك تعمل في احد المستشفيات التي حددتها اللجنة وانت رئيسها..فصمت صمت القبور وقال..لي..وهو يعلم باني قادر علي جعلها قضية راي عام..فقال لي صراحة انا كبرت في السن ولا استطيع اجراء هذه العملية ولن اتحمل المسئولية ..قلت له..اذن لماذا وقعت علي قرار اللجنة..فقال لي ..وقعت احتراما لقرار اعضاء اللجنة..قلت له علي كل حال سوف لن اجري هذه العملية بالسودان وساذهب لمقابلة وزير الصحة حينها وكان ادريس ابوقردة ورقم انني لم اقابله طيلة عملي بوزارة الصحة لم اقابله اطلاقا وليست لي به علاقة مباشرة..الا انني وبحكم عملي كمستشار بوزارته قررت الذهاب لوكيل الوزارة اولا..والذي بدوره وجهني بان اذهب لمقابلة الوزير لانه من اختصاصة استثناء الحالات الخطيرة للمواطنين بمختلف مشاربهم..فذهبت اليه وحدي..واستقبلني بصورة طيبة وقال لي نحن نقدر مهنة الاعلام..وعرضت عليه ماتم ومقابلتي لرئيس اللجنة..فاتصل بالمدير العام للقمسيون الطبي وطلب حضوره فورا..واعطاه التحاليل الطبية وقال لي مارايك في هذه التقارير..فقال له مدير القمسيون الطبي انه من الاستحالة بمكان اجراء العملية داخل السودان لعدم توفر المعدات الدقيقة التي تتطلبها العملية..وجاء قرار الوزير بالموافقة استثاء لاجراء الجراحة الخطيرة بمصر.

بعد قراري العودة للسودان اتصلت ليلا بسعادة سفير السودان بمصر الصديق العزيز الدكتور عبد المحمود عبد الحليم والذي طلب مني عدم التسرع بالمغادرة وقال لي اذهب غدا لمقابلة البروفيسور المصري الجراح ابراهيم جمعان بعيادته في حدائق القبة..ان لم تطمئن له..يمكنك المغادرة بعد ذلك..

ذهبت لمقابلة البروف ابراهيم جمعان..ياالله هذا رجل خلوق ومتدين وطيب القلب ياسرك تعامله ويحبب لك اجراء العملية بكامل اليقين وان الاعمار بيد الله تعالي وقرر ان يجري العملية بعد اربعة ايام لانها لا تتحمل التاخير..

وبالفعل اجري لي العملية وانا افوض امري لله العلي القدير بنجاح تام والحمد لله رب العالمين..

بعد اجراء العملية كان لابد ان الزم الفراش الابيض لعدة شهور..هل تصدق ان السفير الانسان عبد المحمود عبد الحليم كان يزورني اسبوعيا في الشقة..وتوافد معظم السودانيين بمصر لزيارتي وعلي راسهم الراحل السر قدور وعمر قدور والشاعر الفاتح حمدتو وكان حضورا طاغيا اخي العزيز الصحفي الكبير مراسل صحيفة الدار بالقاهرة المقيم حاليا بكندا محمد عثمان يوسف حبه الذي لازمني طيلة فترة مرضي..كذلك الاصدقاء كمال افرو والدكتور الشاعر احمد سليمان الجموعي رجل الاعمال المعروف بمصر والمطرب الصديق محمود علي الحاج وصديقنا ياسر البنا والقائمة تطول..

قلت لسعادة السفير..ماقمت به نحوي امر عجيب..فقال لي انا سفير السودان جئت في هذا الكرسي لخدمة جميع اهل السودان وان استدعي الحال ان ادفع لبعضهم من مرتبي وان امشي في حاجتهم بنفسي ولا الو جهدا في سبيل اداء هذه الرسالة مهما كلفني ذلك..ولايهمني معرفة فلان او غيره بقدر مايهمني انه سوداني ..وان مكتبي مفتوح علي مصراعيه لمقابلة كل سوداني يقصدني في خدمة..ذلك لان هذا الكرسي لايدوم..غدا ساذهب وسياتي غيري ..وهي سنة الحياة..فلابد ان نوفي الوظيفة العامة حقها وان نترك اثرا طيبا..

حقيقة واشهد الله علي ذلك لم التقي طوال حياتي برجل في مرتبة رفيعة مثل مرتبة السفير الدكتور الاديب الاريب عبد المحمود عبد الحليم نبلا وانسانية..وعلما..وقبل العلم اخلاقا..لله دره..وقد ترك الوظيفة قبل سنوات ولايزال كل سوداني في اي قطر او بلد عمل فيه سعادة السفير عبد المحمود يذكره بالخير من كل فج عميق..وهكذا يكون الوزير والسفير وكل من تقلد وظيفة عامة لان الوظيفة اصلا ماوصل اليها الانسان الا لخدمة وطنه وشعبه ..

حفظ الله سعادة الاديب الاريب الدكتور الانسان الذي يفيض نبلا وانسانية ويمثل السودان بعزته وشموخه خير تمثيل وجعل الله تعالي ماقدمه من جهد ومن خير تجاه كل الناس..لانه ببساطة متناهية حبيب الناس..جعل الله كل ذرة من تراب عفرته وهو يسعي لحل ومواساة السودانيين بكل الدول التي عمل بسفارات السودان فيها في ميزان حسناته.

دكتور /عبد العظيم اكول

٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤م