قانون اللجوء الجديد في مصر.. هل يثني المهاجرين عن ركوب السميك
هل يثني قانون اللجوء الجديد المهاجرين في مصر عن ركوب قوارب الموت؟
وافق مجلس النواب المصري على مشروع قانون مقدم من الحكومة لتنظيم لجوء الأجانب. بعض المصريين وصفوا القانون بـ”المثير الجدل”، بينما تخوف لاجئون من بعض البنود خاصةً فيما يتعلق بممارسة السياسة. فهل يصب القانون الجديد في مصلحة اللاجئين في مصر؟
قريبًا لن يسجل طالبو اللجوء في مصر في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كما هو الوضع حاليًا، بل إن القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، يضع إطارًا شاملًا ينظم أوضاع اللاجئين، ويحدد حقوقهم والتزاماتهم بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر.
وينص القانون الذي تمت الموافقة عليه بصورة نهائية على إنشاء لجنة دائمة لشؤون اللاجئين تتمتع بالشخصية الاعتبارية وتتبع رئيس مجلس الوزراء، لتكون الجهة المعنية بجميع شؤون اللاجئين، بما في ذلك وفي حالة دخول البلاد بطريقة غير مشروعة، يتوجب على طالب اللجوء تقديم طلبه للجنة المختصة خلال 45 يومًا لتجنب عقوبات تشمل الحبس والغرامة.
يشمل القانون الجديد السودانيين والسوريين وغيرهم من الجنسيات، وإن كان لا يشمل جميع السوريين بحسب المحامي المصري المختص بشؤون الهجرة أشرف روكسي الذي شرح لـ”مهاجر نيوز” بأن “السوريين وضعهم مختلف، وهم ينطبق عليهم ما يسمى بـ”ظروف اللاجئ”، ويقال لدينا مليون سوري لكن المسجلين 159 ألف أي 15-16% من السوريين في مصر، الباقي لا يحتاجون صفة لجوء لأن لديهم عمل، ولا هم بحاجة للمساعدة الزهيدة من المفوضية، التي تصل لـ 50 دولار”.
ويلفت روكسي إلى أن العديد من السوريين “لم يسجلوا أنفسهم كلاجئين لعدم تمكنهم من السفر، لأنه قبل القانون لم يكن بإمكان اللاجئين مغادرة البلاد، وإذا أرادوا المغادرة ولو لفترة قصيرة عليهم إغلاق ملفهم وحتى هذا يتطلب شهرين من الوقت”.
كيف نظم القانون اللجوء؟
ووفقًا لتشريع القانون، يُقدم طلب اللجوء إلى اللجنة المختصة من طالب اللجوء أو من يُمثله قانوناً، وتفصل اللجنة في الطلب خلال ستة أشهر لمن دخل إلى البلاد بطريق مشروع، وخلال سنة بحد أقصى لمن دخل البلاد بغير طريق مشروع، مع وضع الاعتبارات الإنسانية في الحسبان، بحيث تكون الأولوية في الدراسة والفحص للأشخاص ذوي الإعاقة أو المسنين أو النساء الحوامل أو الأطفال غير المصحوبين أو ضحايا الاتجار بالبشر والتعذيب والعنف الجنسي.
كما تضمن مشروع القانون مجموعة من الحقوق للاجئين، من بينها الحصول على وثيقة سفر، والحماية من الترحيل إلى بلدهم الأصلي، وحرية الاعتقاد الديني وممارسة الشعائر، والتمتع بحقوق الملكية الفكرية، بالإضافة إلى الحق في العمل والتعليم الأساسي والرعاية الصحية. ويتيح القانون أولوية النظر في طلبات اللجوء للفئات الأكثر احتياجًا، مثل الأشخاص ذوي الإعاقة والأطفال غير المصحوبين والنساء الحوامل.
ويفرض القانون على اللاجئين الالتزام بالدستور والقوانين المصرية واحترام تقاليد المجتمع، مع حظر أي أنشطة تهدد الأمن القومي أو النظام العام، أو المشاركة في أنشطة سياسية أو حزبية. ونص على إسقاط وصف اللاجئ وإبعاده عن البلاد إذا ثبت اكتسابه بناءً على غش أو ارتكابه أفعال تهدد الأمن القومي.
لكن هذه البنود لم تنل رضا العديد من المصريين الذين اعتبروا القانون مثيرًا للجدل، وبرأي المحامي أشرف روكسي في حديثه لـ”مهاجر نيوز” فإن “القانون اعتبر مثير للجدل، بدوافع مرتبطة بمخاوف مزاحمة اللاجئين للمصريين في سوق العمل وفي التعليم وفي الصحة وفي الخدمات فهذا ما يثير الجدل، والبعض يعتقد أن الالتزام بمساعدة اللاجئين هو منحة من الدولة وليس التزام قانوني دولي، وهو التزام على كل دولة عضو بالأمم المتحدة”.
بينما يضيف إبراهيم الصحفي السوداني المقيم بمصر بأن أكثر ما يخشاه المصريون هو موضوع التجنيس، إذ كانت هناك أقاويل حول أن اللاجئ يمكن أن يحصل على الجنسية المصرية، وهذا مثير للقلق بالنسبة للمصريين، ويتابع لـ”مهاجر نيوز”: “مصر بلد كبير ولديه عدد كبير من السكان، أغلب الناس تعاني من نقص فرص العمل وسوء الأوضاع، ووجود السودانيين أثّر عليهم بزيادة الأسعار، وتزامن هذا مع قلة القدرة الشرائية للناس، لذلك فالخوف طبيعي”.
ما أبرز بنود القانون الجديد؟
يتمتع اللاجئ فور اكتسابه هذا الوصف بحق الحصول على وثيقة سفر تصدرها وزارة الداخلية وحظر تسليمه إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة، وبحريته في الاعتقاد الديني، ويكون لأصحاب الأديان السماوية منهم الحق في ممارسة الشعائر الدينية في دور العبادة المخصصة لذلك.
كما يكون للطفل اللاجئ بموجب مشروع القانون الحق في التعليم الأساسي، والحق في الاعتراف بالشهادات الدراسية الممنوحة في الخارج للاجئين. ويكون للاجئ كذلك الحق في الحصول على رعاية صحية مناسبة وفقاً للقرارات الصادرة عن وزير الصحة، والاشتراك في عضوية الجمعيات الأهلية أو مجالس إدارتها.
بينما يلتزم من يكتسب وصف اللاجئ باحترام الدستور والقوانين واللوائح المعمول بها في مصر وبمراعاة قيم المجتمع المصري واحترام تقاليده، وحظر القيام بأي نشاط من شأنه المساس بالأمن القومي أو النظام العام أو يتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي أو جامعة الدول العربية.
ونص مشروع القانون على إسقاط وصف اللاجئ ويتم إبعاد الشخص فوراً عن البلاد إذا كان قد اكتسب هذا الوصف بناء على غش، أو احتيال، أو إغفال أي بيانات أو معلومات أساسية، أو إذا ثبت ارتكابه لأي من المحظورات المنصوص عليها في القانون.
وبحسب إبراهيم الصحفي السوداني الذي يعيش في مصر منذ نحو 11 شهرًا فإن القانون مهم له على الصعيد الشخصي، ويقول لـ”مهاجر نيوز”: “منذ وصولي لا يمكنني العمل، وأعاني من هذه المشكلة جدًا لأني لا أملك أوراق رسمية، وإجراءات المفوضية طويلة، لم أحصل على إقامة منذ 11 شهر، الآن أعتقد أن أموري ستصبح أسهل”.
كريستين بيشاي المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر أوضحت في رسالة بالبريد الالكتروني ردًا على استفسارات “مهاجر نيوز” بأن المفوضية “تعمل حاليًا مع حكومة مصر على خطة انتقالية، بهدف دعم الحكومة المصرية في إنشاء نظام لإدارة اللجوء بما يتماشى مع المعايير الدولية والإقليمية”.
ولفتت بيشاي إلى أنه في الفترة التي سبقت إقرار القانون، قدمت المفوضية تعليقات للحكومة بشأن أحكام محدودة ولكنها مهمة من مشروع القانون الذي تم نشره في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني. ومنذ الموافقة عليه، وسعت المفوضية ملاحظاتها لتشمل نطاق القانون الجديد وستستمر في مشاركة تلك الملاحظات مع الحكومة في الأيام والأسابيع المقبلة.
مضيفةً “أنه منذ عام 2019 عندما أعلنت الحكومة المصرية عن خططها لصياغة قانون اللجوء، نظمت المفوضية ووزارة الخارجية مبادرات متعددة لبناء قدرات اللجوء، في شكل أوراق واجتماعات وطاولات مستديرة وورش عمل، بما في ذلك مع لجنة قانون للدفاع عن اللاجئين ودعم تطوير إطار معياري ومؤسسي يتماشى مع المعايير الدولية”.
برأي إبراهيم فإن القانون بحد ذاته جيد لكن المشكلة عند تطبيقه، ويقول لـ”مهاجر نيوز”: “القانون قد يكون جيد أو سيء حسب التطبيق، إذا كان تطبيقه جيد سيؤثر بطريقة جيدة من ناحية قانونية بأمور تتعلق بالحماية والإجراءات والإقامة، ويخدمنا بشكل جيد، لأن البنود الـ39 إيجابية، خاصة التعليم والحماية والانخراط بسوق العمل، وإنشاء الشركات والحريات للاجئين”.
ويتابع: “من وجهة نظر إدارية له فوائد كثيرة جدًا، سيسمح بالتحاق الأطفال السودانيين بالمدارس، وينالون طبابة مناسبة، كذلك قد يقصر فترة الانتظار للحصول على الإقامة، إذ تبلغ حاليًا أحيانًا 18 شهر، وهذا صعب يعيش الناس بالخوف والتهريب لأنهم مخالفون، لذلك القانون سيساعد على تنظيم وجودهم بمصر”.
أما من الناحية القانونية فيرى بعض الحوقيين المصريين أن القانون الجديد يعيد حقا من حقوق الدولة السيادية، وهو إتاحة تحديد صفة اللاجئ، والفصل في طلبات اللجوء، وهو حق كانت مصر قد تنازلت عنه في السابق للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
ويشرح المحامي روكسي لـ”مهاجر نيوز” قائلًا: “النقاط التي تصب بمصلحة اللاجئين هي مسألة حق اللاجئ بتطبيق قانون الأحوال الشخصية الخاص ببلده، ثانيًا التعليم، وهو أمر كانت مصر لم تطبقه رغم وروده بالاتفاقيات الدولية، أيضًا مسألة حرية العمل، حتى وإن كان بشروط، وأيضًا مسألة وثيقة السفر وهي أهم المكتسبات”.
ويلفت روكسي إلى أن وثيقة السفر هو “تصرف ذكي من الدولة المصرية لتشجيع الناس على تسجيل أنفسهم كلاجئين”، ويضيف: “السبب بالنهاية باعتقادي هو الحصول على دعم مادي دولي، كما أن الدولة تتقاضى مقابل مادي لمنح وثيقة السفر”.
لكن برأي روكسي فإن النقاط السلبية تكمن بآخر خمس أو ست بنود تتعلق بمنع اللاجئ من ممارسة العمل السياسي الذي من شأنه أن يضر بعلاقة مصر بالدولة الأم، ويشرح لـ”مهاجر نيوز”: “فمثلًا قابلت مجموعة من الصحفيين السودانيين والمحاميين السودانيين، الذين يقومون بأنشطة توعوية للسودانيين في مصر حول الوضع السياسي بالسودان، هذا لم يعد ممكنًا. وقد يصبح مشكلة بالنسبة لهم”.
وينوه إلى أنه ومن منظور قانوني يرى أن البنود المتعلقة بجرائم الأمن العام والإرهاب، لا داعي لأن تذكر بهذا القانون، لأن القانون العام يطبق على الجميع بهذه القضايا.
هل سيتابع المهاجرون طريقهم نحو أوروبا بعد تنظيم أمورهم؟
المحامي روكسي أجاب “مهاجر نيوز” على هذا السؤال قائلًا: “اعتقد أن السبب الرئيسي بصيغة هذا القانون هو دعم وتفاوض من الجانب الأوربي بإطار الشراكة المصرية الأوروبية للحد من الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، إذ أن تلك الشراكة قائمة على قاعدة تقول إنه يجب على مصر أن تحسن من ظروف اللاجئين المتواجدين على أراضيها للحد من فكرة السفر غير النظامي عبر المتوسط إلى أوروبا”.
ويتابع: “أعتقد أن الدولة المصرية ستحصل على مقابل مادي من الاتحاد الأوروبي، وهذا من أحد المخاوف لدى البعض بأن تصبح مصر دولة استقرار للاجئين، وليست دولة عبور”.
وحول قدرة مصر على استيعاب أعداد اللاجئين يقول روكسي: “لو اعترفنا أن العدد 800 ألف .. مصر قادرة على استيعابهم،وغير صحيح أن هناك 9 ملايين لاجئ. لدينا 820 ألف مسجلين، ولدينا 300 ألف سوداني لديهم مواعيد للتسجيل، بالتالي بالمجمل العدد لن يزيد عن مليون و200 ألف، أما الـ9 ملايين هم أجانب، لا يكلفوا الدولة المصرية أي شيء، وسيتم ترحيلهم”.
لكن مخاوف إبراهيم الصحفي السوداني المقيم بمصر تتمثل بمسألة أخرى تتعلق بالتشديد على ممارسة السياسة، إذ يرى أن الحكومة المصرية فرضت بموجب القانون عقوبات شديدة على موضوع تداول السياسة واعتبرته تهديد للأمن المصري، ومستعدة لترحيل أي شخص. واليوم نصف سكان السودان تقريبًا يعيشون حاليًا في مصر، وهذا سيؤثر على الكثيرين ممن لا يمكنهم ممارسة السياسة المتعلقة ببلدهم، ما سيؤدي لتغيير سياسي بالسودان، لذلك فإن المخاوف الآن من أن القانون الجديد، وبسبب التشديدات المتعلقة بالسياسة مثلًا، قد تدفع مصر بترحيل العديدين، ما جعل سودانيين كثر الآن يفكرون بالمغادرة نحو ليبيا ومنها إلى أوروبا، لذلك التطبيق قد يدفع بلاجئين لعبور البحر نحو أوروبا.
ويختم إبراهيم: “إذا كانت المسألة مسألة معيشة ومكان آمن فمصر هي المكان الأفضل، أما إذا لم يكن هذا المقصد كممارسة نشاط سياسي أو البحث عن تغيير، فمصر ليست الوجهة”.
راما الجرمقاني- مهاجر نيوز
alzaawia.net