خبر ⁄منوعات

الحكم الشرعى فى تعمد تأجيل العمل لبعد المواعيد الرسمية لتحتسب أوفر تايم

الحكم الشرعى فى تعمد تأجيل العمل لبعد المواعيد الرسمية لتحتسب أوفر تايم

ما حكم تأجيل العمل وقت الدوام ليكون عملًا إضافيًّا بعد انتهاء وقته؟ فأنا أعمل فى شركة ما وأجد بعض الزملاء يؤجلون بعض الأعمال إلى وقت الساعات الإضافية بدون سبب من أجل الحصول على مقابل مإلى لذلك، فما رأى الشرع فى هذا التصرف؟، سؤال أجاب عنه الدكتور نظير محمد عياد مفتى الجمهورية، بالآتى:

قيام العامل بما أُنيط به من مهام وتكاليف بموجب العقد المبرم  بينه وبين جهة العمل أمر واجبٌ شرعًا، وأما تعمُّد تأجيله بعض الأعمال  المطلوبة منه فى وقت العمل الرسمى إلى وقت الساعات الإضافية من أجل حصوله على مقابلٍ لذلك دون عذر تقرره الجهات المختصَّة فحرام شرعًا؛ لما فيه من التحايل وخيانة الأمانة التى اؤتمن عليها، وأكل الأموال بالباطل؛ وقد ورد النهى عن أكل المال بالباطل فى قوله تعإلى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 92].

حثُّ الشرع الحنيف على العمل والسعى لكسب الرزق الحلال

حثَّ الشرع الحنيف على العمل والسعى لكسب الرزق الحلال؛ لكى يكون المسلم عضوًا فعَّالًا مُنْتِجًا فى مجتمعه، عاملًا على توفير حياة كريمة له ولأهل بيته، قال الله تعإلى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [المزمل: 20].

قال الإمام النَّسَفِى فى "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (3/ 560، ط. دار الكلم الطيب): [﴿يَضْرِبُونَ﴾: يسافرون، و﴿يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾: رزقه بالتجارة... فسوَّى بين المجاهد والمكتسب؛ لأنَّ كسب الحلال جهاد] اهـ.

وعن المِقْدَام بن مَعْدِى كَرِبَ رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَأوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» أخرجه البخارى فى "صحيحه".

كما جاء الحث على إتقان العمل فى قوله تعإلى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، وقال تعإلى فى وصف عباده المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8]، وهذا أمر بالإحسان فى كل عمل، والرعاية والحفظ فى كل أمانة، وأثنى سبحأنه على ممتثل ذلك بوصفه بالإيمان والإحسان، فالعامل المتقن لعمله يثاب على إخلاصه وتفانيه واجتهاده، فهو سبيلٌ لمحبة الله تعإلى له، ولذلك ورد فى الحديث عن السيدة عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» أخرجه الطَّبَرَانِى فى "المعجم الأوسط"، والبَيْهَقِى فى "شُعب الإيمان"، واللفظ للطَّبَرَانِي.

حكم تأجيل العمل إلى وقت الساعات الإضافية ليكون عملًا إضافيا


العلاقة بين العامل وصاحب العمل تُكَيَّفُ شرعًا على أنها علاقة إجارة، سواء كان العمل عامًّا -أي: حكوميًّا- أو خاصًّا؛ حيث يقوم العامل بأداء عمل معين ومهام محددة للطرف الآخر فى وقت محدد مقابل أجر محدد معلوم بينهما وهذه هى حقيقة الإجارة، إذ تُعرَّف بأنها: عقدٌ على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبَذْل والإباحة بعِوَضٍ مَعلوم. ينظر: "البحر الرائق" للعلامة ابن نُجَيْم الحنفى ، و"الشرح الصغير" للشيخ الدَّرْدِير المالكي، و"مغنى المحتاج" للخطيب الشربينى الشافعى ، و"كشاف القناع" للعلامة البُهُوتِى الحنبلي.

والذى يضبط تلك العلاقة بين طرَفَيْهَا: هو العقد المبرم بينهما وقانون العمل، فيجب على كلٍّ منهما الالتزام بما تضمنه من بنود، والتقيد بما فيه من شروط؛ وذلك لقوله تعإلى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، أي: ما عَقَدَه المرء على نفسه من بيع وشراء وإجارة... وغير ذلك من الأمور، ما كان ذلك غير خارجٍ عن الشريعة، كما جاء فى "تفسير الإمام القُرْطُبِي" .

ولما ورد عن عمرو بن عَوف المُزَنى رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» أخرجه التِّرْمِذِى فى "سننه".

وعلى ذلك، فقيام الموظف -أو العامل- بما أنيط به من مهام وتكاليف بموجب العقد المبرم بينه وبين الجهة التى يعمل فيها أمر واجبٌ شرعًا، وتباطؤه فى إنجاز الأعمال الـمُسندة إليه وتأجيلها بغير وجه حقٍّ حرام شرعًا؛ لما فيه من خيانة للأمانة التى اؤتمن عليها، وخيانة الأمانة من الكبائر، وصفة من صفات المنافقين، فعن أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» متفق عليه.

كما أَنَّ تأجيل الأعمال والإبطاء فيها؛ لأجل التحايل على أجرٍ مضاعف يُعدُّ من أكل المال بالباطل؛ ذلك أَنَّ الموظَّف أو العامل قد أهدر وقت الدوام الرسمى دون أن يُنجز عمله دون عذر، وقد ورد النهى عن أكل المال بالباطل فى قوله تعإلى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 92].

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِى شَهْرِكُمْ هَذَا، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا» متفق عليه.

يضاف إلى ذلك أنَّ حفظ المال من المقاصد العَليَّة التى جاءت الشريعة الغراء لحفظها وحمايتها، سواء كان مالًا عامًّا أو خاصًّا، ولا شك أَنَّ الجُرْم يكون أفحش والإثم يكون أعظم إذا كان الإهمال واقعًا على المال العام، إذ الضرر الواقع حينئذٍ لا يقع على فرد بعينه، بل على مجموع الأفراد، لذا غلَّظ النبى صلى الله عليه وآله وسلم حرمة الاعتداء على المال العام، وجعل صيانته من النهب والإهدار والاستغلال مسئولية الجميع؛ لأنَّ هذا المال ملك لكل أبناء الوطن، والتصرف فيه يكون وفق ضوابط الشرع والقوانين، فعن السيدة خَوْلَة الأنصارية رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِى مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه الإمام البخارى فى "صحيحه".

ففى الحديث وعيد شديد لمن يتخوض فى المال العام، أي: يأخذه ليتملكه ويتصرف فيه تصرف المالك.

قال الحافظ ابن حَجَر العَسْقَلَانِى فى "فتح الباري": [لا ينبغى التخوُّض فى مال الله ورسوله والتصرف فيه بمجرد التشهي، وقوله: «لَيْسَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا النَّارُ» حُكْم مُرَتَّب على الوصف المناسب وهو الخوض فى مال الله، ففيه إشعار بالغلبة، قوله: «يَتَخَوَّضُونَ -بِالْمُعْجَمَتَيْنِ- فِى مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ» أى يتصرفون فى مال المسلمين بالباطل، وهو أعم من أن يكون بالقسمة وبغيرها] .

والأخذ من المال العام بغير حق نوع من الغلول الذى نهى الله تعإلى عنه فى قوله: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ .

قال الإمام النَّوَوِى فى "شرح صحيح مسلم": [وأصل الغلول الخيانة مطلقًا... وأجمع المسلمون على تغليظ تحريم الغلول وأنه من الكبائر، وأجمعوا على أن عليه رَدَّ ما غَلَّه] .

الخلاصة


بناءً عليه وفى واقعة السؤال: فقيام العامل بما أُنيط به من مهام وتكاليف بموجب العقد المبرم  بينه وبين جهة العمل أمر واجبٌ شرعًا، وأما تعمُّد تأجيله بعض الأعمال المطلوبة منه فى وقت العمل الرسمى إلى وقت الساعات الإضافية من أجل حصوله على مقابلٍ لذلك دون عذر تقرره الجهات المختصَّة فحرام شرعًا؛ لما فيه من التحايل وخيانة الأمانة التى اؤتمن عليها، وأكل الأموال بالباطل.







youm7.com