كيف تحول الأفوكادو من طعام للحيوانات إلى فاكهة عالمية مميزة
ذاع صيت الأفوكادو في السنوات الأخيرة إلى حد الهوس العالمي بهذه الفاكهة كما يصف البعض، ويرجع ذلك إلى فوائدها الصحية المثبتة علميا وتنامي ثقافة الوجبات الخفيفة الصحية على مدار اليوم، إلى جانب الحيل التسويقية التي تشكل تصورات المستهلكين.
ونتيجة لذلك، ارتفع معدل استهلاك الفرد السنوي من الأفوكادو في الولايات المتحدة من 1.5 كيلوغرام عام 1998 إلى أكثر من 9 كيلوغرامات عام 2023، وسجل سوق الأفوكادو العالمي نحو 19.27 مليار دولار عام 2024، ومن المتوقع أن يزيد بمعدل نمو سنوي مركب قيمته 5.9%.
شجرة الأفوكادو
هي شجرة فاكهة معمرة بأوراق بيضاوية، يعود تاريخها إلى أكثر من 10 آلاف عام، وتنتمي إلى فصيلة النباتات المزهرة الغارية (Laurales) التي تنمو في المناخات الاستوائية وشبه الاستوائية.
ويتنوع شكل ثمرة الأفوكادو، ما بين دائرية أو إجاصية الشكل مع رقبة طويلة نحيلة، ويتراوح لونها من الأخضر إلى الأرجواني الداكن، ولها بذرة مركزية تشبه الكستناء، وفي حين تكتسب الفواكه السكر مع نضجها، فإن محتوى السكر في الأفوكادو ينخفض مع نضجه.
وتعد ثمرة الأفوكادو مصدرا للدهون الصحية غير المشبعة، وتحتوي على مواد مغذية أخرى منها فيتامين ب، فيتامين ك، وفيتامين هـ، إضافة إلى كميات ملحوظة من البروتين والبوتاسيوم والمغنيسيوم وغيرها من العناصر الغذائية المهمة.
وجبة للحيوانات
يعتقد الباحثون أن جنوب وسط المكسيك هو الموطن الأصلي للأفوكادو، وأن تاريخ هذه الفاكهة الكريمية يعود إلى الفترة التي سبقت حياة البشر في الأميركتين، حيث كانت شجرة الأفوكادو تنمو في الطبيعة البرية، وما يسقط من ثمارها تلتقطه الحيوانات الثديية الضخمة والمنقرضة الآن مثل حيوان الماموث وحيوان المدرع والكسلان العملاق.
إعلانواستطاعت تلك الحيوانات التهام ثمار الأفوكادو كاملة، ولكن لحسن الحظ لم تتمكن من هضم بذورها، وأثناء التنقل لمسافات طويلة، يتم إخراج البذور وتصبح جاهزة للإنبات، وهكذا تمكنت شجرة الأفوكادو من البقاء والحفاظ على نسلها في غابات أميركا الوسطى.
انقرضت تلك الثدييات الضخمة قبل 13 ألف عام، وبطريقة ما نجت أشجار الأفوكادو، وكانت ثمارها بمثابة هدية السماء للقادمين الجدد من البشر على أرض المكسيك وأميركا الوسطى، ولا سيما أنها تعد وجبة مغذية ومشبعة، وبحلول عام 500 قبل الميلاد، بدأ المزارعون الأوائل في زراعة شتلات هذه الشجرة بدلا من ترك الأمر برمته للطبيعة.
الأفوكادو عبر الحضارات
كانت ثمرة الأفوكادو ذات أهمية كبيرة بين السكان الأصليين لأميركا الوسطى، ودخل في التراث الثقافي لحضارات ما قبل كولومبوس مثل حضارة الأزتيك وكارال وموكايا ومايا، وأطلق شعب الأزتيك (حضارة في أميركا الوسطى ازدهرت في وسط المكسيك) على ثمار الأفوكادو اسم "أهواكاتل" التي تعني في لغة ناهواتل الأزتية "فاكهة الخصوبة".
وربما يعود سبب التسمية إلى مظهر ثمرة الأفوكادو أو إشارة إلى خصائصها المنتشرة بينهم كمنشط جنسي، إذ اعتقدوا أنه يمنح القوة لمن يتناوله، واعتبروا شجرته مقدسة، وفي حضارة المايا، تم تمثيل الشهر الـ14 (كانكين) من تقويمهم برمز الأفوكادو، كما دُفن أحد أنجح حكامهم، باكال الأول، في تابوت يضم صورا لأشجار الأفوكادو.
الأفوكادو.. أزمة هوية
شكل الأفوكادو جزءا مهما من رحلة استكشاف أميركا الوسطى في القرن الـ16، إذ وصل الاستعمار الإسباني إلى شواطئ المكسيك عام 1519، ووثق الأسبان استخدامات الأفوكادو، إذ قدمه السكان الأصليون لحكامهم "كجزية"، واستخدموه كأموال في المعاملات التجارية، وأشاروا كذلك إلى استخدامه علفا للحيوانات، وعلاجا للكدمات وتقصف أطراف الشعر، وفي الطباعة على القماش.
وتشير الدلائل إلى أن الإسبان أحبوا هذه الفاكهة وأعجبوا بنكهتها وأعادوا نشرها في أوروبا وكل الأماكن التي انتقلوا إليها، لكنهم في الواقع لم يتقبلوا اسمها، فقاموا بتعديل الكلمة الأزتكية إلى كلمة أسهل في النطق وهي كلمة "أغواكيت" (Aguacate).
إعلانوفي القرن الـ17، تغير الاسم مرة أخرى، إذ اشتهر الأفوكادو بين الإنجليز الذين يعيشون في جامايكا باسم "كمثرى التمساح" بسبب المظهر الخارجي للثمرة الذي يشبه جلد التمساح.
ولم تكن الأسماء القديمة أو كمثرى التمساح أسماء جذابة تليق بمستقبل هذه الفاكهة، ولهذا بعد نجاح زراعة الأفوكادو في الولايات المتحدة بداية من عام 1833، نجحت جهود تسويقية من قِبل المزارعين الأميركيين وبموافقة وزارة الزراعة الأميركية في أوائل القرن الـ20 في تغيير اسم هذه الفاكهة إلى اسمها المعروف حاليا "أفوكادو".
وتم الترويج للاسم الجديد في مجلتي "نيو يوركر" و"فوغ" كفاكهة مميزة تليق بالطبقة الأرستقراطية، حتى ترسخت في مخيلة الجمهور لأول مرة طعاما فاخرا ومميزا، واستمرت الحملات التسويقية على النهج نفسه.
الأفوكادو الدموي
ربطت دراسات عدة بين استهلاك الأفوكادو وبين اتباع نظام غذائي صحي بشكل عام، مما عزز هوس العالم بالأفوكادو وفرض طلب غير مسبوق على مزارعيه في المكسيك التي تعد أكبر منتج للأفوكادو على مستوى العالم أو كما يطلق عليه مؤخرا "الذهب الأخضر".
وخضعت هذه التجارة المربحة لسيطرة متزايدة من قبل عصابات المخدرات المكسيكية، واضطر المزارعون إلى حمل السلاح، وبسبب العنف الذي ولّدته هذه التجارة، والمسافات غير الآمنة التي يقطعها الأفوكادو وصولا إلى المستهلك يشير البعض إليه باسم "أفوكادو الدم".
الأفوكادو في النظام الغذائي
هناك العديد من الطرق لإدخال الأفوكادو في النظام الغذائي اليومي، إذ يمكن تقطيع الثمار الناضجة إلى شرائح فوق الخبز المحمص أو في السلطات، ونكهة للآيس كريم، ويمكن استخدامه بدلا من المايونيز، أو كبديل للزبدة في المخبوزات، ويمكن شواؤه أو قليه أو تحويله إلى كريمة لتزيين الكعك، أو يمكن ببساطة تقطيعه إلى شرائح، ورش القليل من عصير الليمون الطازج فوقه مع إضافة القليل من رقائق الفلفل الحار المجفف.
إعلانوتشمل الاستخدامات الأخرى عصر الثمار لإنتاج زيت الأفوكادو، وكذلك يتمتع ببعض الخصائص الطبية، إذ يُعتقد أن الأوراق تعمل علاجا للإسهال عند غليها، ويستخدم اللب لعلاج الجروح، ويمكن سحق البذور واستخدامها حشوة لآلام الأسنان.
aljazeera.net