خبر ⁄منوعات

حكم تلاوة المرأة للقرآن الكريم فى وجود الرجال الأجانب.. دار الإفتاء تجيب

حكم تلاوة المرأة للقرآن الكريم فى وجود الرجال الأجانب.. دار الإفتاء تجيب

حكم تلاوة المرأة القرآنَ الكريم بمحضر من الرجال الأجانب، أو تسجيلها تلاوتها ثم إذاعتها ونشرها على العموم بعد ذلك؟ .. سؤال أجابت عنه دار الإفتاء بالآتى: تلاوة المرأة للقرآن بحضرة الرجال الأجانب تجوز مع الكراهة؛ لأن شؤون النساء مبنية على الستر، وشأنها الإسرار في العبادات؛ كالأذان، والفتح على الإمام، والتلبية في النسك، ونحوها، أما تسجيلها الصوت وسماعه مسجلًا فلا كراهة فيه؛ لأن المسموع حينئذٍ ليس هو عين صوتها، بل هو حكايته ومثاله، أشبه صدى الصوت.

هذا، وصوت المرأة في حد ذاته ليس بعورة، وإنما الممنوع أداءً واستماعًا هو ما يخشى معه من الفتنة كما قال تعالى: ﴿فلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: 32]، والخضوع بالقول: تليينه وترقيقه عند مخاطبة الرجال.

فضل قراءة القرآن الكريم

رَغَّبَ الشرع الشريف في قراءة القرآن والاشتغال به وملازمته؛ فروى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَثَلُ المؤمن الذي يَقرأُ القرآن مثل الأُتْرُجَّة ريحُها طَيِّب وطَعمها طَيِّب، ومَثَلُ المؤمن الذي لا يَقرأ القرآن مَثَلُ التمرة لا ريح لها وطعمها طَيِّب حُلو» متفق عليه، وروى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ» متفق عليه، إلى غير ذلك من النصوص السَّنِيَّة.

وبشكل عام فإن الناظِر في هذه النصوص يَجِد أن الترغيب في قراءة القرآن فيها قد جاء مُطْلَقًا غير مُقَيَّد، والقاعدة المقررة في علم الأصول أن: "المطلق يجري على إطلاقه في الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال حتى يأتي ما يقيده".

وبناءً عليه: فإن قراءة القرآن مرغب فيها مندوب إليها في كل وقت وعلى أي حال إلا ما أتى الشرع باستثنائه منها.

صوت المرأة ليس بعورة


عند النظرة التفصيلية ومزيد التأصيل فإن صوت المرأة بمجرده ليس بعورة على الصحيح، وقد دلَّ على هذا عدد من النصوص الشرعية؛ فروى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّحْلِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

وروى البخاري ومسلم -واللفظ له- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ مِن الِاسْتِغْفَارِ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ»، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ: «أَمَّا نُقْصَانِ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ، فَهَذَا مِنْ نُقْصَانِ الْعَقْلِ. وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ، فَهَذَا نُقْصَانِ الدِّينِ».

وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "قالت النساء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: غَلَبَنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا، لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن..." الحديث.

ووجه الدلالة من هذه الأحاديث ونظائرها: أن صوت المرأة لو كان عورة ما سمعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما أقر أصحابَه على سماعه.
وقد نص على هذا كثير من العلماء والفقهاء؛ فقال الإمام ولي الدين أبو زُرعة بن العراقي في "طرح التثريب" : [صوت المرأة ليس بعورة؛ إذ لو كان عورة ما سمعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأقر أصحابه على سماعه، وهذا هو الأصح عند أصحابنا الشافعية، لكن قالوا: يحرم الإصغاء إليه عند خوف الفتنة. ولا شك أن الفتنة في حقه صلى الله عليه وآله وسلم مأمونة، ولو خشي أصحابه رضي الله عنهم فتنة ما سمعوا] .

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري من الشافعية في "أسنى المطالب" : [(الإصغاء) من الرجل (لصوتها -أي المرأة-)؛ فإنه جائز عند أمن الفتنة، وصوتها ليس بعورة على الأصح] ؟.

وقال المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" : [صوت الأجنبية ليس بعورة على الصحيح من المذهب] .

وأما المنع من الإصغاء والاستماع إلى صوت المرأة فمَحَلُّه عند خوف الافتتان؛ بمعنى قيام الداعي إلى الوقوع في محرم؛ قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" : [أما النظر والإصغاء لما ذكِر عند خوف الفتنة؛ أي: الداعي إلى جماع أو خلوة أو نحوهما، فحرام، وإن لم يكن عورة؛ للإجماع...قال الزركشي: ويلتحق بالإصغاء لصوتها عند خوف الفتنة التلذذ به، وإن لم يَخَفْها -أي الفتنة-] .

وقد صرح بعض من أطلق أن صوت المرأة عورة من الفقهاء أنه ليس المراد الصوت في نفسه، بل إذا صحبه تكسر وتدلل وتمطيط من شأنه تحريك الشهوات وحصول الافتتان؛ فقال الإمام أبو العباس القرطبي في كتابه في السماع: [ولا يظن من لا فطنة عنده أنا إذا قلنا: (صوت المرأة عورة) أنا نريد بذلك كلامها؛ لأن ذلك ليس بصحيح, فإنا نجيز الكلام مع النساء للأجانب، ومحاورتهن عند الحاجة إلى ذلك, ولا نجيز لهن رفع أصواتهن، ولا تمطيطها، ولا تليينها، وتقطيعها؛ لما في ذلك من استمالة الرجال إليهن، وتحريك الشهوات منهم] .

وقال الشيخ الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح" : [وتقدم في الأذان أن صوتها -أي المرأة- عورة، وليس المراد كلامها، بل ما يحصل من تليينه وتمطيطه، لا يحل سماعه] .

قراءة المرأة للقرآن في حضرة الرجال


مجرد قراءتها القرآن بصوت مسموع أمام الرجال الأجانب فجائزة؛ لأنها من جنس الكلام، وقد تقدم دليل جواز سماع صوت المرأة، وأنه ليس بعورة، وفي خصوص قراءتها القرآن الكريم على هذا الوجه: قد روى أبو داود عن يعلى بن مَمْلَك رضى الله عنهم أنه سأل أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصلاته، فقالت: "وما لكم وصلاته؟ كان يصلي وينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى، حتى يصبح"، ونعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءته حرفًا حرفًا.

قال الإمام العيني في "شرح سنن أبي داود" : [قوله: (ونَعتَتْ): النَعْت: وصْف الشيء بما فيه من حُسْن... قوله: (تنعت حرفًا حرفًا)؛ يعني: كان يقرأ القرآن حرفًا حرفًا؛ وذلك لا يكون إلا بالترتيل والتأني، ورعاية مخارج الحروف، وإعطاء حقوقها، ورعاية الحدود بأجناسها، ونحو ذلك].

وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مَرَّ على امرأة تقرأ هل أتاك حديث الغاشية، فقام يسمع ويقول: «نعم قد جاءني».
وروى أبو داود أيضًا بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للرجل الذي أراد الزواج: «مَا تَحْفَظُ مِنَ الْقُرْآنِ؟» قَالَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ، أَوِ الَّتِي تَلِيهَا، قَالَ: «قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرينَ آيَةً، وَهِيَ امْرَأَتُكَ».

والاستدلال بهذا الحديث يتجه بحمل معناه على أن التزويج فيه كان معَلَّقًا على التعليم -وهو يحتمله-، فيكون هذا أمرًا مطلقًا بالتعليم، يَعُمُّ صوره وكيفياته، والتي منها: أن تقرأ وهو يسمع.

قال ابن حزم في "المحلى" : [مسألة: والجهر والإسرار في قراءة التطوع ليلًا ونهارًا مباح للرجال والنساء؛ إذ لم يأتِ منع من شيء من ذلك, ولا إيجاب لشيء من ذلك في قرآن ولا سنة. فإن قيل: تخفض النساء؟ قلنا: ولم، ولم يختلف مسلمان في أن سماع الناس كلام نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم مباح للرجال، ولا جاء نَصٌّ في كراهة ذلك من سائر النساء] .

تغني المرأة بالقرآن


لكن قراءة القرآن قد تزيد شيئًا على مجرد القراءة، وهو التغني به أمام الأجانب، وهذا لا ينافي أصل الجواز أيضًا؛ وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ: «دَعْهُمَا»، فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا.

وروى أيضًا عن خالد بن ذَكْوان قال: قالت الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ رضى الله عنها: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «لَا تَقُولِي هَكَذَا، وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ».

وروى الترمذي عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج في بعض مغازيه، فلما انصرف جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي، وَإِلَّا فَلَا». فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَأَلْقَتِ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا، ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ، إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتِ الدُّفَّ».

فإذا جاز تغنيها بغير القرآن أمام الأجانب، فتغنيها بالقرآن أولى بالجواز؛ لأنه مطلوب شرعي؛ بدليل ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ»؛ قال الإمام ابن بطال في شرح البخاري : [وتلخيص معناه -أي الحديث المذكور-: الحض على تحسين الصوت به، والغناء الذى أمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرأ القرآن به، وهو الجهر بالصوت، وإخراج تلاوته من حدود مساق الإخبار والمحادثة حتى يتميز التالي له من المتحدث؛ تعظيمًا له فى النفوس وتحبيبًا إليها. فإن قال قائل: فإن كان معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» ما ذكرت من تحسين الصوت به، أفعندك من لم يحسن صوته بالقرآن فليس من النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ قيل: معناه لم يستنَّ بنا فى تحسين الصوت بالقرآن؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يُحَسِّن صوته به، ويرجِّع فى تلاوته على ما حكاه ابن مغفل، على ما يأتى بعد، فمن لم يفعل مثل ذلك فليس بمتبع لسنته صلى الله عليه وآله وسلم، ولا مقتديًا به فى تلاوته].

وكذلك فإن الفتنة في سماع صوت المرأة بالقرآن أبعد منها في سماع صوتها بالغناء، فإذا جاز السماع في الأقرب للفتنة كان في الأبعد أولى بالجواز.

الأمر الأول من أن الأصل إسرار المرأة في العبادات


مع ذلك فإننا نقول إن جهرها بالقراءة على الوجه المذكور دون حاجة وإن قلنا بجوازه إلا أنه مكروه شرعًا؛ وذلك لأمرين:


الأول: أن المتتبع لنصوص الشريعة وأحكامها الجزئية يجد أن شؤون النساء مبناها فيها على الستر، وأن الشأن هو الإسرار فيما يتعلق بالمرأة من عبادات: كالأذان، والفتح على الإمام، والتلبية في النسك، وإمامة الرجال.

أذان المرأة


أما الأذان فلا يشرع للمرأة؛ لما رواه الشيخان عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»، فدَلَّ على أن الأذان عبادة الرجال؛ لأنهم المخاطبون به.

وروى البيهقي في سننه عن أسماء رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ»، وهو ضعيف مرفوعًا كما نص عليه البيهقي نفسه. انظر"السنن الكبرى" . لكن رواه عبد الرزاق في "المصنف" بسند صحيح موقوفًا من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وقال الشهاب الرملي في "فتاواه"  في جواب سؤال رفع إليه: [الأذان عبادة الرجال، والمرأة ليست من أهلها، وإذا لم تكن من أهلها حَرُم عليها تعاطيها، كما يحرم عليها تعاطي العبادة الفاسدة، وأنه يستحب النظر إلى المؤذن حالة الأذان، فلو استحببنا للمرأة لَأُمِر السامع بالنظر إليها، وهذا مخالف لمقصود الشارع] اهـ.

فتح المرأة على الإمام


أما الفتح على الإمام؛ فقد روى الشيخان واللفظ للبخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُسَبِّحْ؛ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ التُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ».

والتصفيق: هو أن يضرب بظهور أصابع اليمنى صفح الكف من اليسرى. انظر: "معالم السنن" للخطابي .

قال العلامة ولي الدين بن العراقي في "طرح التثريب" : [ولو خالفت المرأة المشروع في حقها وسبحت في صلاتها لأمر ينوبها لم تبطل صلاتها أيضًا...وإن جهرت به بحيث أسمعت من تريد إفهامه فالذي ينبغي أن يقال: إن كان امرأة أو مَحْرَمًا فلا كراهة، وإن كان رجلًا أجنبيًّا كُرِه ذلك] .

وقال الشيخ محمد الخضر الشنقيطي في "كوثر المعاني الدراري" : [وكان منع النساء من التسبيح على هذا؛ لأنها مأمورة بخفض صوتها في الصلاة مطلقًا، لما يخشى من الافتتان].

إسرار المرأة في التلبية


أما التلبية فقد روى مالك في "الموطأ" عن السائب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَتَانِي جِبْرِيلُ صَلى الله عَلَيه وَسَلم، فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي -أَوْ مَنْ مَعِي- أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ بِالْإِهْلَالِ -يُرِيدُ أَحَدَهُمَا-».

قال الإمام الشافعي في "الأم" : [وبما أمر به جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر الرجال المحرمين، وفيه دلالة على أن أصحابه رضى الله عنهم هم الرجال دون النساء، فأمرهم أن يرفعوا جهدهم، ما لم يبلغ ذلك أن يقطع أصواتهم، فكأنا نكره قطع أصواتهم. وإذا كان الحديث يدل على أن المأمورين برفع الأصوات بالتلبية الرجال، فكان النساء مأمورات بالستر، فأن لا يسمع صوت المرأة أحد أولى بها وأستر لها، فلا ترفع المرأة صوتها بالتلبية وتسمع نفسها] .

إمامة المرأة للرجال


أما الإمامة؛ فقد روى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ألَا لَا تَؤُمَّنَّ امرأةٌ رجلًا»، ولأن المرأة لا تُؤَذِّن للرجال، فلم يجز أن تؤمهم. انظر "المغني" لابن قدامة.

قال الإمام النووي في "المجموع": [وسواءٌ في منع إمامة المرأة للرجال: صلاة الفرض، والتراويح، وسائر النوافل، هذا مذهبنا، ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف رحمهم الله، وحكاه البيهقي عن الفقهاء السبعة: فقهاء المدينة التابعين, وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، وسفيان، وأحمد، وداود] .

الأمر الثاني من أن الأصل إسرار المرأة في العبادات
الثاني: مراعاة لخلاف من منع ذلك من