خبر ⁄سياسي

السودان: وجهات نظر حول القوات الدولية لحماية المدنيين

السودان: وجهات نظر حول القوات الدولية لحماية المدنيين

عاين- 15 نوفمبر 2024

يتعرض السودان لأزمة إنسانية غير مسبوقة جراء تصاعد العنف بعد النزاع المسلح بين القوات الحكومية وقوات الدعم السريع، حيث أفضت الحرب إلى نزوح كبير للسكان وتزايد حالات العنف العرقي، ما أدى إلى تدهور الوضع الأمني والمعيشي.

أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، شددت السفيرة ليندا توماس جرينفيلد على ضرورة إنشاء آلية للمراقبة والامتثال عقب التوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية في السودان.

وأوضحت أن هذه الآلية تهدف إلى ضمان التزام الأطراف بالقانون الإنساني الدولي وتنفيذ التزاماتها على الأرض بشكل فعال. كما دعت إلى دعم الشركاء الأفارقة في تطوير هذه الآلية، بما في ذلك التخطيط لتصميمها ونشرها.

وفي أكتوبر الماضي، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن أن الشعب السوداني يعاني من تفاقم العنف، إضافة إلى التهديدات الصحية والغذائية، مشيرًا إلى أن النزاع يتسبب بانعكاسات إقليمية قد تؤثر على استقرار المنطقة برمتها.

والأربعاء، طالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» بإرسال بعثة تابعة للأمم المتحدة لحماية المدنيين في السودان، وقالت في تقريرها إن قوات الدعم السريع ارتكبت أعمال قتل واعتقال واغتصاب خلال عملياتها في مختلف مناطق ولاية الجزيرة بالسودان.

وتتولى بريطانيا الملف السوداني في مجلس الأمن وتترأسه خلال شهر نوفمبر الجاري، ما يتيح لها فرصة محورية للضغط على الأعضاء لدعم خطوات لحماية المدنيين.

وتعد بريطانيا، بالتنسيق مع الاتحاد الإفريقي، مسؤولة عن العمل على تفويض بعثة دولية لحماية المدنيين.

والثلاثاء، عرضت بريطانيا مشروع قرار على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يطالب طرفي الصراع في السودان بوقف الأعمال القتالية والسماح بتسليم المساعدات بشكل آمن وسريع ودون عوائق عبر خطوط المواجهة والحدود.

وفي تقرير قدمه الأمين العام في أكتوبر الماضي، تم تقديم توصيات لبحث آليات حماية المدنيين، مشددًا على ضرورة العمل المشترك بين الدول الأعضاء لتطوير بعثة فعالة تحمي المدنيين وتساعد في تحقيق الاستقرار.

هناك ضرورة لاتخاذ خطوات عاجلة لحماية المدنيين، تشمل: إقامة مناطق آمنة داخل السودان، تكون منزوعة السلاح وتخضع لحراسة قوة دولية مستقلة

تنسيقية تقدم

في 11 نوفمبر الجاري، دعت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” إلى اتخاذ خطوات عاجلة لحماية المدنيين، تشمل: إقامة مناطق آمنة داخل السودان، تكون منزوعة السلاح وتخضع لحراسة قوة دولية مستقلة، مع وقف استخدام الطيران والعمليات العسكرية في هذه المناطق وتوسيع حظر الأسلحة ليشمل كافة مناطق السودان، بهدف تقليل تدفق الأسلحة وتقليص حدة العنف. إلى جانب دعم مبادرات المجتمع المدني السوداني، بما في ذلك الجهود النسوية، لتقديم الخدمات والحماية للفئات الأكثر ضعفًا. وتعزيز ولاية المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وفرض الالتزام بالقانون الإنساني الدولي.

وبدعم من بريطانيا ودول أخرى، تتجه الأمم المتحدة لمناقشة آلية لمراقبة التزام الأطراف بوقف إطلاق النار وتنفيذ بنود إعلان جدة. وتشمل هذه الآلية وحدات مراقبة عسكرية إفريقية مدعومة من الأمم المتحدة للإشراف على حماية المدنيين.

يتطلب إنشاء مناطق آمنة موافقة الأطراف السودانية، مع التحذير من أن تجارب نشر قوات أممية في السودان سابقًا لم تحقق النتائج المرجوة بسبب الاعتماد على الجيش السوداني لحماية تلك القوات.وهذا الأمر يشير إلى أهمية وضع آليات حماية مستقلة، وتجنب تكرار الأخطاء السابقة.

حماية المدنيين

“قضية حماية المدنيين في السودان هي مسألة إنسانية بالأساس، ولا يجب أن تكون موضعًا للاستقطاب السياسي أو المزايدات من أي طرف”. يقول رئيس مركز “فكرة” والمساعد السابق لرئيس مكتب رئيس الوزراء السوداني السابق، أمجد فريد لـ(عاين).

ويفيد فريد الذي عمل مستشارًا سياسيًا للبعثة السياسية الخاصة للأمم المتحدة في السودان، بأنه يجب أن تستند هذه القضية إلى ما يمكن تحقيقه فعليًا من خطوات عملية لتصميم منهج واقعي وفعال لحماية المدنيين.

وأوضح أن الأسئلة الجوهرية التي ينبغي الإجابة عليها في هذا السياق هي: حماية المدنيين من أي خطر وكيفية تحقيق هذه الحماية بطرق قابلة للتنفيذ على أرض الواقع. وأضاف أن هذه الأسئلة تقتضي حلولاً ملموسة وليس مواقف سياسية للتلاعب بالمصطلحات.

دخول قوات أممية إلى السودان مطلب غير قابل للتطبيق في ظل الظروف الحالية

أمجد فريد

وفيما يتعلق بمطلب دخول قوات أممية إلى السودان، أشار فريد إلى أنه يرى هذا المطلب غير قابل للتطبيق في ظل الظروف الحالية.

وأوضح أن إرسال مثل هذه القوات يتطلب توافقًا في مجلس الأمن الدولي، ولكن في ظل حالة الاستقطاب الحادة بين القوى الكبرى في المجلس، يصبح التوصل إلى قرار بإرسال قوات دولية لحماية المدنيين في السودان أمرًا أشبه بالمستحيل.

وأكد أن الإصرار على هذا الطلب يُعرقل إيجاد حلول عملية لحماية المدنيين على الأرض.

وأضاف فريد أنه ينبغي التساؤل عن الدول التي ستشارك في هذه القوات، وعن تكاليف هذه المهمة، وتجارب قوات حفظ السلام السابقة التي أثبتت في بعض الأحيان عدم نجاحها في تحقيق الحماية المنشودة للمدنيين.

وفيما يتعلق بالمطلب الأساسي لحماية المدنيين، أفاد فريد أن الحل يجب أن يكون إيجاد وسائل عملية وقابلة للتطبيق بعيدًا عن المزايدات السياسية.

وأوضح فريد، أن الدعوات لدخول قوات أممية، سواء كانت من جهة تنسيقية “تقدم” أو من مناصري الجيش، تحمل في طياتها دوافع سياسية بدلًا من التركيز على حماية المدنيين.

يتعرض السودان لأزمة إنسانية غير مسبوقة جراء تصاعد العنف بعد النزاع المسلح

وأشار إلى أن الهدف الحقيقي لهذه القوات يجب أن يكون وسيلة لتحقيق الحماية، لا غاية سياسية. وأضاف: أنه “في المقابل، نجد أن الطرف الداعي لوجود القوات الأممية يسعى لاستخدامها للتشكيك في شرعية حكومة بورتسودان، بينما يرفض الطرف الآخر هذه القوات بحجة السيادة الوطنية وإدراجها ضمن القوانين الدولية التي تتطلب موافقة الدولة المضيفة”.

وينوه فريد إلى أن كلا الموقفين غير صائبين، لأن جوهر القضية يجب أن يظل بعيدًا عن التسييس والتركيز على ما هو ممكن وعملي لحماية المدنيين.

وبشأن الطرح الذي تقدمت به تنسيقية “تقدم” لحماية المدنيين عبر إنشاء مناطق آمنة وفرض حظر جوي وقوات دولية، اعتبر فريد أن هذا الطرح ينطوي على “شبهة التسييس”.

وأشار إلى أنه إذا كانت المناطق المقترحة آمنة بالفعل، فلا حاجة إلى حظر الطيران. وأفاد فريد أن الدعوة لحظر الطيران تشير إلى الرغبة في تغيير موازين القوى بين الأطراف المتحاربة، وهو ما يتجاوز هدف حماية المدنيين ويتدخل في الشؤون العسكرية.

وشدد فريد على أن الأولوية يجب أن تظل لحماية المدنيين دون التأثير على ميزان القوى العسكرية بين الأطراف. وأوضح أنه يجب العمل على نموذج عملي يمكن تطبيقه يضمن للمدنيين حماية تتيح لهم مواصلة حياتهم بعيدًا عن ضغوط الحرب.

من جهته، قال المحامي السوداني والناشط الحقوقي أمير سليمان وأحد مؤسسي المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، إن قضية نشر قوات أممية في السودان شهدت تبلورًا منذ فترة، حيث بدأ الحديث عن إمكانية إرسال قوات أفريقية من قبل “الإيقاد” (قوة إيساف) لحماية المدنيين، على غرار تدخلات مماثلة في الصومال وجنوب السودان.

وأوضح سليمان، أن الأزمة في السودان تخطت عامًا، واجه خلالها المدنيون انتهاكات جسيمة من طرفي النزاع، مما دفع الملايين للجوء والنزوح، مع انتشار الأمراض مثل الكوليرا وحمى الضنك، وسط نقص بالغذاء وتعطل المدارس مما ينذر بمجاعة محتملة نتيجة تعطل الزراعة.

وأضاف سليمان في مقابلة مع (عاين): أن “الحكومة السودانية تتيح وصول بعض المساعدات عبر بورتسودان ومعبر أدري، بينما يتيح الدعم السريع وصولها عبر مناطقه”.

ولكنه أشار إلى أن الإشكالية تظل في مدى وصول هذه المساعدات فعليًا للمدنيين، إذ شهدت عدة حوادث استهداف العاملين في مجال الإغاثة ومواد الإغاثة نفسها، ما دفع المجتمع الدولي للتفكير بجدية في حماية المدنيين.

تدخل قوات أممية في السودان يطرح عدة تساؤلات حول مسألة السيادة الوطنية، رغم أنه ممكنًا إذا استمر النزاع بما يهدد الأمن والسلم الدوليين

القانوني، أمير سليمان

وبشأن تدخل قوات أممية لحماية المدنيين، أشار سليمان، إلى أن هذا التدخل يطرح عدة تساؤلات حول مسألة السيادة الوطنية، رغم أن تدخل الأمم المتحدة يعتبر ممكنًا إذا استمر النزاع بما يهدد الأمن والسلم الدوليين.

وأوضح أن النزاع السوداني توسع ليشمل معظم الولايات، بمشاركة قوى إقليمية تسلح وتدعم أحد الأطراف، ما يزيد الحاجة لحماية المدنيين. ، ولفت سليمان، أن بعثات حفظ السلام عادةً تُرسل كحل لتحقيق هذه الحماية، وتضم جنودًا من دول متعددة بميزانية وإشراف أممي، بالإضافة إلى موظفي شرطة مدنية ومستشارين ومدافعين عن حقوق الإنسان.

وأفاد أن دور البعثة يتجاوز حماية المدنيين ليشمل دعم المؤسسات العدلية والمدنية وتقديم الدعم الفني للدولة، مع إمكانية التدخل العسكري في حال تعرض المدنيين للعنف، كما حدث في تجربة “اليوناميد” عام 2007.

وأضاف سليمان، أن بعثات الحماية تواجه معوقات؛ بدءًا من قبول الدولة للبعثة، مرورًا بتوفير التمويل، وصولاً للتحديات اللوجستية وتوفير الجنود. وأكد أن استمرار القتال في السودان يجعل من الصعب تحقيق السلام الذي تتطلبه بعثات السلام عادةً.

بعثة إنسانية

وأشار سليمان، إلى أن الحل الأمثل حاليًا قد يكون إرسال بعثة إنسانية تهدف لتقديم الدعم الإنساني وإنشاء مناطق آمنة للمدنيين، إذ أن التدخل العسكري أصبح معقدًا ويحتاج وقتًا كان يجب استغلاله بشكل مبكر حسب ميثاق الاتحاد الأفريقي.

وأفاد أنه بالرغم من دعوات التدخل من مجلس السلم والأمن الأفريقي ومنظمة “الإيقاد”، لم يتم تحريك قوات أفريقية لفرض الحلول السلمية، كما لم يتدخل المجتمع الدولي بما يكفي.

وأشار سليمان إلى أن مجلس الأمن قد يواجه عراقيل من دول مثل الصين وروسيا عند إصدار قرار لإرسال بعثة دولية.

وأضاف: أنه “في ظل تعقيدات الوضع الراهن، يبقى الحل في تدخل المجتمع الدولي بوسيلة فاعلة لحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة، مع العمل على محاسبة الأطراف التي ارتكبت انتهاكات بحق الشعب السوداني”.

منزل مهجور في مدينة ام درمان- الصورة: عاين

من جانبه، قال باحث مختص بالسودان للمنظمة الدولية “هيومان رايتس ووتش” فضل حجب اسمه لـ(عاين): إن “حماية المدنيين هي واجب على الطرف العسكري الذي يسيطر على المنطقة المحددة”. وأوضح أنه منذ أبريل 2023، لم يُظهر طرفا النزاع في السودان استعدادًا حقيقيًا لحماية المدنيين في المناطق التي يسيطرون عليها.

وأفاد الباحث، أنه منذ ذلك الحين، منعت الحكومة السودانية وصول المساعدات الإنسانية، بينما تمارس قوات الدعم السريع عمليات نهب واسعة للإغاثة، مما يجعل من الصعب الوثوق في أي من الطرفين لحماية المدنيين.

وأشار الباحث، إلى أن المطلب الأساسي يجب أن يناقش مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي خيارات حماية المدنيين عبر نشر قوات حفظ سلام، بهدف تأمين مناطق آمنة للمواطنين في السودان وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

مناطق آمنة

وأفاد أن هناك تباينًا بين المجتمع المدني السوداني والسياسيين في هذا الصدد. وقال إن تنسيقية “تقدم” تطالب، إلى جانب مطالب أخرى، بفرض حظر للطيران. لكن المطلب الأساسي للمجتمع المدني هو وجود مناطق آمنة لخروج المواطنين وتوفير المساعدات الإنسانية لهم، بالإضافة إلى ضرورة نشر قوات حماية لهذه المناطق ومنع أي انتهاكات.

وأكد الباحث أنه لا بد من الضغط السوداني لتحقيق هذا الهدف، إذ يعتمد نجاح دخول القوات على رغبة الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي في الاستماع لهذه المطالب. وأضاف: أنه “مع انتقال رئاسة مجلس الأمن إلى بريطانيا، هناك فرصة أكبر لأن تلقى الدعوة قبولًا دوليًا”.

المطلب الأساسي في قضية القوات الأممية هو خروج الدعوة من نطاق المنازعات السياسية، والتركيز فقط على وضع المدنيين في السودان الذي أصبح كارثيًا

باحث في منظمة هيومن رايتس ووتش

وفيما يتعلق بدور القوات الأفريقية، أكد الباحث أن المطلب الأساسي في هذه القضية هو خروج الدعوة من نطاق المنازعات السياسية، والتركيز فقط على وضع المدنيين في السودان الذي أصبح كارثيًا.

وأفاد أنه لتتمكن هذه القوات من دخول السودان، يتطلب الأمر موافقة مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي، عبر تقديم هذا الاقتراح بالتنسيق بينهما في الأمم المتحدة. وأوضح أن القوات الأفريقية، المحايدة وغير المرتبطة بأطراف الصراع السوداني، تُعتبر الأنسب للوضع الحالي في السودان، حيث يمكنها تقديم الحماية والمساعدة بعيدًا عن أي تحيز.

3ayin.com