خبر ⁄سياسي

المثلث الحدودي: معركة السيطرة على الموارد والطرق اللوجستية

المثلث الحدودي: معركة السيطرة على الموارد والطرق اللوجستية

أمستردام: 6 يناير 2025: راديو دبنقا

أكدت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، إنها تمكنت من قطع الطريق على إمدادات عسكرية ولوجستية في مثلث الحدود السودانية- الليبية- التشادية، كانت في طريقها إلى مليشيا الدعم السريع.

وأوضحت في بيان صدر يوم الأحد 5 يناير 2025، أن هذه الإمدادات تشمل أسلحة متطورة وذخائر ومواد تموينية بجانب وقود سيارات، مشيرة إلى إلقائها القبض على أفرادا مقربين من قيادة الدعم السريع

ونوه البيان إلى أن القوة المشتركة لن تتساهل في دخول أي أسلحة إلى الدعم السريع عبر الصحراء، مؤكدة أنها تراقب بكثب الحدود السودانية التشادية الليبية.

واللافت للانتباه أن البيان لم يشر إلى حدوث معارك في هذه المنطقة، الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات بشأن أهمية هذه المنطقة والتي دفعت القوة المشتركة للوصول إليها بالرغم من أن المنطقة تخلو تماما من القرى على جانبي الحدود السودانية والليبية، بينما يتناثر عدد قليل من القرى المعزولة على الجانب التشادي من الحدود المشتركة.

جغرافية المثلث

مثلث الحدود الليبية-السودانية-التشادية يقع على بعد 382 كيلومتر عن مثلث الحدود المصرية-السودانية-الليبية وعلى طول خط الطول 25 درجة شرق حتى تقاطعه مع خط العرض 20 درجة شمال حيث يتجه خط الحدود ناحية الغرب لمسافة 105 كيلومترا حتى نقطة التقاطع مع خط العرض 24 شرق ثم يتجه خط الحدود جنوبا لمسافة 56 كيلومتر حيث نقطة تلاقي الحدود الثلاثية بين ليبيا وتشاد والسودان.

تم أول ترسيم للحدود بين الدول الثلاث في العام في عام 1925، حيث وقعت بريطانيا وإيطاليا معاهدة حدودية، حيث تم استخدام خط عرض 22 شمال بدءًا من النقطة الثلاثية مع مصر ويمتد غربًا، وينتهي عند الحدود بين ليبيا الإيطالية وإفريقيا الاستوائية الفرنسية (أي الحدود الحديثة بين تشاد وليبيا). تمت الإشارة إلى الزاوية الشمالية الغربية من السودان باسم مثلث صرة قبل أن يحري التنازل عن هذه المنطقة لإيطاليا في 20 يوليو 1934، وأعيد ترسيم الحدود في موقعها الحالي في 7 يناير 1935، وقعت فرنسا وإيطاليا معاهدة غيرت الحدود بين إفريقيا الاستوائية الفرنسية وليبيا الإيطالية جنوبًا (إنشاء قطاع أوزو)، وبالتالي نقل الحدود إلى الجنوب، لكن لم يتم التصديق على هذه الاتفاقية رسميا من قبل الطرفين وبالتالي لم يتم تنفيذها أبدا.

وتقع نقطة المثلث الحدودي في ولاية شمال دارفور، وأقرب المناطق المأهولة بالسكان إليها هي واحة النخيلة التي تبعد عن المثلث بحوالي 250 كيلومترا في اتجاه الشرق وواحة العطرون التي تقع على بعد 311 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من نقطة المثلث. أما أقرب مدن الولاية إلى نقطة مثلث الحدود فهي مدينة الطينة والتي تبعد بمسافة 511 كيلومترا نحو الجنوب، فيما تبعد نقطة المثلث بحوالي 591 كيلومتر عن مدينة كتم و 675 كيلومتر عن عاصمة الولاية، الفاشر، في اتجاه الجنوب.

مثلث الحدود السودانية الليبية التشادية – خرائط قوقل

مثلث النزاعات

الحقيقة الرئيسية في هذه المنطقة أنها تمثل نقطة الالتقاء الجغرافي بين ثلاث دول تشهد عدم استقرار سياسي وحروب داخلية منذ أن نالت استقلالها حتى الآن. وبغض النظر عن خصوصية النزاعات في كل من تشاد وليبيا والسودان، إلا أن هناك 3 سمات أساسية تميز النزاعات في الدول الثلاث وأولها أنها نزاعات عابرة للحدود، أي أن كل بلد يمثل مصدرا للتجنيد للنزاعات في الدول الأخرى ولعل مشاركة حركات دارفور في الحرب الليبية، وتجنيد الدعم السريع في أوساط القبائل العربية في تشاد، وانطلاق الحركات المسلحة التشادية من الأراضي السودانية للاستيلاء على السلطة في تشاد كلها تمثل شواهد على هذا الواقع.

السمة الثانية للنزاعات في هذه الدول، أنها متعددة الدوافع ولا يمكن ربطها بعامل واحد، فهي نزاعات سياسية من أجل السيطرة على السلطة، وفي نفس الوقت هي نزاعات تستهدف السيطرة على الموارد (الأرض، المراعي الخصبة، المعادن النفيسة، الخ). السمة الثالثة المُهمّة في هذه النزاعات أنها ذات طابع جهوي وإثني، بغضّ النظر عن المنظومات السياسية التي تتخذها كواجهات والأيديولوجية التي تتبناها.

كل هذه العوامل جعلت من منطقة التداخل بين الدول الثلاث مرتعا لكل الأنشطة غير القانونية خصوصا في ظل عدم قدرة السلطة في الدول الثلاث على فرض هيبتها في هذه المنطقة ليس فقط بسبب بعدها الجغرافي، ولكن بسبب صعوبة الوصول إليها لانعدام البنيات الأساسية من طرق ومطارات، وحولت هذه المنطقة إلى مركز للتعدين الأهلي للذهب ومعبر للتهريب بما في ذلك تهريب السلاح والمعدات العسكرية وطريقا لتجارة البشر التي ازدهرت بصورة أكبر بعد اندلاع الحرب.

ولاية شمال دارفور

مناجم الذهب

تنتشر في المنطقة العديد من المناجم الكبيرة والتي تسود فيها أنشطة التعدين الأهلي وأهمها مناجم كوري بوغودي، مسكي، منطقة 35 ومنجم 13. هذه الأنشطة لا تعترف بالحدود السياسية بين الدول الثلاث ورغم محاولات الجيش الوطني الليبي (بقيادة خليفة حفتر) المتعددة للسيطرة على امتدادات هذه المناجم داخل أراضيه، إلا أنه فشل. بينما ظلت قوات الدعم السريع تمتلك اليد الطولى في السيطرة على تجارة الذهب المستخرج من هذه المنطقة بالنظر إلى أنها تتولى تأمين مناطق التعدين من اعتداءات عصابات الجريمة المنظمة وفي نفس الوقت تمتلك قنوات مفتوحة لتسويق انتاج الذهب.

وكان الرئيس محمد دبي قد قدّر في فترة سابقة قيمة ما ينتج أسبوعيا من هذه المناطق بحوالي 90 مليون دولار، وقد سعى من جانبه لفرض قبضة الدولة التشادية على المناجم داخل أراضيها، لكنه وجد بمقاومة كبيرة من بعض أعيان قبائل التبو التي تتواجد في تشاد وليبيا والمسيطرين على عمليات تهريب الذهب إلى ليبيا. من جانبها، تركت الحكومة السودانية للدعم السريع حرية السيطرة على هذه المنطقة.

لكن مع اندلاع الحرب، وخروج عدد من حركات الكفاح المسلح في دارفور عن الحياد، أصبحت هذه الحركات تبحث عن مصادر مالية لتمويل الحرب، وتسعى في نفس الوقت لحرمان الدعم السريع من واحد من أهم مصادر تمويله والمتمثل في تجارة الذهب، الأمر الذي يفسر قرار قيادتها بإرسال قوات إلى هذه المنطقة. أكثر من ذلك، وبما أن هذه المناطق تجذب الشباب الذي يبحث عن الثروة ولا يأبه بالمخاطر، تحولت مناجم التعدين إلى مصادر لتجنيد الشباب للقتال في قوات الدعم السريع، كان لا بد للقوات المسلحة وحلفائها من تجفيف مصادر التجنيد.

تجارة البشر

على مدى سنوات طويلة ظل مثلث الحدود بين تشاد وليبيا والسودان أحد المعابر الرئيسية للهجرة السرية من كل دول القرن الأفريقي إضافة إلى جنوب السودان وأفريقيا الوسطى. ووفق تقديرات الأمم المتحدة فإن عائدات الهجرة السرية وصلت إلى ما يزيد عن المليار دولار سنويا في السنوات الأخيرة وظلت الحدود السودانية مع ليبيا أحد أهم الممرات الأمر الذي دفع الاتحاد الأوربي في فترة ما قبل ثورة ديسمبر لإبرام اتفاقات مع قوات الدعم السريع لمحاصرة الهجرة السرية.

بعد اندلاع الحرب، كان غالبية اللاجئين إلى ليبيا يفضلون العبور عن طريق مثلث الحدود المصرية-الليبية-السودانية باعتبار أن المنطقة أكثر أمانا. لكن في أغسطس من العام الماضي، أصدرت السلطات السودانية بالولاية الشمالية أمراً أوقفت بموجبه السفر من منطقة الخناق إلى المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر. وبررت السلطات قرارها بسعيها لوقف عمليات اللجوء المتواصلة نحو ليبيا واكتظاظ المثلث بالمواطنين في أوضاع مزرية دون مأوي او غذاء ودواء وانتشار الأمراض والسرقات والظواهر السالبة من المخدرات واستغلال أصحاب الترحيلات السفرية للمواطنين.

من جانبها، قيدت السلطات الليبية حركة اللاجئين السودانيين نحو أراضيها بإغلاق منفذ العوينات الحدودي بين البلدين ونشر عشرات الدوريات الصحراوية وشددت من إجراءات الدخول عبر مصادرة السيارات وفرض غرامات مالية على السائقين تتجاوز 7 ألف دينار ليبي ما يعادل 1000 دولار أمريكي.

دفع ذلك الراغبين في العبور إلى ليبيا إلى اختيار الطريق البديل عبر مثلث الحدود بين ليبيا وتشاد والسودان. وحسب إحصاءات السلطات الليبية فإن 1500 شخص يعبرون الحدود من السودان إلى داخل أراضيها يوميا. ويضطر هؤلاء إلى دفع مبالغ طائلة لسائقي المركبات والشاحنات التي تنقلهم من السودان إلى داخل الأراضي الليبية، من جانبهم يشكو سائقو المركبات والشاحنات من “الاتاوات” التي يفرضها عليهم المسلحون في هذه المناطق من أجل السماح لهم بالعبور وهو ما يمثل مصادر دخل كبيرة لمن يسيطر على هذه المناطق.

تهريب السلاح

إذا كان بيان القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح يؤكد شيئا واحدا، فهو أن قوات الدعم السريع تستخدم عددا من طرق الإمداد لتوفير احتياجات قواتها من السلاح والذخيرة والطعام والوقود. ورغم سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق حدودية واسعة مع تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، إلا أن ليبيا، وحليفها خليفة حفتر، مازال يمثل معبرا أساسيا لتوفير احتياجات قوات الدعم السريع. وقد جاءت قضية نقل المرتزقة من كولمبيا إلى دارفور عبر مناطق سيطرة الجيش الوطني الليبي، الحليف للإمارات، لتؤكد هذه الفرضية.

صحيح أن القوة المشتركة قد تحركت على ضوء معلومات استخبارية سمحت لها باعتراض شحنة الأسلحة والقبض على الأشخاص الذين ينقلونها، لكنها دون شك تحتاج إلى أن يكون لها وجود دائم في هذه المنطقة لقطع الطريق أمام إمدادات الدعم السريع القادمة من الشمال الغربي وحرمانه من طريق امداد لوجستي قصير بعيد عن ضربات الطيران الحربي.

معركة الصحراء تتوسع

أصبح واضحا أن المعارك في ولاية شمال دارفور تتجه نحو الشمال وليس في اتجاه الجنوب. فبعد المواجهات العنيفة في منطقة المالحة، ينتقل السباق اليوم إلى مثل الحدود السودانية-الليبية-التشادية وهو ما يفسر تقدم القوة المشتركة حتى هذه المنطقة البعيدة والمعزولة. الحرب هنا تأخذ أبعادا خاصة: فهي حرب على الموارد عبر السيطرة على مناجم الذهب وتجارته وطرق الهجرة السرية وموارها الهائلة. وهي كذلك حرب للسيطرة على هذا المنفذ الاستراتيجي في عمليات تهريب السلاح. كلا طرفا هذه الحرب لا مصلحة له في عودة الدولة السودانية وسلطتها إلى هذه المناطق، لذا ستكون هذه المنطقة في مقبل الأيام مسرحا لمعارك شرسة قد تعبر الحدود إلى دولتي الجوار.

dabangasudan.org